كيف يؤثر القمر على النَظم الحيوي للإنسان؟
نوقش تأثير القمر على الحالة الجسدية والنفسية منذ زمن مغرق في القدم. وغالباً ما نصدف حتى أيامنا هذه بعض النصوص الغامضة والادعاءات غير المثبتة عن الموضوع.
وتعد الدورات القمرية إحدى المسائل التي ينشط أخصائيو علم البيولوجيا الزمني في دراستها، فلا شك بوجود بعض التواترات في الحقيقة، والعمليات الجسدية ذات طبيعة دورية أيضاً.
إن بعض التأثيرات القمرية التي بدت في ما مضى واضحة، لم تثبتها التجارب حتى تاريخنا هذا.
كما لا يوجد ما يكفي أيضاً من الجوانب المدروسة، لأن تقييمها بالكامل يتطلب القيام بتجارب واسعة النطاق على الأشخاص، مع الأخذ بعين الحسبان عشرات العوامل المتغيرة التي لا يمكن استثناؤها من دراسة طويلة المدى.
إذاً، كيف يؤثر القمر على النَظم الحيوي للإنسان؟
ما هي الدورة أو النَظم القمري؟
تتكون الدورة القمرية الشهرية تقريباً من ٢٩.٥ يوماً. يتعرض القمر خلالها إلى تغير كامل في أطواره. إلى جانب ذلك هناك الدورة القمرية اليومية المتكونة من ٢٤.٨ ساعة. وهو الوقت المتوسط الذي يفصل بين ذروتي ارتفاع للقمر (أو ما يسمى بالتكبد العلوي). ويجب ألا نغفل أن مدة اليوم القمري الأول تتفاوت، وتكون أحياناً قصيرة جداً.
وتختلف درجة إضاءة سماء الليل اعتماداً على طور القمر. الأمر الذي يؤثر بدوره على عمليات الحياة البرية، كقدرة بعض الحيوانات على الاختباء من مفترساتها، وقدرة المفترسات على الصيد بنجاح.
إذ تكون السماء عندما يكون القمر مكتملاً أعلى إضاءة بـ ٢٥ مرة منه عندما يكون القمر في طور التربيع. وأعلى إضاءة بـ ٢٥٠ مرة منه عندما يكون هلالاً.
إلى جانب ذلك، إن تأثير الدورات القمرية موضوع بحث قديم في البيولوجية البحرية. وذلك لأن عمليات التكاثر للعديد من الحيوانات تنظمها هذه التغيرات بدقة. لا بل هناك تسمية خاصة لدورات المد والجزر، وهي الإيقاع أو النَظم اليومي. وقد أثبتت منذ زمن بعيد ارتباطات مثيرة بين العمليات الفيزيولوجية وأطوار القمر لمجموعة الأحياء هذه.
وأيضاً يمكن أن تتأثر الكائنات الأرضية من اللافقاريات إلى الرئيسيات بطريقة ما بالمواعيد القمرية هذه، أي بإضاءة سماء الليل تبعاً لذلك. كما يناقش العلماء أيضاً الجوانب الثقالية لتأثيرات القمر على مستوى الكائن الحي.
كيف يؤثر القمر على البشر؟
من بين المواضيع المثيرة لدراستها عن الإنسان هي تكرر حدوث أنواع مختلفة من السكتات الدماغية في أطوار مختلفة للقمر. وقد تمكن العلماء من الوصول إلى عدة استنتاجات اعتماداً على قاعدة بيانات مستشفى ميلبورن الملكي بين ٢٠٠٤ و٢٠١١.
وقد تبين أن السكتات الدماغية النزفية حدثت أكثر من المعتاد في الربع الأول من الدورة القمرية مقارنة بالأيام الأولى لولادة قمر جديد. كما ازداد حدوث نوبات نقص التروية العابرة في فترة الربع الأول من القمر. ولكن حالات نقص التروية لم تتأثر بأطوار القمر.
ومن الجدير بالذكر أن ذات العمل أظهر أن السكتات الدماغية بصورة عامة تحدث بمعدل أقل بين منتصف الليل والسادسة صباحاً مقارنة بباقي أوقات اليوم.
كما استقصت دراسة أخرى واسعة النطاق سؤالاً مهماً آخر، وهو كيف تتغير جودة نوم الإنسان اعتماداً على طور القمر. وقد قيّم العلماء جودة النوم باستخدام تخطيط كهربية الدماغ، وأجروا تحاليل إضافية لمقارنة مستويات الميلاتونين والكورتيزول.
وقد تبين أن مرحلة النوم العميق خلال فترة القمر المكتمل انخفضت ٣٠٪، وازدادت المدة اللازمة للنوم ٥ دقائق، وانخفضت مدة النوم الإجمالية ٢٠ دقيقة.
ومن المثير للاهتمام أن هذا العمل سبب جدالاً حامياً وتلقى عدداً من التعليقات الناقدة بما يخص الطرق المستخدمة في التجربة وتصميمها.
ويتوافق العلماء أن التصميم المناسب للتجربة الذي يسمح بعزل ارتباطات محددة بين خواص النوم والطور القمري والتأثير المتبادل الوثيق للأجهزة المنظمة المسؤولة عن التقاط النظم الشمسية والقمرية هو تصميم معقد، ويتطلب المزيد من البيانات.
ومع أن الكثير من العمل يجري في هذا الاتجاه، ما يزال السؤال مفتوحاً.
وتأثير هذه الدورة الشهرية على نشاط الإنسان الجسدي أيضاً لم يثبت بعد. ومع أن دراسة متعددة الجنسيات أظهرت بأن هذا النشاط له نَظمه الخاص، لكنه لا يرتبط مباشرة بالقمر.
أما عن التفسيرات المثيرة للارتباطات المثبتة إحصائياً بين العمليات العضوية والنفسية في جسم الإنسان وأطوار القمر فقد طرحت في مقال لرسل ج. فوستر وتيل رونيبيرغ بعنوان: الاستجابة البشرية للدورة الجيوفيزيائية اليومية والسنوية والقمرية.
ولعل إحدى أكثر القضايا إلحاحاً هي العلاقة المحتملة بين الطور الهوسي والطور الاكتئابي لاضطراب ثنائي القطب والنَظم أو الدورات القمرية. ولا وجود لإجابة قاطعة عن مثل هذه التأثيرات بعد.
ما متطلبات حدوث هذا الترابط؟
من الواضح أن متطلبات وجود ارتباط بين العمليات الفيزيولوجية والنظم الشهرية موجودة. ولكن تعقيد إعداد تجربة بكفاءة مع مشاركة الأشخاص ووجود عوامل مؤثرة إضافية يمنعنا من استخلاص الاستنتاجات وصياغة أية توصيات بناءً على بيانات إحصائية يمكن الاعتماد عليها.
أما الرأي الذي ينتشر بين العلماء هو أن درجة تأثير النَظم القمري قد يختلف من شخص لآخر. ولربما هناك متطلبات جينية محددة من أجل قابلية تأثر أعلى أو أدنى بهذه التأثيرات. والتي سترتبط مثلاً بوجود المزيد من العلامات القديمة التي تشير إلى تبعية أعلى لتأثير القمر.
ففي الأزمان التي كان فيها القمر المصدر الوحيد للإضاءة، قد تكون القدرة الفطرية لتكييف نشاط الشخص مع ظروف إنارة مختلفة قيمة.
ويبين مقال للعلماء غابريل أندريتا وكريستين تيسمارايبل الارتباط بين الدورات القمرية والآليات الجزيئية المسؤولة عن النظم اليومية والسنوية. كما أثار عدة تساؤلات يجب أن نجد إجابة لها إذا أردنا فهم تأثير القمر: من الذي يتأثر وكيف يتأثر ولماذا يتأثر. ونحن بانتظار أبحاث جديدة.
ملخص المقال
يقال منذ القدم أن القمر له تأثير على الحالة النفسية والجسدية للإنسان، ولكنه غير مثبت بعد. فكيف يؤثر القمر على النَظم الحيوي للإنسان؟
يمكن أن تتأثر الكائنات بإضاءة سماء الليل تبعاً لطور القمر، كالمفترسات والفرائس.
أما عن تأثيره على البشر فقد حاولت عدة دراسات معرفة تأثيره على السكتات الدماغية أو نقص التروية العابرة أو جودة النوم، ولكنها تعرضت لانتقادات حادة بما يخص تصميم التجارب والطرق المستخدمة فيها.
ولم يثبت تأثير نَظم القمر على الإنسان وبقي السؤال مفتوحاً.
ويقول بعض العلماء أننا بحاجة لكي نفهم أولاً من الذي يتأثر وكيف يتأثر ولماذا يتأثر. لذلك سننتظر أبحاثاً جديدة.