الحياة في الفضاء يمكن وجودها دون الكواكب حتى
هل ننحاز إلى ضرورة وجود كوكب لكي توجد الحياة؟ المفاجأة أنه قد لا تكون الكواكب ضرورية لوجود الحياة في الفضاء أصلاً. ويدعونا علماء اسكوتلنديون وأميريكيون لإعادة التفكير بالأمر برمته.
الكواكب والحياة
نصب تركيزنا على الكواكب بوصفها موائل للحياة. لأنها ببساطة تضم الشروط الضرورية للبقاء على قيد الحياة. وهي المياه السائلة ودرجة الحرارة المناسبة، والضغط اللازم لإبقاء الماء بحالة سائلة. أضف إلى ذلك الحماية من الأشعة الضارة. وتلك هي بالطبع المتطلبات الأساسية للحياة المعتمدة على عملية التمثيل الضوئي.
ولكن ماذا لو كانت بيئات أخرى -حتى التي توفرها الكائنات الحية نفسها- تستطيع أيضاً توفير هذه الأساسيات؟
بحث جديد نشر في مجلة أستروبيولوجي، يشير فيه الباحثون إلى أن الأنظمة البيئية يمكنها أن توفر وتحافظ على الظروف الضرورية لاستمرار حياتها، وذلك دون الحاجة إلى كوكب!
تعريف قابلية الحياة
إن التعاريف القياسية لقابلية الحياة تفترض بأن الحياة تتطلب وجود مصادر جاذبية كوكبية لكي يستقر الماء السائل، ولتنظيم درجة حرارة السطح.
يقول الباحثون إن الحواجز والبنى المتولدة بيولوجياً يمكنها أن تقلد تماماً الظروف التي توفرها الكواكب، والتي تمكن من وجود الحياة بلا كواكب. حيث تسمح بدخول الضوء من أجل التركيب الضوئي، بينما تمنع دخول الأشعة فوق البنفسجية. كما يمكنها أيضاً أن تمنع خسارة الماء السريعة في الخلاء الفضائي. وتحافظ على حدود درجة الحرارة والضغط اللازمة لكي يبقى الماء بالحالة السائلة.
هذه الحواجز البيولوجية القادرة على نقل الإشعاع المرئي، ومنع الأشعة فوق البنفسجية، والمحافظة على درجة الحرارة، وفرق الضغط في مواجهة البيئة الفضائية المخلاة، يمكنها أن تسمح بوجود ظروف تمكن الحياة. وذلك ضمن مدى يمتد بين ١ إلى ٥ وحدات فضائية في النظام الشمسي.
ولكي نفهم القيود المفروضة على الحياة خارج الأرض، يمكننا بالطبع البدء في أن نراجع الأسباب التي جعلت من كوكبنا موئلاً مناسباً للحياة بالدرجة الأولى. فالأرض لا توفر الماء السائل لهذه الحياة فحسب، بل وتوفر الحماية من الأشعة. وهي نظام متكامل له مستويات معقدة متداخلة.
فسطح الأرض معرض لمصدر طاقة ينفذ إلينا بسهولة من الشمس التي تقود المحيط الحيوي بأكمله. وتتوفر العناصر التي نراها أساسية للحياة، على محدوديتها، وهي: الكربون والهيدروجين والنيتروجين والأوكسجين والفوسفور والكبريت. ولهذه العناصر دورات عبر المحيط الحيوي، وذلك من خلال البراكين وحركات الصفائح، لتتوفر مرة ثانية.
كما تتأكسد الأرض أيضاً في الغلاف الجوي وعلى السطح، ويقل ذلك في أماكن أخرى كالرواسب وجوف الأرض العميق. ويقول الباحثون أن هذا يمكن من استغلال درجات الأكسدة لأغراض التمثيل الغذائي.
الكواكب الخارجية
تتميز الأجسام ذات الكتلة المنخفضة في النظام الشمسي الخارجي بأن لها مساحة سطحية واسعة، ولكن طاقة الشمس ضعيفة. لذلك لا يرجح أن تتمكن من الإبقاء على غلافها الجوي. وهذا يعني بالطبع عدم توفر الضغط ودرجة الحرارة اللازمين لوجود المياه السائلة. كما أن هذه الأجسام لا تكون محمية من الأشعة فوق البنفسجية والأشعة الكونية. ومن البديهي لأي كائن يعيش خارج الأرض، إذا أراد أن يحيا يجب أن يعدل أو يتكيف مع بيئته بما يمكنه من التغلب على هذه التحديات.
ونعلم بالطبع أن المواد البيولوجية على الأرض يمكنها فعل ذلك بالتأكيد. من المعقول أن تتمكن النظم البيئية من تطوير الظروف اللازمة لبقائها. وإن كانت الحياة التي تعتمد على التركيب الضوئي قادرة على فعل ذلك في خلاء الفضاء، فهذا يعني أننا نستطيع ذلك أيضاً. وسيكون في ذلك فائدة عظيمة في مجال اكتشاف الفضاء.
يبدأ الأمر بالمياه، وعندما يتعلق الأمر بالمياه السائلة، يشير العلماء إلى النقطة الثلاثية. وتعني النقطة الثلاثية في الديناميكا الحرارية النقطة التي تتوحد فيها الحالات الثلاثة للمادة الصلبة والسائلة والغازية، وذلك عند نقطة معينة من درجة الحرارة والضغط، مع ثبات الحجم. حيث تتوازن حالات المادة الثلاث عند تلك النقطة.
الضغط
يوضح الباحثون أن الحد الأدنى للضغط المطلوب للإبقاء على الماء سائلاً هو النقطة الثلاثية: ٦١١.٦ باسكال عند درجة صفر مئوية. وترتفع هذه القيمة إلى أكثر من كيلو باسكال، عندما تصبح الحرارة بين ١٥ إلى ٢٥ درجة مئوية.
ويمكن للبكتيريا الزرقاء أن تنمو في هواء بضغط رأسي يبلغ ١٠ كيلو باسكال. وذلك ما بقي الضوء ودرجة الحرارة ودرجة الحموضة ضمن المدى المناسب. والسؤال هل توجد أية كائنات حية نعرفها يمكنها أن تولد حواجز يمكنها تحمل ضغط ١٠ كيلو باسكال؟
إن فروق الضغط الداخلي من رتبة ١٠ كيلو باسكال يمكن للمواد البيولوجية تحملها بسهولة. وهي شائعة في الكائنات الحية المجهرية على الأرض. وللعلم يرتفع ضغط الدم من الرأس إلى القدمين لإنسان يبلغ طوله ١.٥ متراً، بما يبلغ ما يقارب ١٥ كيلو باسكال.
ويمكن للأعشاب البحرية أيضاً أن تحافظ على الضغط الداخلي لعقد الطفو بحدود ١٥ إلى ٢٥ كيلو باسكال. وذلك عبر إطلاق ثاني أوكسيد الكربون من عملية التمثيل الضوئي.
الحرارة
تعد درجة الحرارة الاعتبار التالي فيما يخص الماء السائل. نعلم أن الأرض تحافظ على درجة حرارتها من خلال تأثير الاحتباس الحراري في الجو. ولكن الأجرام الصخرية الصغيرة على سبيل المثال، لا يحتمل أن تكون قادرة على فعل الأمر ذاته.
بناء عليه، يجب أن يحقق الموئل الناتج بيولوجياً التأثير ذاته من خلال فيزياء الحالة الصلبة. فيجب أن تكون الطاقة الواردة توازي الطاقة الصادرة. وبعض الكائنات الحية على الأرض تطورت للحفاظ على هذا التوازن.
فعلى سبيل المثال، طور النمل الفضي الصحراوي قدرة سطح جسمه على عكس الأشعة تحت الحمراء القريبة، وأيضاً إمكانية الانبعاث الحراري منه. الأمر الذي يمكنها من العيش في بيئات أعلى حرارة مما تتحمله المفصليات الأخرى. حيث يسمح لها ذلك بالبحث عن مؤونتها في حرارة النهار، في الوقت التي تضطر مفترساتها للبقاء بعيداً عن حرارة الشمس.
عوامل أخرى
إن عدم وجود الطاقة الشمسية للتمثيل الضوئي ليست عائقاً للحياة في كثير من أجزاء النظام الشمسي. دعونا لا ننسى الطحالب القطبية الني تنمو في ظروف يكون الضوء فيها على أقله.
ونقول بأنه يجب أن يكون هناك نوع ما من دورة للمواد المغذية، وأيضاً قدرة للنظام البيئي المغلق على معالجة الفضلات الناتجة.
والنظام الذاتي القادر على إعادة التوليد والنمو لا يعيقه أي عائق فيزيائي أو كيميائي بالطبع. ويمكنه إنتاج جدران، أو على الأقل يظهر وجود طريقة يمكن للكائنات فيه أن تطور أو تولد جدراناً لموائلها. وقد يكون كل ذلك مختلفاً عن الطرق التطورية التي نعهدها على الأرض.
وأخيراً يتساءل الباحثون، هل يمكن للبنى البيولوجية أن تتطور طبيعياً دون تدخل كائن ذكي؟ يقولون بأن الحياة غير الواعية يمكنها أن تؤمن الشروط الضرورية كلها للحياة في البيئات خارج الأرض.
وبالطبع، لم تستطع الحياة على الأرض حتى الآن فعل ذلك. وذلك مع أنها تكيفت مع شروط بيئية متنوعة عبر الزمن. ويخلص الباحثون إلى أن بحث معقولية طرق تطورية أخرى للحياة في ظروف وحدود كواكب أخرى سيكون موضوعاً مثيراً للبحوث المستقبلية.
ملخص المقال
الحياة في الفضاء يمكن وجودها دون الكواكب حتى. هذا ما وجده باحثون في بحث جديد. فنحن ننظر إلى قابلية الحياة من منظورنا على الأرض. ويتعلق ذلك بدرجة الحرارة والضغط والماء والحماية من الأشعة الضارة.
يشير الباحثون إلى أن الأنظمة البيئية يمكنها أن توفر وتحافظ على الظروف الضرورية لاستمرار حياتها، وذلك دون الحاجة إلى كوكب. وهناك احتمال بأن تكون مساراتها التطورية مختلفة عما هو موجود في الأرض في الطبع.