الاصدامات وراء تشكل الغلاف الجوي الرقيق للقمر
للقمر غلاف جوي رقيق، وهو هش وقليل الكثافة إلى الحد الذي يقاس فيه بالذرات المفردة! ويعتقد اليوم أن اصطدام النيازك بالقمر مسؤولة عن تشكيل معظم غلاف القمر الجوي الرقيق. وهذا ما أفضت إليه دراسة جديدة لعينات من تربة القمر جلبتها مهمات أبولو معها، وذلك في أواخر الستينيات والسبعينيات.
حيث تصطدم النيازك بسطح القمر محدثة تطاير تربته. ويعتقد أن علمية تسمى التبخير الاصطدامي مسؤولة عن تشكل معظم غلاف القمر الجوي.
هل شكلت النيازك غلاف القمر الجوي؟
نقول عموماً بأن القمر لا غلاف جوي له. فغلافه رقيق جداً إلى درجة أننا يمكن أن نهمله. ويبلغ من رقته الحد الذي نقيسه فيه بالذرات المفردة، بدلاً من قياسه بوحدات الضغط الجوي كما غلاف الأرض. ومع هذا، من المدهش كيف تبقى هذه الذرات المفردة معلقة حول القمر تلك المدة الطويلة. فهي إما تنحو باتجاه سطح القمر، أو تنفلت إلى الفضاء. أما أن تبقى دائماً موجودة في غلافه، فهذا يعني أنها تعّوض بطريقة ما، ولكن كيف يكون ذلك؟
وكيفية ذلك هو السؤال الذي بقي حتى اليوم، إلى أن اقترحت دراسة جديدة لباحثين من جامعة شيكاغو ومعهد إم آي تي الإجابة. إذ قال الباحثون في آب المنصرم أن غلاف القمر الرقيق والهش نتيجة لاصطدامات الأحجار النيزكية الصغيرة بالقمر بصورة أساسية.
أحجية غلاف القمر الرقيق
كان لدى العلماء نظريتان أساسيتان عن غلاف القمر، وكلاهما شمل ما يتعلق بتربة القمر أو الغبار القمري.
أولهما أن النيازك تصدم سطح القمر، فيتطاير التراب، وتحدث عملية تبخير عند الاصطدام، وهذا ما أنتج غلافه الجوي.
وثانيهما فرضية شبيهة ولكنها تتحدث فقط عن الرياح الشمسية بدلاً من النيازك، ذلك التيار من الجسيمات المشحونة القادمة من الشمس.
وكلا العمليتين شكل من أشكال التجوية الفضائية، فأيهما هو الصحيح؟ الإجابة تقول بأنهما صحيحتان معاً. ولكن وفقاً للدراسة الجديدة، إن اصطدام النيازك يعد إلى درجة كبيرة العامل المساهم الأكبر في تشكيل الغلاف الجوي القمري الرقيق.
استطلاع غلاف القمر بمسبار لادي
درس مسبار لادي (مستكشف دراسة غبار القمر وغلافه الجوي) التابع لناسا غلاف القمر الجوي عام ٢٠١٣، وأشارت النتائج بأن النيازك والرياح الشمسية كلاهما قد يكونان السبب. ولكن كان ما يزال هناك بعض اللغط بالطبع. إذ أظهرت بيانات لادي وجود المزيد من الذرات في غلاف القمر أثناء زخات النيازك على القمر. ولكنها أظهرت أيضاً أن القمر عندما تمطره الشمس بجسيماتها المشحونة، كما يحدث أثناء خسوف مثلاً، يحدث تغير أيضاً في ذرات الغلاف، ما يعني أن للشمس تأثير أيضاً. لذا لم تكن النتائج واضحة أو كمية.
عينات أبولو تقدم الإجابة
أتى حل ذلك اللغز من دراسة جديدة لعشر عينات تربة قمرية من مهمات أبولو. حيث درس العلماء عنصرين تحديداً وهما البوتاسيوم والروبيديوم. حيث درسوا نظائرهما، وتبين أن اصطدامات النيازك والرياح الشمسية كلاهما يمكن أن يؤثر عليها. ولكن هناك فرق بسيط: إذ أن الاصطدامات النيزكية تحدث اضطراباً في الذرات التي لها نظائر أثقل، بينما تؤثر الرياح الشمسية بدرجة أكبر على النظائر الأخف. ويمكنها أن تطردها بعيداً عن القمر وإلى الفضاء. وعن طريق مقارنة وفرة النظائر الثقيلة والخفيفة يمكن أن يحدد العلماء إذا كان النيازك أو الرياح الشمسية لها التأثير الأكبر على القمر إجمالاً.
النيازك أم الرياح الشمسية
حددت الدراسة بأن النيازك تؤدي دوراً أكبر بكثير في الحفاظ على غلاف القمر الجوي. والنسبة لدور النيازك في ذلك ٧٠٪ مقابل ٣٠٪ للرياح الشمسية. أي أن ٧٠٪ من غلاف القمر قد نشأ نتيجة اصطدام النيازك، وكمية أقل نشأت بفعل تجوية الرياح الشمسية لسطح القمر.
وأعطى الفريق إجابة قاطعة بأن عملية التبخير بعملية الاصطدام هي العملية الرئيسية التي تنشئ غلافه الجوي. فالقمر يقرب عمره ٤.٥ مليار عام، ومنذئذ بالطبع تصطدم آلاف النيازك بالقمر. وبين الفريق أن الغلاف الرقيق يصل في النهاية إلى حالة استقرار لأنه يعوض باستمرار ما ينقصه عبر الاصطدامات الصغيرة على كامل سطح القمر.
مستعمرات الإنسان المستقبلية
لهذه النتائج تطبيقات أيضاً لمساكن الإنسان المستقبلية على القمر، أو في أي مكان آخر في النظام الشمسي. فإذا أردنا الانتقال إلى كواكب أخرى في المستقبل، يجب أن نفهم ما الذي يجري على سطوحها بالطبع، وأن نكون قادرين على التحضير لذلك. وكلما فهمنا هذه العملية، زاد اكتمال الصورة أمامنا.
وقد كانت عينات التربة من أبولو أساسية في اكتشاف لغز الغلاف الجوي القمري. فمن دونها ما كنا لنحصل على بيانات دقيقة وقياسات كمية لفهم ما يحدث بالتفصيل. ومن المهم أن نجلب عينات أخرى من القمر والكواكب الأخرى لرسم صورة أوضح عن نشوء نظامنا الشمسي وتطوره.
ملخص المقال
كيف تشكل الغلاف الجوي للقمر؟ تشير دراسة جديدة اعتمدت على عينات التربة القمرية التي جلبتها مهمات أبولو إلى الحل. إذ قالت أن ٧٠٪ منه يأتي بفضل اصطدامات النيازاك، وتحديداً عن عملية التبخير أثناء الاصطدام. وكمية قليلة تأتي من تجوية الرياح الشمسية لسطح القمر.
المصدر