اندفاعات راديوية غريبة تفوق إشعاعات المجرات جميعها قد تفسرها النجوم النيوترونية
انبعاثات قوية من الإشعاع تتفوق على إشعاعات المجرات، تسمى الاندفاعات الراديوية السريعة، يمكن أن تكون قد انطلقت نتيجة تصادم نجوم نيوترونية واندماجها. هذا ما أشارت إليه عمليات رصد الأمواج الثقالية.
ربط العلماء في دراسة جديدة للمرة الأولى اندفاعات راديوية غامضة من الطاقة تسمى الاندفاعات الراديوية السريعة مع تموجات في نسيج الزمكان أصدرتها نجوم منهارة في حالة تصادم، وقد تفسرها النجوم النيوترونية على حد تعبيرهم.
ونشرت النتائج في مجلة نيتشر أسترونومي مقدمة تفسيراً جديداً لهذه الاندفاعات التي حيرت العلماء لأكثر من عقد من الزمان.
الاندفاعات الراديوية السريعة
أما الاندفاعات الراديوية السريعة فهي انفجارات هائلة من الطاقة الراديوية، ويمكنها أن تفوق كل نجوم المجرة مجتمعة بإشعاعها. ومع أن هذه الاندفاعات اكتشفت عام ٢٠٠٧، تبقى أصولها محاطة بستار من الغموض. وهذا يعود في جزء منه إلى أن كثيراً منها، مع أنه يتكرر دورياً، يظهر ويختفي في زمن من رتبة الميلي ثانية فحسب.
أما المرشح الأول لهذه الانبعاثات من الأشعاعات الراديوية السريعة هو النجم المغناطيسي. والنجوم المغناطيسية نوى فائقة الكثافة لنجوم منفجرة (تعرف باسم نجوم نيوترونية) ذات حقول مغناطيسية هائلة.
ولكن عمليات الرصد الأخيرة تشير إلى وجود مصادر محتملة متنوعة، وقد تشمل تصادمات النجوم النيوترونية.
بداية القصة
رصد مرصد لايغو عام ٢٠١٩ تموجات في نسيج الزمكان تعرف باسم الأمواج الثقالية، ناتجة عن اندماج نجم نيوتروني أطلق عليه اسم GW190425.
وبعد ذلك بساعات رصدت تجربة تحديد مواضع كثافة الهيدروجين الكندية «تشايم» اندفاعاً راديوياً سريعاً قوياً وغير متكرراً من المنطقة ذاتها في الفضاء.
دراسة جديدة تفسر
يقول المؤلف المشارك في الدراسة كلانسي جيمس، وهو عالم فلك راديوي من جامعة كيرتن في أستراليا: اكتشفنا اندفاعة من الأمواج الراديوية، تستمر لمدة واحد من الألف من الثانية. وقد تولدت بعد ساعتين ونصف من اندماج نجمين نيوترونيين. والنجوم التيوترونية بقايا كثيفة جداً لنجوم هائلة منفجرة.
ويردف قائلاً: وتقول نظريتنا بأن هذا الاندفاع الراديوي حدث لأن الاندماج ولد نجماً نيوترونياً فائق الكتلة. وهذا النجم ينهار ليصبح ثقباً أسود عندما تنخفض سرعة دورانه حول نفسه.
وفي حين اقترح في الماضي أن اندماجات النجوم النيوترونية مسببات محتملة للاندفاعات الراديوية السريعة، تقدم عمليات الرصد الجديدة الدليل الأول بأن النظرية قد تكون صحيحة. وقد استخدم الفريق ثلاث معلومات أولية للوصول إلى هذا الترابط.
- الشيء الأول وفق جيمس: أولاً توقيت الأحداث. فالاندفاعات الراديوية السريعة وصلت بعد ٢.٥ ساعة من إشارة الأمواج الثقالية.
- ثانياً، كان مكان الاندفاع الراديوي السريع متوافقاً مع مكان الموجة الثقالية.
- وثالثاً المسافة، وذلك ساعد كثيراً.
ففي حين تأتي معظم الاندفاعات الراديوية السريعة من مسافات تبعد مليارات السنين الضوئية، فإن كواشف الأمواج الثقالية مثل مرصد لايغو حساسة لمسافات تقارب ٥٠٠ مليون سنة ضوئية فقط.
وهذا الاندفاع السريع كان قريباً على غير المعتاد، وبعده المقدر متوافق تماماً مع بعد اندماج GW190425 (الذي سبب الأمواج الثقالية التي رصدها لايغو).
وما كان مفاجئاً هو توافق هذه المعلومات بصورة مثالية.
ماذا تعني هذه النتائج؟
تشير هذه النتائج وفقاً لجيمس إلى وجود نوعين مختلفين من الاندفاعات الراديوية السريعة، ألا وهي:
- اندفاعات راديوية سريعة تحدث مرة واحدة فقط من أحداث كارثية كاندماج النجوم النيوترونية.
- واندفاعات راديوية سريعة متكررة تنتجها نجوم مغناطيسية أو غيرها من المصادر المجهولة.
كما قد تؤثر هذه الدراسة على فهم العلماء للنجوم النيوترونية. وذلك لأنها أكبر كتلة محتملة لهذه البقايا النجمية، ويمكن أن تكون أكبر مما يعتقد حالياً.
يقول جيمس: هذا سببه أن الجسم الناتج من اندماج النجمين النيوترونيين لم ينهر مباشرة إلى ثقب أسود، إنما قد يكون استطاع مقاومة الجاذبية مؤقتاً.
وهذا بدوره يشي لنا بشيء عن الطبيعة الأساسية للمادة عند كثافات وضغوط هائلة، وهذا لا يمكن دراسته هنا في الأرض. وربما يكون أيضاً دليلاً على نوع جديد من النجوم وهي النجوم الكواركية.
ويأمل الفريق دعم هذا الترابط بين الاندفاعات الراديوية السريعة واندماجات النجوم النيوترونية بمزيد من الأدلة، وذلك مع بدء مراصد الأمواج الثقالية العاليمة جولة رصد جديدة هذا الربيع.
فالفريق ينتظر عمل هذه المراصد لمعرفة إمكانية رؤية أي اندفاعات راديوية ناتجة عن اندماجات نجوم نيوترونية.
وهو في طور تشغيل أداة جديدة لرصد المزيد من الاندفاعات الراديوية السريعة وتحديد موقعها بالنسبة لمجراتها. ونأمل أن يحدث ذلك سريعاً.
ملخص المقال
ربط العلماء في دراسة جديدة للمرة الأولى بين اندفاعات راديوية غامضة من الطاقة تسمى الاندفاعات الراديوية السريعة مع تموجات في نسيج الزمكان، وقد تفسرها النجوم النيوترونية وفق قولهم.
وتشير النتائج إلى وجود نوعين منها. أولها ما يحدث مرة واحدة وينتج عن اندماج نجوم نيوترونية، والأخرة متكررة تنتجها نجوم مغناطيسية أو غيرها من المصادر المجهولة.
ويأمل الفريق بالحصول على المزيد من الأدلة التي تدعم هذا الترابط من المراصد.