حلقات أنشتاين قد تكشف لنا ماهية المادة المظلمة

اقترب العلماء خطوة نحو تحديد ماهية المادة المظلمة. وذلك بعد دراسة حالات غير معتادة لظاهرة عدسة الجاذبية، التي تسببها هالات المادة المظلمة المحيطة بالمجرات البعيدة. وقد تكشف فيها حلقات أنشتاين عن ماهية المادة المظلمة.

حلقة أنشتاين وعدسة الجاذبية
مجموعة من صور حلقات أنشتاين التقطها تلسكوب هابل. حقوق الصورة: NASA

المادة المظلمة

اقترب العلماء أكثر من كشف الهوية الحقيقية للمادة المظلمة. وذلك بعد دراستهم كيفية انحناء الضوء انحناءً مختلفاً في حلقات أنشتاين ذات الالتفاف الغريب، وفي غيرها من الأجسام المتعرضة لظاهرة عدسة الجاذبية، أو ما يسمى أيضاً التعديس الثقالي.

ويقدر العلماء أن المادة المظلمة تكون ٨٥٪ من الكون تقريباً. ومع أن العلماء قد رصدوا التأثيرات الثقالية للمادة المظلمة وحددوا مكانها المحتمل، إلا أنهم لا يملكون فكرة عن ماهيتها الحقيقة بعد.

ومنشأ هذه الحيرة هو عدم انبعاث الضوء أو أي شكل من أشكال الإشعاع الكهرومغناطيسي من المادة المظلمة كما ينبعث من المادة العادية أو الباريونية.

ولما كانت المادة المظلمة قد افترضت في نهايات القرن التاسع عشر، فقد طرح العلماء كثيراً من الافتراضات عن ماهية المادة المظلمة الحقيقية.

وعلى أي حال، يقبل المجتمع العلمي بافتراضين مرشحين عن ماهية المادة المظلمة، ألا وهما الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل التي يتوقع بأنها تسلك سلوك جسيمات مشابهة، وثانيهما هي الأكسيونات، وهي جسيمات دقيقة يرجح بأنها تسلك سلوكاً موجياً بسبب التداخل الكمومي.

ومع سنوات من التجارب في مسرعات الجسيمات، لم تكتشف لا الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل ولا الأكسيونات.

المادة المظلمة وعدسة الجاذبية

حاول الباحثون في دراسة جديدة نشرت في مجلة نيتشر أسترونومي في ٢٠ نيسان/ أبريل الفائت اكتشاف مرشح المادة المظلمة الأكثر احتمالاً. وذلك عن طريق تحليل أجسام متعرضة لتأثير عدسة جاذبية غير اعتيادي.

وهذه الأجسام هي أجسام بعيدة تتعرض للتكبير عندما يمر الضوء المنبعث منها عبر نسيج الزمكان المنحني نتيجة الجاذبية حول جسم أقرب للراصد.

يؤدي تأثير عدسة الجاذبية عادة إلى انحناء الضوء القادم من جسم بعيد كمجرة أو نجم زائف كما يبدو، وذلك حول جسم أقرب ومماثل بكتلته يقع بين الجسم البعيد والراصد.

إذ ينشأ عن الجسم القريب الذي يملك كتلة ضخمة -يكون عادة مجرة أو نجماً زائفاً أو ثقباً أسود- قوة تحني نسيج الزمكان حوله. وبذلك يسير الضوء في خطوط مستقيمة عبر نسيج الزمكان المنحني أكثر من كونه ينحني حول الجسم.

وتكون النتيجة حلقة جزئية أو كاملة من الضوء المكبر أو المضخم بالنسبة للراصد. مما يمكن العلماء من دراسة الجسم البعيد بتفاصيل أفضل مما هو ممكن عادة.

حلقة أنشتاين

عندما تكوّن حلقة الضوء المحيطة بالجسم القريب حلقة كاملة أو شبه كاملة، تعرف هذه الدائرة باسم حلقة أنشتاين. وذلك نسبة إلى ألبرت أنشتاين الذي كان أول من تنبأ بهذه الظاهرة عام ١٩١٢.

وفي آب/ أغسطس ٢٠٢٢ التقط تلسكوب جيمس ويب صورة مذهلة لأفضل حلقة أنشتاين ترى أبداً.

غير أن بعض حلقات أنشتاين وغيرها من الأجسام المتعرضة لتأثير العدسة دون حلقة، يمكن أن تظهر مضاعفة، حيث ترى عدة صور للجسم المتعرض للتكبير ذاته.

ويعتقد العلماء أن هذا الأمر الشاذ يحدث عندما ينحني الزمكان بصورة أكثر شذوذاً بفعل هالات المادة المظلمة. وهي حلقات افتراضية من المادة المظلمة تحيط ببعض المجرات ولكنها لم ترصد مباشرة.

ويمكن للعلماء عن طريق دراسة كيفية تشوه الحلقات وغيرها من الصور المتعرضة لتأثير عدسة الجاذبية معرفة المزيد عن خواص هالة المادة السوداء المحيطة بمجرة أقرب.

الدراسة الجديدة

المادة المظلمة وحلقة أنشتاين
صورة مشوهة للنجم الزائف المكبر أربع مرات HS 0810+2554 والأضواء المتعددة في الصورة نسخ لنفس المصدر الضوئي. حقوق الصورة: Hubble Space Telescope / NASA / ESA

وللقيام بذلك حلل العلماء صوراً لعدة أجسام متعرضة لتأثير عدسة جاذبية غريب، مركزين على النجم الزائف HS 0810+2554 المتعرض لتكبير رباعي لصورته (أربع صور لنفس الجسم) بتأثير عدسة الجاذبية. وقد اكتشف لأول مرة عام ٢٠٠٢.

بعد ذلك قارنوا هذه الصور مع نموذجي محاكاة حاسوبية. إحدى النماذج تكونت فيها الهالة من جسيمات بمعظمها كالجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل، والنموذج الآخر جعل الحلقة يسيطر على تكوينها خواص شبه موجية كالأكسيونات.
ووجد العلماء أن صور كل جسم كانت أقرب في تطابقها مع نموذج الأكسيونات.

وتشير النتيجة إلى أن الأكسيونات هي المرشح الأكثر احتمالاً للمادة المظلمة، ما جعل بعض العلماء يتحمسون جداً. وعلى أي حال، ما زال الجدل قائماً وبحاجة لأبحاث لاحقة لإثبات هذه الفرضية.

ويجدر بالذكر أن الأكسيونات والجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل هي المرشحة الوحيدة التي تفسر ماهية المادة المظلمة. وقد اقترحت أبحاث سابقة إمكانية تكون هذه المادة غير المرئية من نيوترينات وغرافيتونات أو ثقوب سوداء ضئيلة (تعرف أيضاً بكرات فيرمي). بل وتذهب بعض الدراسات بعيداً إلى أن المادة المظلمة قد تكون مكونة من مادة مظلمة تتفاعل مع نفسها في أبعاد إضافية لا نعرفها.

ملخص المقال

اقترب العلماء خطوة نحو تحديد ماهية المادة المظلمة وذلك عن طريق دراسة حلقات أنشتاين.
إذ يقبل المجتمع العلمي بافتراضين مرشحين عن ماهية المادة المظلمة، ألا وهما الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل، والأكسيونات.

وفي الدراسة الجديدة حلل العلماء صوراً لعدة أجسام متعرضة لتأثير عدسة الجاذبية، وقارنوها مع نماذج حاسوبية.

وفي النتيجة كانت صور كل جسم أقرب في تطابقها مع نموذج الأكسيونات. مما يعني أنها المرشح الأفضل لتكون المادة المظلمة منه.

وما زال الأمر يحتاج البحث، وهناك افتراضات أخرى أيضاً عن ماهية المادة المظلمة يجب دراستها.

المصدر

هنا