عدسة الجاذبية: أجسام ضخمة تحني نسيج الزمكان
ما هو تأثير عدسة الجاذبية، ولمَ هو مفيد لعلماء الفضاء؟ لنستكشف كيف تسمح انحناءات الزمكان للتلسكوبات بالرؤية أبعد في الكون.
يتحرك الضوء في خط مستقيم وفق الفيزياء الكلاسيكية وذلك إلى أن يصطدم بشيء. لكن نظرية أنشتاين طرحت فكرة مختلفة بعض الشيء.
يملك جسم كبير مثل مجرة أو عنقود مجري كتلة كافية لجعل جاذبيته تحني نسيج الزمكان حوله. فإذا حدث وتحركنا بجانب الضوء الذي يمر بجسم كالمجرة، سيبدو لنا أن الفوتونات تتحرك في خط مستقيم. ولكن الضوء إذا نظرنا إليه من مسافة بعيدة سيبدو كأنه ينحني حول ذلك الجسم، منحنياً مع انحناء نسيج الزمكان. وهذا الانحناء بالطبع يجعل سلوك الضوء أشبه بمروره عبر عدسة. ويعرف هذا التأثير باسم عدسة الجاذبية أو التعديس الثقالي.
وبهذا يتعرض الضوء القادم من مصدر خلفي للتضخم (مثل ضوء مجرة بعيدة). مما يجعل الصورة تبدو أكثر سطوعاً مما كانت ستبدو عليه لو لم تكن كتلة الجسم الذي أحدث التأثير كبيرة.
وكلما اقترب الضوء من العدسة، كان التأثير أقوى. وازداد انحناء الضوء وزاد تأثير التكبير. وذات الأمر ينطبق على كتلة الجسم الذي يحدثه، فكلما كانت كتلته أعلى كان تأثيره أقوى.
ما هو شكل عدسة الجاذبية؟
إن الصور الناتجة عن هذا التأثير، أبعد من أن تكون نسخة مثالية للجسم الأصلي. وهذا عكس العدسة الزجاجية التي قد تكون في التلسكوب بالطبع، فتلك تركز الضوء في نقطة واحدة.
وما نراه من الأرض يختلف. فمع وجود تأثير عدسة جاذبية قوي، ينحني الضوء القادم من مجرة بعيدة بسببه انحناءً كبيراً. وبالتالي تظهر المجرة الخلفية على شكل أقواس ممتدة، وغالباً ما نرى أكثر من صورة واحدة لها.
وعندما يكون التأثير ضعيفاً، تكون التأثيرات أقل. فلا تكون الصور مشوهة بشكل واضح.
ويبدو تأثير العدسة بمجرد النظر إلى رقعة واسعة من سماء الليل. وفي هذه الحالة، تظهر صور المجرة الخلفية وكأنها تصطف حول المجرة الأمامية التي تحدث تأثير العدسة بجاذبيتها.
وهناك أدلة على أن تأثير عدسة الجاذبية قد يكون السبب في رصد متكرر لانفجارات راديوية سريعة في الواقع.
ما الذي تقدمه عدسة الجاذبية لعلم الفلك؟
يفيد تأثير عدسة الجاذبية القوي والضعيف في دراسة الكون البعيد. حيث إن هذا التأثير يؤدي إلى تكبير مصدر الضوء الخلفي. مما يسمح لعلماء الفلك برؤية الأجسام التي قد تكون باهتة جداً ولا يمكن رؤيتها.
كما أن دراسة كيفية تشوه الصورة يمكن أن ينبئ علماء الفلك عن الكثير حول الجسم الذي أحدث تأثير العدسة ذلك.
وتتنبأ معادلات إينشتاين بكيفية تشويه عدسة الجاذبية للضوء بناءً على كتلتها وشكلها. لذا يمكن معرفة خواص المجرة التي تحدث تأثير العدسة بالعمل على الصورة المرصودة بالطبع.
وهذه إحدى طرق قياس كتلة الأجسام الكبيرة مباشرة. وهو أمر مهم لدراسة المادة المظلمة. وهي المادة غير المرئية والغامضة التي تشكل جزءاً كبيراً من الكون. ويمكننا البحث عن علامات عن تأثير عدسة جاذبية ضعيفة عبر تحديد اتجاه مليارات المجرات التي التقطت صور لها أثناء المسح العميق للسماء.
وفائدة هذه القياسات كل على حدة ضئيلة، ولكن عند أخذها معاً يمكن رؤية الأنماط، حيث تجعل العدسة الصور تبدو وكأنها تنتظم.
والتأثير الضئيل لا تسببه الأجسام الكبيرة لوحدها، بل تسهم في ذلك المادة كلها بين المجرة الخلفية والراصد، بما في ذلك المادة المظلمة.
وعبر النظر إلى تأثير العدسة الضعيف لأقدم ضوء في الكون، أي الخلفية الكونية الميكروية، يأمل بعض العلماء في إنشاء خريطة للمادة المظلمة في أنحاء الكون. ويمكن للحواسيب حساب اتجاه المجرة بسهولة. لكنها تلاقي صعوبة لتحديد الأقواس المميزة التي يسببها تأثير العدسة القوي.
أربع أشكال لتأثير عدسة الجاذبية
<p dir=”rtl”>يمكن أن تتخذ المجرات التي تتعرض لللتأثير أشكالاً عديدة، وهي:
حلقة إينشتاين
العدسة الأولى من بين ثلاثة أنواع من العدسات القوية.
عندما يكون مصدر الضوء الخلفي (المجرة البعيدة)، والعدسة (المجرة القريبة التي تحدث أثر عدسة الجاذبية) والمراقب في محاذاة تامة، ينحني ضوء الجسم البعيد حول المجرة المحدثة لتأثير العدسة انحناءً متساوياً في جميع الاتجاهات. وهذا يؤدي إلى دائرة حول المجرة المحدثة لتأثير العدسة تسمى حلقة إينشتاين.
تقاطع إينشتاين
يتشكل تقاطع أو صليب إينشتاين عندما يكون هناك انحراف طفيف فقط بين المصدر الخلفي للضوء والعدسة والمراقب.
تكون الصورة الناتجة عن تأثير العدسة مكسورة قليلاً، وبهذ نرى أربع نقاط من الضوء حول العدسة المركزية بدلاً من رؤية حلقة.
القوس
المحاذاة التامة أو شبه التامة أمر نادر، لذا فإن هذه العدسات القوية هي الأكثر شيوعاً وتتميز بأقواسها.
وغالباً ما تظهر هذه الأقواس بلون الأزرق. وذلك لا يعود إلى أي تأثير للعدسة. بل لأن المجرات المسببة لأثر العدسة تكون غنية بالنجوم الزرقاء الفتية غالباً.
تأثير العدسة الضعيف
تأثير العدسة الضعيف يوجد أكثر من تأثير العدسة القوي. لكنه أصعب في الرصد. ويتطلب ذلك رصد حقول من المجرات بدلاً من رصد هدف بعينه.
وعلى مثل هذه المقاييس الكبيرة، تظهر تأثيرات العدسة الضعيفة بسرعة.
ملخص المقال
ما هو تأثير عدسة الجاذبية، ولمَ هو مفيد لعلماء الفضاء؟ عند وجود جسم مثل مجرة بعيدة ضوؤها باهت، وجسم كبير مثل مجرة أو عنقود مجري كتلته كبيرة يقع أقرب إلينا، فإن جاذبية الجسم القريب تحني نسيج الزمكان حوله.
وبهذا تحني الضوء القادم من المجرة البعيدة خلفها. وهكذا يتعرض الضوء القادم من مصدر خلفي للتضخم. مما يجعل الصورة تبدو أكثر سطوعاً. ويفيد تأثير العدسة القوي والضعيف في دراسة الكون البعيد.
وهناك أربع أشكال لتأثير عدسة الجاذبية: حلقة إنشتاين، تقاطع إنشتاين، القوس، تأثير عدسة الجاذبية الضعيف.