أبولو ١١: الخطوة الأولى للبشرية على القمر

صورة تاريخية التقطها رائد الفضاء إيدوين آلدرين في بعثة أبولو ١١ التي حطت على القمر لأول مرة في التاريخ عام ١٩٦٩، وهي من ضمن تجربة لدراسة طبيعة التربة القمرية وتأثير الضغط على سطحها. (حقوق الصورة: NASA)

 

تغزّل الإنسان منذ القدم بالقمر وجماله ونسج عشرات الحكايات عنه، ولكن من كان يفكر مجرد تفكيرٍ بالمشي على سطحه مثلاً؟ كان ذلك مستحيلاً!

لكن المستحيل صار حقيقة عام ١٩٦٩ عندما حملت مركبة «أبولو ١١» في رحلتها التاريخية ثلاثة رواد فضاء ليحط اثنان منهما على سطح القمر لأول مرة في التاريخ ويشاهدهما ملايين البشر حول العالم على الشاشات.

ما هي «أبولو ١١»؟

هي المركبة التي حملت المهمة اسمها ونقلت رواد الفضاء إلى سطح القمر ضمن برنامج أبولو الفضائي، وهي مكونة من مركبتين أو وحدتين ملتحمتين: وحدة خدمة وتحكم «كولومبيا» ووحدة للهبوط على القمر «إيغل أو النسر». وكان المخطط أن تبقى وحدة القيادة والتحكم في مدار القمر، أما وحدة الهبوط «إيغل» فتنفصل عنها وتهبط على سطح القمر، وهو ما حدث فعلاً في ٢١ تموز/ يوليو ١٩٦٩.

وقد تسأل لماذا سميت أبولو ١١؟ ببساطة لأنها سبقت بمهمات مثل أبولو ٨ و١٠ التي اقتربت من القمر، وللعلم فقد انتهى برنامج أبولو برحلة أبولو ١٧ عام ١٩٧٤.

 

من كان رواد الفضاء في «أبولو ١١»؟

تألّف طاقم أبولو ١١ من ثلاثة رواد فضاء متمرسين سبق أن زاروا الفضاء:

– نيل آرمسترونغ الشهير بصفته قائداً للمهمة.

– إيدوين يوجين آلدرين الملقب «باز آلدرين» ومهمته قيادة وحدة الهبوط على القمر «إيغل».

– مايكل كولينز ومهمته قيادة وحدة التحكم والخدمة «كولومبيا» والبقاء فيها في مدار القمر.

 

طاقم أبولو ١١
طاقم أبولو ١١: نيل آرمسترونغ ومايكل كولينز و باز آلدرين. (حقوق الصورة: NASA)

 

من التخطيط للرحلة إلى الهبوط على القمر

درست ناسا سطح القمر لمدة عامين بحثاً عن أفضل مكان لذلك الهبوط التاريخي معتمدين على صور من برنامجي المتتبع القمري وسيرفيور، إلى أن وصلوا إلى ثلاثة مواقع مرشحة للهبوط فيها.

وفي ١٦ تموز/ يوليو ١٩٦٩ أقلعت «أبولو ١١» من مركز كينيدي للفضاء في فلوريدا الساعة ٩:٣٢ صباحاً.

وفي ٢٠ تموز/ يوليو دخل آرمسترونغ و آلدرين وحدة الهبوط على القمر «إيغل» أي النسر، وانفصلت عن وحدة التحكم والخدمة «كولومبيا»، وتوجهت نحو سطح القمر.

حطت الوحدة القمرية على سطح القمر في موقع بحر السكون، وهي منطقة بازلتية، وعندها اتصل آرمسترونغ بهيوستن وقال كلماته التاريخية: «من قاعدة بحر السكون إلى هيوستن، حط النسر بنجاح».

ويذكر أن آرمسترونغ وآلدرين بقيا في أول ساعتين على القمر داخل الوحدة القمرية لتفقدها وتجهيزها للتوقف وتناولا الطعام، ثم قررا بالتشاور مع ناسا تخطي فترة الراحة المقررة لهما لمدة ٤ ساعات واختارا أن يخرجا من المركبة ويستكشفا سطح القمر بدلاً من ذلك.

وقد زودت كاميرا فيديو مثبتة داخل المركبة ببث مباشر أثناء نزول آرمسترونغ عن السلم الساعة ١١:٥٦ مساءً يوم ٢٠ تموز/ يوليو ١٩٦٩، وعندما قال تلك الكلمات: «إنها خطوة صغيرة لإنسان، لكنها قفزة هائلة للبشرية». وتبعه آلدرين بعد عشرين دقيقة.

لحظات تاريخية على القمر

أجرى آرمسترونغ وآلدرين عدة تجارب وجمعا عينات من تربة القمر وصخوره ولبه الصخري لجلبها إلى الأرض، وقاما بنصب علم الولايات المتحدة على القمر – الأمر الذي أحدث جدلاً كبيراً في العالم كما نعلم-  وتحدثا مع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون حينها، ولعل أهم رمز بشري تركوه على سطح القمر كان لوحة معدنية كتب عليها: «هنا وضع رجال من كوكب الأرض أقدامهم على القمر لأول مرة في تموز/ يوليو ١٩٦٩ للميلاد. جئنا بالسلام نيابة عن البشرية جمعاء».

كما ترك الرائدان ميداليات تذكارية عليها أسماء رواد فضاء أمريكيين وروس فقدوا حياتهم خلال الرحلات أو أثناء التدريب، وتركوا قرصاً من السيليكون يحمل رسائل مودّة من ٧٣ بلداً وأسماء قادة الكونغرس وناسا.

وقد استمرت جولتهما هذه خارج المركبة أكثر من ساعتين ونصف، وكان المشي أسهل مما توقعوه كما قالا.

 

آلدرين مع العلم الأمريكي فوق سطح القمر
آلدرين مع العلم الأمريكي فوق سطح القمر في تموز/ يوليو ١٩٦٦ (حقوق الصورة: NASA)
نيل آرمسترونغ على القمر
نيل آرمسترونغ على القمر خلال مهمة أبولو ١١ عام ١٩٦٩ (حقوق الصورة: NASA)

العودة من القمر

بعد قضاء وحدة الهبوط «إيغل» ٢١.٦ ساعة على القمر، انطلقت رجوعاً لتلتحم مع وحدة القيادة والتحكم «كولومبيا» في مدار القمر حيث كان كولنز، وبعد انتقال الطاقم والعينات إليها، انفصلت «إيغل» لتبقى في الفضاء، وعادت «كولومبيا» بالرواد إلى الأرض.

هبط الفريق في المحيط الهادئ يوم ٢٤ تموز/ يوليو، ولبسوا بذّات عزل بيولوجي خوفاً من التقاطهم لأية جراثيم من القمر، ونُقلوا إلى الحجر ليمكثوا فيه حتى حتى ١٠ آب/ أغسطس.

وبذلك أتم الرجال الثلاثة الهدف الوطني الذي وضعه الرئيس جون كينيدي عام ١٩٦١ بتتفيذ هبوط مأهول على القمر والعودة إلى الأرض.

رواد فضاء أبولو ١١ في عربة الحجر يحيّون زوجاتهم
رواد فضاء أبولو ١١ في عربة الحجر يحيّون زوجاتهم عند وصولهم وذلك في قاعدة إلينغتون الجوية في ٢٧ تموز ١٩٦٩(حقوق الصورة: NASA)

ماذا حلَّ بـ «أبولو ١١» وطاقمها؟

ما زال الاحتفاء بأبولو ١١ قأئماً حتى يومنا هذا، من سكّ قطع نقدية تذكارية، إلى معرض مؤسسة ثيمثسونيان القمري، وجولة المركبة «كولومبيا» عام ٢٠٢١ لأول مرة منذ عام ١٩٧١ لتتوقف في هيوستن وسانت لويس وسان بطرسبرغ وسياتل، ولدى متخف الطيران والفضاء الوطني في واشنطن عدد من المناسبات الخاصة والمعارض التي صممت للاحتفال بذكرى أبولو ١١ السنوية.

ويذكر أن  متحف الطيران والفضاء الوطني استضاف في تموز/ يوليو ٢٠٠٩ احتفالاً في الذكرى ٤٠ لمهمة أبولو ١١، وتضمن الحفل إلقاء طاقم أبولو ١١ الثلاثي كلماتهم. وما زال كولينز وآلدرين يظهران بانتظام في أية نشاطات ذات صلة بأبولو ١١ مع أنهما في نهاية الثمانينات من عمريهما.

أما آرمسترونغ فقد توفي في ٢٥ آب/ أغسطس ٢٠١٢ جراء مضاعفات عملية قلبية، وفي الذكرى الخمسين لأبولو ١١ عام ٢٠١٩ أطلقت  يونيفرسال بيكتشرز فيلم «الرجل الأول» وهو فيلم كُتب بناءً على مسيرة آرمسترونغ حتى أصبح أول رجل يطأ القمر في التاريخ.

ولا يسعنا في النهاية إلا أن نقول بأن تلك الرحلة من أعظم ما حققه الإنسان عبر التاريخ حقاً.

ملخص المقال

مهمة أبولو ١١ هي المهمة التي حملت الإنسان لأول مرة في التاريخ إلى سطح القمر في ٢٠ تموز/يوليو ١٩٦٩، وتكونت مركبة أبولو ١١ من وحدة الهبوط إيغل وكان فيها نيل آرمسترونغ قائد البعثة وإيدوين آلدرين، ووحدة الخدمة والتحكم كولومبيا وفيها مايكل كولينز. جمع آرمسترونغ وآلدرين عينات وصخور قمرية ونصبا العلم الأمريكي وتحدثا مع الرئيس نيكسون وتركا تذكارات ورسائل سلام على سطح القمر. عادوا إلى الأرض في ٢٤ تموز/يوليو وعزلوا حتى ١٠ آب/ أغسطس. وما زال الاحتفاء بأبولو ١١ قائماً حتى اليوم في المناسبات والمعارض والتكريمات.