العلماء يكتشفون تناظرات خفية تحمي الأرض من فوضى الفضاء

تحليل جديد للفوضى في النظام الشمسي يكشف عن كيفية تجنب اصطدامات الكواكب عبر مليارات السنين. وسبب استقرار مدارات الكواكب الداخلية. وما أدى إلى حماية الأرض من التصادم في الفضاء.

الأرض والتصادم في فوضى الفضاء
يجب أن يكون النظام الشمسي الداخلي فوضى مضطربة وفقاً لنماذج فيزيائية، وبحث جديد قد يفسر الاستقرار النسبي. حقوق الصورة: BlenderTimer / Pixabay

لا يجب أن تكون الأرض موجودة على الأرجح، وهذا لأن مدارات كواكب النظام الشمسي الداخلية فوضوية، أي مدارات عطارد والزهرة والأرض والمريخ بالطبع.

وقد أشارت النمذجات بأن الكواكب الداخلية هذه يجب أن تكون قد ارتطمت ببعضها بعضاً، ولكن لم يحدث هذا حتى الآن.
وقد نشر البحث الجديد يوم ٣ أيار في مجلة فيزيكال ريفيو إكس، وقد يفسر الأمر أخيراً.

الدراسة الجديدة

اكتشف العلماء عبر خوض عميق في نماذج لحركة الكواكب أن حركة الكواكب الداخلية مقيدة بعوامل محددة، وتعمل عمل رابط يمنع فوضى المنظومة.

وتفيد الدراسة الجديدة بالإضافة إلى التفسير الرياضي للتناغم الظاهر في نظامنا الشمسي في احتمال مساعدة العلماء على فهم مسارات الكواكب الخارجية التي تحيط بنجوم أخرى.

كواكب غير متوقعة

تؤثر الكواكب تأثيراً ثقالياً على بعضها البعض بصورة دائمة، وعمليات الشد هذه غالباً ما تحدث تعديلات ثانوية على مدارات الكواكب. أما الكواكب الخارجية الأكبر بكثير، فهي بالطبع أكثر مقاومة لعمليات الجذب الصغيرة، وعلى هذا تحافظ على مدارات مستقرة بالمقارنة.

والمشكلة بمسارات الكواكب الداخلية أنها ما تزال معقدة وعصية عن الحل تماماً. وقد أشار الرياضياتي الفرنسي هينري بوانكاريه في أواخر القرن التاسع عشر أن من المستحيل رياضياً حل المعادلات التي تحكم حركة ثلاثة أجسام متفاعلة أو أكثر. وغالباً ما تعرف بمشكلة الأجسام الثلاثة

ونتيجة لذلك تزايد الارتياب في تفاصيل مواقع الكواكب البدئية وسرعاتها مع الوقت.
بمعنى آخر، من الممكن أخذ سيناريوهين تختلف فيهما المسافات بين عطارد والزهرة والمريخ والأرض اختلافاً طفيفاً: فتصطدم الكواكب ببعضها في أحد السيناريوهين، وفي الآخر تتباعد عن بعضها.

الأرض والتصادم في فوضى الفضاء
توضيح فني لكوكبين صخريين يصطدمان. حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech

 

زمن ليابونوف للكواكب الداخلية

يعرف الوقت المستغرق لابتعاد مسارين لهما تقريباً شروط البداية نفسها عن بعضهما مسافة محددة باسم زمن ليابونوف للنظام الفوضوي.

وفي عام ١٩٨٩ احتسب جاك لاسكار -وهو عالم فلك ومدير أبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي ومرصد باريس، والمؤلف المشارك بالدراسة- زمن ليابونوف الخاص بمدارات الكواكب الداخلية في النظام الشمسي، وبلغ ٥ مليون عام فقط.

وهذا يعني من حيث الأساس بأنك تفقد رقماً واحداً كل ١٠ مليون عام وفقاً للاسكار. أي إذا كان الارتياب في موقع كوكب يبلغ ١٥ متراً، فسيصبح الارتياب بعد ١٠ مليون عام ١٥٠ متراً، وبعد ١٠٠ مليون عام تفقد ٩ أرقام أخرى ليعطي ارتياباً يبلغ ١٥٠ مليون كم، ويعادل هذا الرقم المسافة بين الأرض والشمس. أي أنك لا تعرف أين الكوكب تماماً.

وفي حين تبدو مدة ١٠٠ مليون عام مدة طويلة، فإن النظام الشمسي نفسه يفوق عمره ٤.٥ مليار عام. وقد حيرت العلماء لمدة طويلة قلة الحوادث المثيرة كاصطدامات الكواكب أو قذف كوكب من هذه الحركة العشوائية.

لكن لاسكار نظر إلى هذه المسألة بطريقة أخرى: عن طريق نمذجة مسارات الكواكب الداخلية عبر ٥ مليار عام قادمة، متقدماً من خطوة إلى أخرى، وجد أن احتمال تصادم الكواكب ١٪ فقط.
وبذات الطريقة احتسب بأنها قد تستغرق بالمتوسط ما يقارب ٣٠ مليار عام لتصطدم.

كبح الفوضى

حدد لاسكار وزملاؤه بعد ذلك عبر التعمق بالرياضيات ولأول مرة «تناظرات» أو «مقادير مصانة» في التداخلات الثقالية التي تحدث حاجزاً فعلياً في التطواف الفوضوي للكواكب.

وهذه المقادير المصانة تبقى ثابتة تقريباً وتمنع حركات فوضوية معينة، ولكن لا تنفيها بالكامل. الأمر أشبه بحافة الصحن، إذ يمنع الطعام من السقوط من الصحن، ولا ينفي احتمال ذلك تماماً. وعلينا شكر هذه المقادير التي تحافظ على الاستقرار الظاهر لنظامنا الشمسي.

أما رينو مالهوترا، بروفيسورة علوم الكواكب في جامعة أريزونا، والتي لم تشارك في الدراسة، فتلقي الضوء على مدى دقة الآليات المحددة في الدراسة. وقالت بأن من المثير للاهتمام بأن مدارات كواكب نظامنا الشمسي تبدي هذه الفوضى الخفيفة جداً.

ويبحث لاسكار وزملاء له في عمل آخر عن دلائل فيما إذا كان عدد كواكب النظام الشمسي قد اختلف يوماً ما عما نراه الآن. ومع الاستقرار كله الذي نراه اليوم، يبقى السؤال مفتوحاً إذا كانت هذه هي الحال دوماً عبر مليارات الأعوام السابقة.

ملخص المقال

دراسة جديدة تكشف عن تناظرات خفية تفسر عدم اصطدام الكواكب، وسبب استقرار مدارات الكواكب الداخلية مع وجود فوضى واضطراب في الفضاء. وما أدى إلى حماية الأرض من التصادم في الفضاء.

تعمل هذه التناظرات أو المقادير المصانة في التداخلات الثقالية بين الكواكب عمل حاجز أو رابط يمنع الحركات الفوضوية، ويحافظ على ثبات مدارها تقريباً.
واعتمد في ذلك على نمذجات لمسارات الكواكب الداخلية.

المصدر

هنا