استكشاف قطب القمر الجنوبي: دروس مستقاة من تشاندريان ٣

قطب القمر الجنوبي

حطت مركبة منظمة أبحاث الفضاء الهندية بنجاح على قطب القمر الجنوبي في ٢٣ آب الفائت. وهو مكان لطالما كان له اهتمام خاص لدى العلماء نظراً لظروفه الفريدة الناشئة عن ظروف القمر القاسية.

فما أهمية استكشاف قطب القمر الجنوبي عبر تشاندريان ٣، وما الدروس التي نستقيها منها، وماذا يحمل المستقبل للاستكشاف القمري؟

تقول الدكتورة لورا ماكيمش من جامعة نيو ساوث ويلز في سيدني: هذا أول هبوط للهند على القمر، وأصبحت رابع دولة تقوم بهذا. وقدرة الجنس البشري بالطبع على خوض غمار اكتشاف الفضاء أمر جوهري لتمكيننا من استكشاف مناطق أخرى من الكون.

وتأتي أهمية القطب الجنوبي للقمر من معرفة العلماء بوجود جليد مائي هناك. وتحديد مواقع الماء جزء كبير من مهمة تشاندريان ٣. وذلك بوابة للمزيد من الكشف الفضائي.

استكشاف الفوهات الصدمية والظلمة ودرجات الحرارة المتطرفة

أصبحت الهند بعد فشلها في الهبوط القمري عام ٢٠١٩، رابع دولة حالياً تحط على القمر إلى جانب الاتحاد السوفييتي وأمريكا والصين.

وتعني تشاندريان بالهندية والسنسكريتية «مركبة القمر». انطلقت في ١٤ تموز وهبطت هبوطاً آمناً على القمر بعد ٩ أيام. والهبوط الآمن يعني أنها بقيت سليمة.

وقد فشلت العديد من وكالات الفضاء في الهبوط في القطب الجنوبي للقمر بسبب تضاريسه المتعرجة ودرجات الحرارة المتطرفة وقلة الضوء وصعوبات الاتصال.

ويهبط البشر منذ نصف قرن على خط استواء القمر. ومع أن الهبوط الآمن تقني بدرجة كبيرة، ولكنه يصبح أصعب مع تضاريس القطب الجنوبي للقمر. بالإضافة إلى صعوبات الاتصال فيه مقارنة مع خط الاستواء القمري.

وستجري تشاندريان تجارب عدة منها التحليل الطيفي للتركيب المعدني لتربة القمر. وبالعموم ستحفر المركبة لأخذ عينات وتلتقط الصور وتأخذ قياسات طيفية متنوعة. وذلك لاستقصاء كيفية تفاعل المواد مع الضوء.

ولذلك ستعتمد تقنية القياس الطيفي على توجيه ليزر إلى السطح محولة صخور القمر إلى بلازما. وتصدر هذه البلازما ألواناً ضوئية اعتماداً على تركيبتها. وهذا بدوره سيخبرنا عن جيولوجيا وتاريخ الصخور.

وقد استخدمت التقنية سابقاً لقياس وجود الألمينيوم والسيليكون والكالسيوم والحديد والكبريت على سطح القمر كما صرحت منظمة أبحاث الفضاء الهندية.
وعند انتهاء المركبة من ذلك، يبدأ العلماء تحليل البيانات بحثاً عن إشارات عن ماء متجمد.

 

استخدام الماء لإنتاج وقود للصواريخ

أثبت وجود الجليد المائي في قطبي القمر بصورة قاطعة. فمعظم سطح القمر يتعرض للضوء والظلمة مما يؤدي إلى فروق حرارية كبيرة. أما في قطب القمر فقد رصد في فوهات صدمية منخفضة الحرارة جداً، ونظراً لميل محور دوران القمر الصغير لا يصلها ضوء الشمس مطلقاً.

في البداية استخدم العلماء بيانات من أداة كانت على متن مركبة تشاندريان ١ التي أطلقتها الهند عام ٢٠٠٨. وقد جهزت المركبة بها خصيصاً لتأكيد وجود الجليد دون الهبوط على القمر.

وبحث العلماء في البداية عن الماء عن طريق دراسة السطح. إذ أن الماء يعكس الضوء بطريقة تختلف عن مكونات جيولوجية أخرى. وقد ثبت ذلك عندما سلطت الأشعة تحت الحمراء نحو السطح. إذ أن الماء يمتصه بتردد خاص.

أما أهمية الماء فليس لدعم الحياة ولاستخدام الرواد فحسب. بل ويمكن فصل جزيئة الماء إلى هيدروجين وأوكسجين. يفيدنا الأوكسجين في التنفس، كما أن الهيدروجين والأوكسجين معاً وقود للمركبات. هذه المركبات يمكن بناؤها من مواد على سطح القمر والانطلاق منه إلى أجزاء أخرى من النظام الشمسي.

واستخدام مواد القمر ووقوده أمر هام، وذلك في الواقع لأن إخراج الأشياء من جاذبية الأرض مكلف جداً ومستهلك للطاقة بشدة. لذلك أي شيء يمكنك صنعه في مكان منخفض الجاذبية أرخص. وقد يسهل متابعة المهمات البشرية إلى المريخ.

ويؤسس هذا العمل إلى بناء قاعدة دائمة للبشر على القمر تشبه وجود البشر في محطة الفضاء. ويتجه نحو بناء مركبة في المدار، لأن صنع الأشياء في الفضاء أقل تكلفة بكثير.

دروس من تشاندريان ٣

بقدر أهمية هذه المهمة فهي أيضاً بوابة لاكتشافات مستقبلية. فاستكشاف القطب القمري الجنوبي هو اكتشاف لمنطقة جديدة من السطوح الفضائية. ففي الأرض على سبيل المثال يختلف القطب الجنوبي عن صحراء أستراليا عن المنطقة الاستوائية.

ومن الواضح أن الحياة تضيف بعض الاختلافات على الأرض. ولكن حتى بدونها هناك اختلافات كثيرة تحكي لنا عن تاريخ الأرض.

وسطح القمر بالتأكيد ليس متماثلاً. ومن المثير علمياّ فهم تنوع بيئات القمر، كم أن ذلك مهم اقتصادياً. فبالإضافة إلى وجود الماء الأساسي في القطب القمري الجنوبي، نهتم بمعرفة فيما إذا كانت المناطق القريبة من ترسبات المياه هذه غنية بالمعادن. عندها سيكون المكان مثالياً لقاعدة قمرية مستقبلية.

ومن الأمور الهامة أن تشاندريان تخبرنا بأن الفضاء لا تسيطر عليه بضعة دول فحسب، بل تدعو المجتمع الدولي للخوض في اكتشاف الفضاء أيضاً. وقد أطلقت الهند بعد تشاندريان ٣ صاروخاّ لدراسة أنماط الطقس الشمسية.
وبالفعل تخطط وكالة الفضاء الأسترالية بإطلاق مركبة قمرية جوالة في مهمة أرتيميس بحلول عام ٢٠٢٦.

ملخص المقال

بعد أن حطت مركبة منظمة أبحاث الفضاء الهندية تشاندريان ٣ بنجاح على قطب القمر الجنوبي، ستقوم بعدة تجارب.

من هذه التجارب التحليل الطيفي للتركيب المعدني لتربة القمر. وستأخذ عينات وتلتقط الصور وتأخذ قياسات طيفية متنوعة. وذلك لاستقصاء كيفية تفاعل المواد مع الضوء. مستخدمة الليزر بذلك. وسيخبرنا ذلك عن جيولوجيا وتاريخ الصخور.

كما سيبدأ العلماء تحليل البيانات بحثاً عن إشارات عن ماء متجمد، وذلك بعد إثبات وجوده سابقاً. وتأتي أهمية الماء في التنفس وصناعة وقود المركبات. وسيدرس وجود معادن بالقرب من مناطق الماء. مما يؤسس لبناء مركبات وتأمين وقودها على القمر وهذا أقل تكلفة واستهلاكاً للطاقة. ويؤسس لقاعدة دائمة على القمر.

المصدر

هنا