أحزمة فان ألن الإشعاعية: حقائق ونتائج

أحزمة فان ألن الإشعاعية
حزمتان ضخمتان من الإشعاع، تعرفان باسم حزمتا فان ألن الإشعاعيتين تحيطان بالأرض. اكتشفتا عام 1958. وأظهرت عمليات رصد مسباري فان ألن عام 2012 إمكانية ظهور حزام ثالث أيضاً. ويظهر الإشعاع هنا باللون الأصفر. ويعبر اللون الأخضر عن الفراغات بين الأحزمة. حقوق الصورة: NASA/Van Allen Probes/Goddard Space Flight Center

تحيط حزمتان عريضتان من الجسيمات عالية الطاقة والمحصورة مغناطيسياً بالأرض. وقد اكتشف هذه الأحزمة الإشعاعية عالم الفيزياء جيمس فان ألن عام 1958. وذلك بعد إطلاق إكسبلورر 1 أول قمر صناعي أمريكي. وسميت هذه الأحزمة الإشعاعية في النهاية أحزمة فان ألن تيمناً به.

وكانت تجرية فان ألن على القمر إكسبلورر 1 تجربة أشعة كونية بسيطة. وتكونت من عداد جايجر (جهاز يرصد الإشعاع) وشريط تسجيل. وقد أفادت ثلاث تجارب لاحقة عام 1958 في مهمات إكسبلورر 3 وإكسبلورر 4 وبايونير 4 بوجود حزامين من الإشعاع يدوران حول الأرض.

وبينما استمرت عمليات الرصد لعقود، تطورت معرفتنا بهذه الأحزمة عندما أطلق مسبارا فان ألن عام 2012. إذ وجدا بأن هذه الأحزمة أكثر تعقيداً مما تصورنا سابقاً. وأظهرا أن شكل هذه الأحزمة يعتمد على نوع الجسيم المدروس.

كما أشارا إلى وجود كميات أقل من الإشعاع في بعض أجزاء أحزمة فان ألن. وهذا يعني بأن المركبات لن تحتاج إلى الكثير من الحماية من الإشعاع عند مرورها في هذه المناطق.

وتنبع أهمية دراسة هذه الأحزمة بأن تقنياتنا الحالية أكثر حساسية لهذه الجسيمات المتسارعة. فاصطدام جسيم بمفرده بها يمكنه أن يربك عمل أصغر الأدوات والأجهزة الإلكترونية. ومع مزيد من التقدم في تقنياتنا، تغدو الحاجة أكثر إلحاحاً لفهم البيئة الفضائية والتنبؤ بها.

الاكتشافات الأولية للمسبارين

يأتي جزء من الاهتمام بأحزمة فان ألن بسبب موقعها. ويعرف بأن الأحزمة يزداد حجمها عندما يزيد نشاط الشمس. وقد ظن العلماء قبل إطلاق المسبارين بأن الحزام الداخلي ثابت نسبياً. ولكن عندما توسع بالفعل، امتد تأثيره لما بعد مدار محطة الفضاء الدولية وعدة أقمار اصطناعية. أما الحزام الخارجي فغالباً ما يكون أكثر تقلباً.

ويبقى معظم الرواد في محطة الفضاء الدولية لمدة ٦ أشهر، والبعض لمدة عام. ومع زيادة بقاء الرواد في المدار لمدة أطول، فقد يزداد تعرضهم للإشعاع. ما يؤدي بالطبع إلى تزايد المخاوف حول بقاء الرواد في الفضاء لمدة طويلة.

مسباري فان ألن

ولهذا اهتم العلماء بدراسة عن قرب لهذه الأحزمة، وقد أطلق مسبارا فان ألن عام ٢٠١٢ بالفعل لدراستها. وكان للمسبارين أهداف علمية عديدة، منها: اكتشاف كيفية تسارع الجسيمات -أيونات وإلكترونات- داخل الأحزمة وكيفية انتقالها، وكيفية فقد الإلكترونات، وكيفية تغير الأحزمة خلال العواصف المغناطيسية الأرضية.

وقد خطط أن يعمل المسبارين لعامين، لكنهما عملا لفترة أكبر. وقد أخرجا عن العمل في عام 2019 بعد نفاد الوقود، ويقدر أنهما سيخرجان من المدار في العقد القادم.

وعادة ما يستغرق العلماء عدة أشهر بعد إطلاق المسبار لمعايرته، لكن هذن المسبارين شغلا مباشرة بعد ثلاثة أيام من الإطلاق فحسب. وسبب ذلك أن العلماء كانوا يريدون مقارنة نتائج الرصد قبل أن تخرج مهمة سامبيكس اختصاراً أو المستكشف 68 من مدارها وتدخل غلاف الأرض الجوي.

وكان ذلك ضربة حظ لناسا، إذ أدت عاصفة شمسية إلى تضخم أحزمة الإشعاع بذات الوقت الذي شغل فيه المسباران. وعندها حدث ما لم يره أحد من قبل، ألا وهو توضع الجسيمات في تموضع جديد، مظهرة حزاماً ثالثاً إضافياً ممتداً في الفضاء. وذلك بعد أيام فقط من إطلاقهما.

مسباري فان ألن
تصور فني لمسباري فان ألن يدوران حول الأرض. حقوق الصورة: JHU/APL

درع واقٍ

أظهرت البيانات التي جمعها المسباران أن الأحزمة الإشعاعية تقي الأرض من الجسيمات عالية الطاقة. وأهم ميزاتها أن تصد الإلكترونات فائقة السرعة. ويمكننا دراستها بسبب القياسات الدقيقة لهذه الإلكترونات عالية الطاقة.

وقد ساعدت معلومات المسبارين العلماء على إنشاء نمذجات للتغيرات في الأحزمة. وفي أوائل 2016 أعلن العلماء أن شكل الأحزمة يعتمد على نوع الإلكترونات التي تدرس. وهذا يعني أن الأحزمة أكثر تعقيداً. وبناء على الجسيمات التي تتعرض للدراسة قد تبدو حزاماً واحداً أو حزامين منفصلين أو حزاماً خارجياً فحسب دون أي حزام داخلي.

وتبين لدى العلماء أن الحزام الداخلي -الأصغر بصورته الكلاسيكية- أكبر من الحزام الخارجي عند رصد الإلكترونات ذات الطاقات الأقل. بينما يكون الحزام الخارجي هو الأكبر عند رصد الإلكترونات عند طاقات أعلى.

والأمر الذي لم يفهم بما يكفي هو ما يحدث عندما تصطدم الجسيمات القادمة من الشمس بالحزام أثناء العواصف المغناطيسية الأرضية. ومن المعلوم بأن عدد الإلكترونات في الأحزمة يتغير، إما أنه يزداد أو ينقص اعتماداً على الحالة. وبالإضافة إلى ذلك، تعود الأحزمة إلى شكلها الأساسي بعد انتهاء العواصف.

ومن غير الواضح نوع العاصفة التي تسبب شكلاً محددا للحزام. والجدير بالذكر أن كل عمليات الرصد أجريت فقط مع إلكترونات عند بعض المستويات الطاقية، وهناك حاجة للمزيد من العمل.

وكان الحظ حليف أحد مسباري فان ألن عام 2015 عندما كان في مكان مناسب ورصد اندفاعاً إكليلياً شمسياً من الجسيمات المشحونة القادمة من الشمس وهو يرتطم بأجزاء محددة من الحزام. وكانت الصدمة أشبه بالتسونامي التي تحدثها الزلازل.

قاس المسبار هذه الدفقة المفاجئة من الإلكترونات وهي تتحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء، ومن ثم اصطدمت بالإشعاع الخارجي في الحزام. وقد بقيت هذه الإلكترونات مدة قصيرة، وتبددت طاقتها في دقائق.

ولكن بعد ذلك بخمسة أيام رصد مسبارا فان ألن عدداً متزايداً من إلكترونات كانت أعلى طاقة حتى. وهذه الزيادة بعد العاصفة دليل على عملية ارتفاع مستويات الطاقة بعد العاصفة.

تصميم مركبات أفضل

إن مسباري فان ألن صمما تصميماً فريداً بحيث يكونان منيعان لتحمل البيئة النشطة إشعاعياً بشدة في منطقة الأحزمة. ولكن بعض المركبات الفضائية أضعف وخاصة في وجه العواصف الشمسية. وفي أسوأ هذه الحالات يحدث فيها قصر في الدارات بسبب زيادة الحمل الكهربائي. كما يمكن أن تضطرب الاتصالات. ولحسن الحظ يمكن إطفاء وتشغيل بعض الأجهزة في وقت العواصف الشمسية.

ونظراً لكون الإشعاع يعرض الإنسان للخطر أيضاً. وضعت حدود معينة لتعرض الرائد للإشعاع في حياته. ولقلة الناس الذين بقوا ستة أشهر أو أكثر في الفضاء، نحتاج عقوداً لمعرفة التأثير البعيد لهذه الإشعاعات على الجسم.

والرواد في محطة الفضاء الدولية لا يمضون بانتظام وقتاً داخل هذه الأحزمة. ولكن تؤدي العواصف الشمسية من وقت إلى آخر إلى توسيع الأحزمة لتصل مدار المحطة. ويذكر أن طواقم عدة مركبات من مهمة أبولو في الستينيات قد مرت عبر أحزمة فان ألن في طريقها للقمر. ولكن مدة التعرض كانت قصيرة وفي أضعف مناطق الحزام. ويمكن بالطبع عبر مزيد من الدراسة تأمين حماية أفضل للرواد في بقائهم لمدد طويلة في المدار.

أي أن معرفتنا مدى ضرر الأشعة في المستقبل، سيمكننا من بناء مركبات يمكنها أن تحمي الرواد وتحمي نفسها بصورة أفضل.

وقد أظهرت نتائج من المسبارين أن بعض مناطق الحزام أقل شدة مما اعتقد العلماء. ومنها ما أوجده المسباران عام ٢٠١٧ بأن الأحزمة الداخلية فيها إشعاع أقل مما اعتقد سابقاً.

وهذا ما يعني أننا بحاجة وقاية أقل للمركبات والأقمار في هذه المنطقة. إذ تبقى الإلكترونات الأعلى طاقة في هذه المناطق لوقت أقل مما قدره العلماء.

كما وجد العلماء بعدها أن الاتصالات ذات التردادت شديدة الانخفاض الصادرة من الأرض تعمل في بعض الأحيان درعاً واقياً من إشعاع الجسيمات عالية الطاقة في الفضاء. أي أن نشاطات البشر لها تأثيرات حتى في الفضاء القريب من الأرض.

ملخص المقال

تحيط بالأرض أحزمة إشعاعية اكتشفها عالم الفيزياء جيمس فان ألن عام 1958، وسميت أحزمة فان ألن الإشعاعية تيمناً به. وأظهر مسبارا فان ألن عام 2012، إمكانية ظهور حزام ثالث. وأن الأحزمة تتمدد إلى الفضاء أثناء زيادة النشاط الشمسي.

ويعتمد الشكل المرصود للأحزمة على نوع الجسيم المدروس وطاقته، وتحوي بعض مناطقها كميات أقل من الإشعاع. وتأتي أهميتها لأنها تقي الأرض من الجسيمات عالية الطاقة.

وتؤثر إشعاعاتها على رواد الفضاء وعلى أجهزتنا الفضائية. لذا ستفيدنا دراستها في بناء مركبات تقي الرواد وتفي أنفسها بصورة أفضل.

المصدر

هنا