أول أشكال الحياة في الأرض وخارجها كانت تحت الماء
توصل العلماء عن طريق دراسة الشجرة الجينية للحياة إلى أن أشكال الحياة الأولى يحتمل أنها بدأت تحت الماء، ذلك بسبب حماية المياه لها من الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس.
ما يزال أصل الحياة على الارض لغزاً، ولكن العلماء يجمعون أجزاء الأحجية شيئاً فشيئاً، وذلك لكي يتمكنوا من فهم كيف عاشت أول كائنات حية على الأرض. أي قبل ٢.٥ إلى ٤ مليار عام.
وفي الوقت الحالي، يستخدم علماء من جامعة ويسكنسون ماديسون وجامعة كاليفورنيا ريفرسايد تعلم الآلة، وذلك لتتبع التسلسل التطوري لجزيء بروتيني. يسمى هذا الجزيء رودبسين، ويرجع إلى بعض أقدم أشكال الحياة المكروبية التي وجدت على الأرض. وفي الواقع قد يفيد في البحث عن الحياة خارج الأرض أيضاً كما يقول العلماء.
ووفقاً لعالم الأحياء الفلكية إدوارد شويترمان: «الأمر يشبه أخذ حمض نووي من الأحفاد، لإعادة إنتاج الحمض النووي للأجداد».
ويظن العلماء أن هذا البروتين كان مصدر طاقة لأشكال الحياة الأولى. حيث أنه كان يحول ضوء الشمس إلى طاقة. أما الرودبسين الآن، فهو يمتص الضوء الأزرق والأخضر والأصفر والبرتقالي، ويرتبط بالرؤية في عين الإنسان.
ماذا فعل العلماء؟
بدأ العلماء باستخدام تعلم الآلة للبحث عن الجينات التي تتحكم بالرودبسين، وذلك في أكبر طيف ممكن من الأحياء على الأرض. من ثم تحديد أطول سلالة لهذه الجينات.
وجاءت نتائج هذا التحليل بأن الرودبسين كان يمتص الضوء الأزرق والأخضر فقط. وهذا منطقي إذا كانت الحياة المبكرة قد بدأت تحت المياه. وذلك ببساطة لأن أطوال أمواج الضوء الزرقاء والخضراء تخترق المياه أعمق من باقي أطوال الأمواج. وعندها ستكون القدرة على امتصاص أطوال الأمواج هذه لإمداد الحياة بالطاقة أمر أساسي.
لماذا تحت الماء لا على سطح الأرض؟
ربما كانت البحار والمحيطات من بين أكثر الأماكن أماناً لأشكال الحياة الأولى. حيث كان معظم سطح الأرض غير مناسب للحياة. وهذا لأن الغلاف الجوي للأرض لم يكن يحوي الأوكسجين الحر، وبالتالي لا وجود للأوزون الذي يحمي من الأشعة فوق البنفسجية المدمرة القادمة من الشمس. لذلك كانت أشكال الحياة تحتمي تحت الأرض أو تحت المياه.
ويقول أحد العلماء: «أعدنا بناء سلسلة الحمض النووي لأحد هذه الجزيئات، وهذا جعلنا نربطها بالحياة والبيئة في الماضي».
ربما كانت الطاقة نادرة في بدايات الأرض، لذلك لا بد أن المكروبات التي كانت في تلك الفترة اكتشفت طريقة لاستخدام الطاقة المتوفرة، وذلك دون عمليات معقدة كالتركيب الضوئي في نباتات اليوم، والذي يحول ضوء الشمس إلى جزيئات مخزنة للطاقة.
هل الرودبسين ذو صلة بالكلوروفيل؟
مع أن الرودبسين يعمل بطريقة مشابهة لعمل الكلوروفيل، أي المادة الأساسية في التركيب الضوئي، إلا أنه لا ارتباط بينهما. لا بل كلّ منهما تطور منعزلاً عن الآخر، ليملأ مكانه البيئي المناسب في غياب الآخر.
وفي الواقع بدأ الرودبسين التطور إلى شكله الحديث منذ ٢ إلى ٢.٥ مليار سنة. وذلك عندما وقع «حدث الأكسدة العظيم».
حدث الأكسدة العظيم
وقع عندما أغرق الغلاف الجوي فجأة بالأوكسجين الحر، نتيجة إنتاج الزراقم أو البكتريا الزرقاء الدقيقة له، وهذا لأنها تستطيع القيام بالتركيب الضوئي. يسمى هذا «حدث الأكسدة العظيم»، ويسمى أيضاً «كارثة الأوكسجين». ذلك لأن تغير الغلاف الجوي أدى إلى انقراض عدد كبير من الأنواع البكتيرية التي لا تتنفس الأوكسجين.
ثم ما لبث أن أدت وفرة الأوكسجين إلى تشكيل طبقة أوزون، وقد صدت هذه الطبقة الأشعة فوق البنفسجية الضارة. نتيجة لذلك، غادرت المكروبات التي استطاعت التكيف مع الظروف الجديدة الغنية بالاوكسجين من المحيطات والبحار وتحت الأرض، وبدأت بالانتشار بحرية على سطح الأرض. ومع توفر مزيد من أطوال الأمواج الضوئية، تطور الرودبسين ليستطيع امتصاصها.
فائدة هذه المعلومات خارج كوكب الأرض
يمكن تطبيق هذه النتائج على الحياة خارج الأرض. فالأرض في بدايتها كانت تعد بيئة غريبة إذا قارناها ببيئة اليوم. وبناءً على هذا، فإن فهمنا لكيفية تغير الكائنات الحية مع الوقت في بيئات مختلفة، سيعلمنا أشياء محورية عن كيفية البحث عن الحياة والتعرف إليها في أمكنة أخرى.
ملخص المقال
توصل العلماء إلى أن أشكال الحياة الأولى يحتمل أنها بدأت تحت الماء. وذلك عن طريق تتبع التسلسل التطوري لجزيء بروتيني يدعى الرودبسين. وقد كان يوجد في أقدم أشكال الحياة البكتيرية على الأرض. ومهمته كانت امتصاص أطوال الأمواج الضوئية الزرقاء والخضراء لتحويلها إلى طاقة. وهذا منطقي لأن أطوال الأمواج هذه تخترق المياه أعمق. علاوة على ذلك، كان الماء يوفر حماية من الأشعة فوق البنفسجية المدمرة. فالغلاف الجوي لم يكن يحوي الأوكسجين الحر، وبالتالي لم يكن هناك طبقة أوزون للحماية من الأشعة فوق البنفسجية. وعندما توفر الأوكسجين بكثرة في الغلاف الجوي نتيجة حدث الأكسدة العظيم، انتقلت هذه الأشكال الحية إلى سطح الأرض، وتكيفت لامتصاص أطوال أمواج الضوء الأخرى محولة إياها إلى طاقة. ويمكن أن يفيدنا فهم كيفية تغير الكائنات الحية مع الوقت في بيئات مختلفة، في البحث عن الحياة والتعرف إليها في أمكنة أخرى غير الأرض.