لماذا لا ترى النجوم في صور الفضاء؟

تظهر السماء في الصور الملتقطة من سطح القمر أو من مدار للأرض سوداء تماماً. وترى هنا أو هناك نجماً فقط. بينما يراها رواد الفضاء رؤية طبيعية وواضحة تماماً، ولكن تحت ظروف معينة فقط. فلماذا لا ترى النجوم في صور الفضاء؟

النجوم من مدار الأرض
صورة للفضاء من المدار حول الأرض. حقوق الصورة: eol.jsc.nasa.gov

إيجاد نجم في صورة التقطت من المدار

يحكم معظم الناس على مظهر الفضاء من خلال صور التقطها رواد فضاء خلال رحلاتهم. وتظهر هذه الصور أن السماء مظلمة تماماً، مع وجود نقطة صغيرة معينة هنا أو هناك. وهي تبدو دائماً بلا نجوم تقريباً.

ونتيجة لذلك، يستنتج الكثيرون بأن النجوم غير مرئية في الفضاء أبداً، ويسألون السؤال الآتي: لماذا لا ترى النجوم في صور الفضاء؟

في الحقيقة، يرى رواد الفضاء النجوم كل يوم، ولكنها نادراً ما تتمثل في الصور.

ولنفهم لماذا الأمر كذلك، يجب أن نعي أولاً أن سواد السماء لا يعني دائماً إمكانية رؤية النجوم فيها.

الفضاء بلا نجوم
صورة تقليدية للفضاء لا ترى فيها النجوم. المصدر: Forbes.com

لماذا لا نستطيع رؤية النجوم في النهار؟

يجب أن يبدأ التفسير بالسؤال لماذا لا نرى النجوم خلال النهار أيضاً هنا على الأرض؟

ليس السبب طبعاً أن السماء مضاءة تماماً أثناء النهار. فهي زرقاء لأن الغلاف الجوي يشتت ضوء الشمس جزئياً، وتتأثر أمواج الضوء القصيرة بذلك تحديداً بهذه العملية، وهي أمواج الضوء الزرقاء والبنفسجية من الطيف المرئي.

ولكن لون السماء الأزرق هذا لا يحرمنا من رؤية القمر خلال النهار! علاوة على ذلك، يمكن تحت ظروف معينة رؤية الزهرة والمريخ والمشتري بالعين المجردة في سماء النهار، وذلك إذا كنت تعرف أين تنظر إليها.

فالمسألة أن عيوننا تتكيف مع مستوى معين من الإضاءة. وببساطة، يكون ضوء الشمس خلال النهار شديداً جداً مقارنة بمثل مصادر الإشعاع هذه، كالنجوم البعيدة. إلا أن قمرنا يعكس ما يكفي من الضوء.

أما في الفضاء فلا يتداخل الغلاف الجوي في الأمر، ولهذا تبقى السماء في الفضاء مظلمة خلال النهار. ولكن مستوى الإضاءة في وجود الشمس، أو في الجزء المضاء بالشمس من الأرض، يبقى مرتفعاً جداً. ويستمر بصرنا بتكييف حساسيته مع هذه الشروط، لذلك لا ترى النجوم في السماء السوداء إذاً.

الفضاء في الليل
السماء السوداء في  الفضاء لا تعني عدم وجود ضوء كافٍ. حقوق الصورة: www.issnationallab.org

ويمكن مقارنة هذا الأمر مع حالتك عندما تخرج من متجر مثلاً بعد غروب الشمس، ثم تدخل موقف سيارات شديد الإضاءة. عندها ستبدو السماء فوق رأسك مظلمة، وحينها سيكون من الصعب جداً أن ترى النجوم فيها.
ويحدث ذات الأمر تقريباً فوق نصف الكرة الأرضية المضاء بالشمس لأن شمسنا أقوى من أي مصباح تماماً.

هل رأى رواد مهمة أبولو النجوم؟

واجه رواد مهمة أبولو ١١، أول الواصلين إلى القمر، تأثير السماء المظلمة التي شرحناها، حيث لا ترى النجوم. ولم يرَ الصحفيون نجمة واحدة في الصور التي أخذوها، لذلك سألوا الرواد إبان عودتهم إن كانوا قد رأوا أية نجوم أثناء مهمتهم.

أجاب نيل أرمسترونغ على ذلك بقوله أنهم لم يشاهدوها، وشرح السبب. إذ وصلت جميع الوحدات المأهولة إلى القمر خلال فترة النهار هناك، التي تستمر على القمر لمدة ١٤ يوماً و ١٨ ساعة بالمتوسط. وذلك لمعرفة الخبراء خطر الليل الشديد على الرواد هناك.

أبولو ١١ على القمر
رائد أبولو ١١ على القمر. المصدر: www.history.com

بالإضافة إلى ذلك، جرت عمليات الهبوط في نصف الكرة القمرية المرئية من الأرض. ولهذا السبب لم تكن الشمس وحدها المضيئة في السماء طوال الوقت، بل ورافقها في ذلك كوكبنا أيضاً، فأرضنا يمكنها أن تعكس أضعاف ما يعكسه القمر المكتمل من ضوء.

وأشار أرمسترونغ أنه إذا التجأ رائد الفضاء إلى ظل الوحدة القمرية، فيمكنه رؤية أعلى النجوم سطوعاً في الفضاء. ويمكن رؤيتها بوضوح أعلى من قعر حفرة صدمية عميقة أو من داخل أحد الوديان على القمر. ولكن لم يقم الرواد بمثل هذه التجارب.

لماذا تندر صور النجوم من المدار حول الأرض؟

تعمل الكاميرا بالطريقة ذاتها التي تعمل بها العين البشرية. والفرق أن الوقت اللازم لدخول الضوء من العدسات إلى المستشعر أي الفيلم أو الدارة الحساسة للضوء، هو الذي ينظم حساسيتها. وهذا ما يسمى سرعة غالق الكاميرا (التعرض).

ولتصوير النجوم في الليل يجب أن يكون هذا الوقت أطول من الوقت اللازم لتصوير الأجسام والمناظر خلال النهار.

ولهذا السبب تكون فرصة الكاميرا المثبتة على متن محطة فضاء تحلق فوق الجزء المضاء من الأرض أقل حتى من فرصة العين البشرية لرؤية النجوم.

نجوم الفضاء
صورة للنجوم نتجت عن تقنية التعرض الطويل للضوء. المصدر: NASA

سيكون من المعقول إذاً أن نفترض أنه عندما تكون سفينة فضائية أو محطة فضاء فوق الجانب غير المضاء من الأرض، فيجب ألا يكون هناك مشكلة في رؤية الأضواء البعيدة. وبالفعل تكون مرئية، وهناك كثير من الصور التي تثبت ذلك.

ولكن المشكلة الوحيدة هي أن معظم صور الفضاء تظهر سطح الأرض أو محطة مدارية أو غيرها من الأجسام الفضائية. وهذه الأجسام بالطبع لا يمكن رؤيتها إطلاقاً في غياب ضوء الشمس، أو قد ترى رؤية غير واضحة جداً!
وهذا ما يفرض أن تلتقط عادةً هذه الصور فوق الجزء المضاء بالشمس، ولهذا السبب لا يمكننا إيجاد أية نجوم في مثلها.

محطة الفضاء الدولية
عادة تكون السماء بلا نجوم في الصور التي يلتقطها رواد الفضاء. المصدر: bbc.com

بالإضافة إلى كل ما سبق ذكره، تملك محطة الفضاء أضواءها الخاصة التي تنيرها أثناء تحليقها فوق الجزء المعتم من الأرض. وهذه الأضواء تؤدي إلى تلوث بصري شبيه بأضواء المدن التي تمنعنا من التمتع بالنجوم مباشرة ونحن في شوارعها.

لذلك من الأفضل النظر إلى النجوم في الفضاء في غياب تام للضوء. ولهذا السبب تماماً يختبئ تلسكوبا غايا وجيمس ويب من الشمس في ظل الأرض في نقطة لاغرانج ٢. وهذا ما جعل لقطاتهما للأجرام الفضائية البعيدة لقطات مثالية.

ملخص المقال

تظهر معظم صور الفضاء مظلمة تقريباً، مع وجود نقطة مضيئة صغيرة هنا أو هناك. فمع وجود الآلاف منها، لماذا لا ترى النجوم في صور الفضاء؟

على الأرض يؤثر الغلاف الجوي على الرؤية، وتتكيف عيوننا مع مستوى مرتفع من الإضاءة الشمسية خلال النهار مقارنة بأضواء النجوم والأجرام البعيدة فلا نراها.
وينطبق ذات الشيء على الرؤية في الفضاء، ويكون اللون أسوداً لغياب الغلاف الجوي فقط.

والأمر أشبه بالوقوف تحت مصباح قوي عند الغروب، فتبدو السماء فوقك سوداء ولا أضواء فيها.

أما الصور الملتقطة من محطات الفضاء فتحتاج وقت تعرض أطول لالتقاط ضوء النجوم، كما أن أضواء المحطة تسبب التشويش البصري فلا نرى النجوم في الصور.

ولهذا السبب يتموضع تلسكوب جيمس ويب وغايا في نقطة لاغرانج ٢ حيث لا تأثير لضوء الشمس أو غيره.

المصدر

هنا