البراكين الفضائية: الأصول والأنواع والثورانات
البراكين الفضائية القادرة على التدمير والبناء في آنٍ معاً، تنتشر على أقمار النظام الشمسي وكواكبه وعلى ما يقع بعدها.
تعد البراكين مسؤولة عن بعض أكثر معالم الأرض الجغرافية قساوةً وإثارة للاهتمام. ولكن النشاط البركاني لا يقتصر على الأرض فحسب، بل وتوجد البراكين الفضائية أيضاً على كواكب وأقمار أخرى. وضمن نظامنا الشمسي يزخر القمر والمريخ بدلائل على البراكين والنشاط البركاني الشديد. بينما تملك أجرام أخرى براكين تخرج جليداً من فوهاتها. سنتناول في هذا المقال البراكين الفضائية: الأصول والأنواع والثورانات.
براكين على القمر
مع أن سطح القمر خامل اليوم، إلا أنه شهد في الماضي ثورانات بركانية هائلة نتج عنها سيلان تيارات من اللافا إلى ما يقارب ١٢٠٠ كم بعداً عن مصدرها.
وقد أعادت مركبة تشانجي ٥ الصينية من سطح القمر في مهمة حديثة لافا قمرية، وتشير إلى أن القمر كان نشطاً بركانياً إلى فترة أحدث مما كنا نعتقد.
إذ تشير العينات المأخوذة من منطقة محيط العواصف في الجانب القريب من سطح القمر -الذي ارتبط سابقاً مع نشاط بركاني حديث- أن النشاط البركاني حديث عمره ٢ مليار عام. أي في وقت لاحق لما كان يعتقد بمليار عام كامل.
البراكين على المريخ
يعد المريخ الكوكب الثاني بعد الأرض الذي درس جيولوجياً دراسة معمقة. وهذا أدى إلى اكتشاف أن الكوكب الأحمر يحوي معالم بركانية أكثر من كوكبنا حتى. وأول هذه المعالم جبل أوليمبوس البركاني، وهو أكبر براكين النظام الشمسي، ويبلغ ارتفاعه ضعف ارتفاع جبل إيفيرست. ويحيط به الكثير من البراكين الضخمة الأخرى.
وإلى جانبه، يضم المريخ براكين أخرى منها إليسيوم وسيرتيس الأكبر ومجموعة من الهياكل البركانية الثانوية حول حوض هيلاس الصدمي. ويعد هذا الحوض أخفض حوض في المريخ، والثالث من بين ثلاث فوهات صدمية في النظام الشمسي. والمريخ كما يبدو غير نشط بركانياً، أما متى حدث ذلك، فهو أمر ما زال العلماء يحاولون اكتشافه.
وتظهر براكين منطقة ثاراسيس -حيث يقع بركان أوليمبوس- فوهات صدمية قليلة. وهذا يعني أن عمرها قد يكون عدة ملايين من السنين فقط. وهذا حديث جداً من الناحية الجيولوجية.
ومن الواضح أن المريخ كان نشطاً جداً في سنواته الأولى، ثم بدأت ثوراناته بالتضاؤل مع مضي السنين. كما يبدو أن معظم الحرارة التي خزنت في داخله قد فقدت.وربما ما نشهده حالياً هي فترة هدوء بركاني على المريخ، وقد يبدأ نشاطه مجدداً.
البراكين على الكواكب الأخرى
ارتبط النشاط البركاني بالعديد من كواكب النظام الشمسي الأخرى، ومعظمها حدث عندما كان النظام الشمسي حديث النشوء وعنيفاً. فمثلاً يغطي ٩٠٪ من سطح الزهرة أقرب الكواكب إلى الأرض تدفقات من اللافا. إذ يحوي الزهرة ١٦٠٠ بركان رئيسي، ويمكن أن يضم مليون بركان صغير آخر.
وما هو غير مؤكد ما إذا كان الزهرة نشطاً أم لا. ومع أننا ما زال علينا أن نرى ثوران بركان على أي من الكواكب، فإن الزهرة محاط بسحب ثخينة من حمض الكبريت. وهذا يعني أن الرصد عن بعد أمر صعب. وإرسال مركبة إلى الزهرة معقد بسبب ضغطه الشديد وحرارته.
أما عطارد، فتشير الصور التي التقطتها مهمة مسينجر أن سطحه قد شكلته حمم اللافا. ويعود تاريخ تدفقات اللافا على عطارد أقرب الكواكب إلى الشمس إلى ما بين مليار إلى ملياري عام. وهذا يعني أن النشاط البركاني استمر بعد تشكل عطارد إلى ٤.٥ مليار عام مضى. أما عن البراكين النشطة، فيجب علينا النظر أبعد من كواكب النظام الشمسي، أي إلى أقماره.
البراكين على الأقمار
أكثر أجسام النظام الشمسي نشاطاً بركانياً وفقاً لناسا هو قمر المشتري آيو. ويعود هذا النشاط البركاني إلى قوى الجذب الهائلة الناتجة عن العملاق الغازي المشتري، والتي تشوه القمر.
ولا يقتصر وجود البراكين التي تقذف اللافا الملتهبة على هذا القمر، بل وتوجد براكين جليدية أيضاً. وتطلق البراكين الجليدية على الكواكب والأقمار البعيدة عن الشمس الغازات الباردة والسائلة والمتجمدة كالماء والنشادر والميثان.
ويغطي سطح آيو مئات الفتحات البركانية، وبعضها يقذف الغاز المتجمد مئات الكيلومترات إلى غلاف المشتري الجوي.
وقد رصدت البراكين المتجمدة لأول مرة على ترايتون قمر نبتون. وذلك عندما رصدت مركبة فوياجر ٢ دليلاً على اندفاعات ارتفاعها خمسة أميال من غاز النتروجين، وذلك خلال تحليقها المنخفض عام ١٩٨٩ ضمن نظام نبتون.
وتحدث اندفاعات النتروجين هذه عندما تسخن الشمس النتروجين الموجود تحت قشرة ترايتون، ما يؤدي إلى تبخرها، ويسبب تمددها واندفاعها في النهاية من تحت قشرة ترايتون الجليدية. ليعطي القمر سطحاً جليدياً أملساً.
وفي عام ٢٠٠٥ رصدت مركبة كاسيني اندفاعات جليدية تخرج من قمر زحل إنسيلادوس. وقد حلقت كاسيني بالفعل في أحد هذه الاندفاعات لتكتشف بأنها مكونة من بخار الماء والنتروجين والميثان وثاني أوكسيد الكربون.
البراكين خارج النظام الشمسي
لا حاجة للاعتقاد بالطبع أن البراكين مقتصرة على النظام الشمسي فحسب، فكلما اكتشف العلماء المزيد من الكواكب حول النجوم الأخرى، وجدوا المزيد من الأدلة عن النشاط البركاني فيها. وقد أشار باحثون من جامعة كورنيل عام ٢٠١٧ أن البحث عن مصادر بركانية على كواكب خارجية يمكن أن يحسن فرصنا في إيجاد الحياة في أماكن أخرى في مجرتنا.
كما أشار الفريق أنه بدلاً من البحث عن الحياة تحت القشرة المتجمدة للكواكب الخارجية، فإن الهيدروجين البركاني والاحترار الجوي يمكن أن يشير إى احتمالية وجود حياة سطحية.
وهذا يمكن بدوره أن يزيد احتمالية العثور على دليل على الحياة منتشراً في الأغلفة الجوية لهذه الكواكب.
أكبر براكين النظام الشمسي
يعد بركان أوليمبوس أكبر براكين المريخ، وأكبر بركان في النظام الشمسي، بارتفاعه البالغ ٢٦ كم وقطره البالغ ٦٠٢ كم أي ما يعادل امتداد ولاية أريزونا.
وحجمه أكبر بمئة مرة من أكبر بركان على الأرض (مونا لوا). كما يقع في حقل من البراكين الكبيرة الأخرى في منطقة ثارسيس على المريخ.
وهذا البركان بركان درعي كما براكين هاواي، أي أنه عريض وذو شكل محدب ومسطح بالقرب من القمة وله منحدرات بسيطة. وسبب ضخامة بركان أوليمبوس يعزى إلى اختلاف طبقات الأرض والمريخ.
فعلى الأرض تبقى المواقع الحارة ثابتة، بينما تتحرك الصفائح القشرية. وهذا يعني أن براكين جديدة تتشكل، وبراكين قديمة تصبح خامدة. أما على المريخ، تبقى المناطق الحارة ساكنة والصفائح أيضاً، وهذا ما يجعل اللافا تتراكم في مكان واحد بدلاً من أن تتوزع على عدة أماكن.
ملخص المقال
يتناول المقال البراكين الفضائية: الأصول والأنواع والثورانات.
البراكين مسؤولة أكثر معالم الأرض الجغرافية قساوةً وإثارة للاهتمام. ولكن النشاط البركاني لا يقتصر على الأرض فحسب، بل وتوجد البراكين الفضائية أيضاً على كواكب وأقمار أخرى.
ويزخر القمر والمريخ وغيرها بدلائل على البراكين والنشاط البركاني الشديد. بينما تملك أجرام أخرى براكين تخرج جليداً من فوهاتها. كما يوجد ذلك على الكواكب الخارجية وأقمار النظام الشمسي وخارجه.
وتشير الأبحاث إلى أن البحث عن مصادر بركانية على كواكب خارجية يمكن أن يحسن فرصنا في إيجاد الحياة في أماكن أخرى في مجرتنا.