لماذا تومض النجوم؟

هوائيات مجموعة مرصد أتاكاما المليمترية وتحت المليمترية الكبرى (ألما)
هوائيات مجموعة مرصد أتاكاما المليمترية وتحت المليمترية الكبرى (ألما)، أمام عظمة مجرتنا درب التبانة. حقوق الصورة: ESO/B. Tafreshi (twanight.org)

انظر إلى السماء في الأعلى من منطقة مظلمة، وفي ليلة صافية، سترى النجوم تومض وتتلألأ  وهذا المفهوم متأصل، حتى أن هذه الفرضية مذكورة في أحد أهم أغاني الأطفال.
ولكن ماذا يقول العلم في ذلك المنظر المتلألئ؟ ما الأمر الذي يجعل النجوم تومض؟
يبدو أن أغنية: «أومض، أومض، أيها النجم الصغير». مجرد خطأ افترضناه. والصحيح: النجوم لا تومض.

النجوم لا تومض في الواقع

لعل أصدق إجابة تجيب عن سؤالنا إن كانت تومض النجوم هو: إنها لا تومض! في الحقيقية، إن الوميض الذي نراه ليس له صلة بالنجوم، بل إنه نتيجة لكيفية رؤيتنا لهذه النجوم من منظورنا على الأرض.
فلأن النجوم بعيدة جداً، نراها نقاطاً صغيرة من الضوء في سماء الليل.
يقول رايان فرينش، وهو عالم فيزياء شمسية من جامعة كولدج لندن: «ينتقل الضوء مسافة كبيرة ليصل إلى عيوننا خلال ليلة صافية». في الحقيقة، بَعدَ نجمنا الشمس، التي تبعد عنا مسافة متوسطها يبلغ ١٥٠ مليون كم تقريباً، يأتي أقرب نجم إلينا، وهو النجم قنطور الأقرب أو ألفا سنتوري، ويبعد عن الأرض ٤ سنوات ضوئية!
وبالطبع،  فإن هذا الضوء القادم في طريقه إلى أعيننا من النجوم البعيدة، يمر من غلاف الأرض الجوي. وهو العامل الرئيسي في تأثير الوميض الذي نراه.
حالما يصل الضوء القادم من النجم إلى الغلاف الجوي للأرض، يمر عبر طبقات الغلاف الجوي. وهذه الطبقات فيها اضطرابات مختلفة تبعاً لتركيبها، وبالتالي تحدث انكسارات مختلفة للضوء في أزمنة قصيرة جداً وهو يعبر الغلاف الجوي. كل ذلك قبل أن يصل إلى أعيننا، وهذا السبب الذي يجعلنا نرى ضوء النجم يومض ويتلألأ.
إذاً، إن الغلاف الجوي للأرض هو الذي يجعلنا نرى الضوء القادم من النجوم يومض. إلا أن النجوم في الفضاء لا تومض أبداً. ولهذا السبب بالذات أرسل التلسكوب هابل إلى مداره في الفضاء. حيث يمكنه التقاط صور أكثر دقة للفضاء، وذلك دون أن تتعرض الصور للتشوه نتيحة الاضطرابات في الغلاف الجوي.

انكسار الضوء
انكسار ضوء النجم في الغلاف الجوي

لماذا تومض بعض النجوم أكثر من غيرها؟

هناك عوامل كثيرة تؤثر على الكيفية التي يرى فيها وميض النجم. وأحد هذه العوامل المتغيرة هو موقع النجم ضمن حقل رؤيتنا.
يقول فرينش: «ستومض النجوم بدرجة أعلى إذا كان الضوء القادم منها يمر عبر كمية أكبر من الهواء، قبل أن يصل إلى أعيننا». لذلك، فالنجوم الواقعة قرب الأفق تبدو بأنها تومض أكثر، والسبب أن ضوءها يجب أن يمر لمسافة أكبر ضمن الغلاف الجوي حتى يصل إلينا.
علاوة على ذلك، للطقس دورٌ أيضاً. فالليالي ذات الرطوبة المرتفعة تجعل الهواء أكثر كثافة، مما يجعل وميض النجوم أعلى.
بناء على ذلك، يأخذ علماء الفلك هذا الأمر نقطة إرشاد عندما يقررون المكان الذي سيبنون فيه أكبر وأفضل التلسكوبات. فالمراصد تبنى في مناطق مرتفعة وجافة، وذلك من أجل تقليل كمية الهواء بين التلسكوب والنجم قدر الإمكان.
من بين أفضل هذه المناطق على سبيل المثال: صحراء أتاكاما في تشيلي الجافة تماماً، بالإضافة إلى القمم البركانية في هاواي وجزر الكناري الإسبانية. فهذه المواقع أمثلة عن أماكن يشير إليها علماء الفلك بأن الرؤية فيها جيدة. فبصفة عامة، يسبب الهواء الكثيف الكثير من الوميض والاضطراب، لذا فالرؤية فيه سيئة. أما المناطق الجافة والساكنة وقليلة الهواء، تعطي رؤية جيدة.
وعندما تنظر إلى السماء في الليل، قد تلاحظ أيضاً أن بعض النجوم تتغير ألوانها عندما تومض. ولعل أشهر مثال هو نجم الشعرى اليمانية، وهو ألمع نجم في سمائنا.
يقول فرنش: «يتعرض شعاع الضوء إلى الانكسار، أو الانحناء قليلاً، أثناء عبوره في الغلاف الجوي». ويلاحظ هذا التأثير بدرجة أكبر لدى النجوم الأكثر لمعاناً.

ماذا عن النجوم التي لا تومض؟

كما قد تلاحظ «نجوماً» أخرى لا تومض أبداً، وذلك في الحقيقة لأنها كواكب لا نجوم. فالكواكب، خلافاً للنجوم، ليست نقطة في السماء، بل أكبر، وهذا لأنها أقرب كثيراً إلى الأرض. بمعنى آخر، إنها كبيرة جداً حتى يجعلها الغلاف الجوي تومض. من ناحية أخرى، إذا نظرت إلى الكواكب، أو حتى إلى القمر عبر تلسكوب، فإنك ستستمر برؤية تموج لضوئها. وذلك لأن الضوء الذي تراه قد اصطدم بالغلاف الجوي في طريقه إلى عينيك.

ملخص المقال

إذا نظرت إلى السماء في ليلة صافية فحتماً سترى وميض النجوم. والحقيقة أن النجوم لا تومض! فما يحدث هو أن ضوءها عندما يخترق الغلاف الجوي يتعرض لانكسارات مختلفة تجعله يبدو وكأنه يومض. وكلما زادت كثافة الهواء، زاد الوميض. لذلك تفضل المناطق الجافة والساكنة وقليلة الهواء لبناء المراصد. ولهذا أرسل تلسكوب هابل وغيره إلى مدار في الفضاء. أما النجوم التي لا تومض فهي كواكب. وترى تموجاً لضوئها لأنه سيمر بالغلاف الجوي حتماً.