ماذا لو اختفى القمر؟

هل نحن بحاجة حقاً إلى القمر في سماء ليلنا؟ ما فائدته الحقيقية؟ إذا حدث واختفى يوماً، هل سيكون لذلك تداعيات على كوكبنا؟
يحافظ القمر على ميل محور دوران الأرض بزاوية ٢٣.٥ درجة ثابتاً. ومن دون القمر، سيتزعزع هذا الثبات، وستتأثر نتيجة لذلك الفصول والمناخ تأثراً كبيراً.

القمر
صورة للقمر من محطة الفضاء الدولية فوق المحيط الأطلسي عام ٢٠١٦. حقوق الصورة: NASA

قد يبدو القمر، أقرب جرم إلى الأرض، شقيقاً صغيراً لها. فمنذ نشأته يدور حول الأرض، وكأنه يلعب معها شد الحبل بجاذبيته، فماذا سيحدث لو اختفى القمر غداً؟

منذ ثلاثة مليارات سنة، كان القمر أقرب إلى الأرض، وقد تغيرت الأشياء جذرياً. وحالياً يقع القمر على مسافة كافية، بحيث كل ما يؤثر به على أرضنا هو تأثير طويل الأمد جداً. وذلك مثل تحقيق ثبات مدارنا خلال آلاف السنوات.

محيطاتنا إذا اختفى القمر

إذا استيقظنا يوماً ما وكان القمر غائباً، فمعظمنا لن يلاحظ. لكن أولئك اللذين يعيشون قرب البحار، سيلاحظون أن حركات المدّ والجزر منخفضة، ومع ذلك ليست مختفية تماماً. فمع أن القمر يؤدي دوراً رئيسياً في جاذبيته لإحداث المدّ والجزر، فإن الشمس لها دور أيضاً. وعلى أية حال، إذا اختفى القمر، سيلاحظ سكان السواحل انخفاض حركات المدّ والجزر إلى النصف مما هي عليه الآن. وبذلك لن تنتهي رياضة ركوب الأمواج تماماً، ولكنها ستصبح مقرفة!

وفي الحقيقة، يعمل المدّ والجزر على تقليب ما في المحيطات، وهذا ما يسمح للأنظمة البيئية فيها بالعيش. أي أن الحيوانات البحرية تعتمد في عيشها على المدّ والجزر. ودون الأنظمة البيئية البحرية قد تتعرض الحيوانات إلى انقراض جماعي.
علاوة على ذلك، تساعد حركات المدّ والجزر على استقرار مناخ الأرض. وذلك لأن تيارات المحيطات توزع الماء الدافئ عبر الكرة الارضية، وبهذا تؤثر على المناخ العالمي. وبدون هذا التأثير قد تكون درجات الحرارة متطرفة.

المد والجزر
تأثير القمر على حركات المدّ والجزر. حقوق الصورة: Astronomy: Roen Kelly

القمر والحيوانات

في حين لن يطال تأثير غياب القمر معظم حياتنا اليومية، إلا أنه سيقلب نمط حياة الحيوانات النشطة ليلاً رأساً على عقب. فمثلاً حشرات العث الشبيهة بالفراشات، قد طورت حركتها خلال ملايين السنين لتكون ليلاً في ضوء القمر والنجوم. وأيضاً، تستخدم السلاحف البحرية التي تفقس حديثاً ضوء القمر لكي تتوجه إلى المحيط. ويذكر أن أضواء الإنارة الليلية البشرية تجعلها تضل طريقها. أضف إلى ذلك أن الحيوانات المفترسة تعتمد على الظلمة والقليل من ضوء القمر. وفي غياب ضوء القمر كلياً، ستنجو الفرائس دون أن تتمكن مفترساتها من رصدها. وهذا بدوره سيكون له تأثيرات جذرية على النظام البيئي، وفي النهاية، سيقود إلى انقراض بعض الحيوانات المفترسة.

الكرة الأرضية بلا قمر

سيؤثر اختفاء القمر أيضاً على حركة الأرض حول محورها. فجاذبية القمر حالياً تزيد مدة اليوم ما يقارب ٢ ميللي ثانية كل قرن. وحتى لو توقفت هذه الزيادة غداً، فلن يكون ذلك ملحوظاً بالنسبة لمقاييس الزمن. ولكن، لو أن القمر اختفى منذ مليارات السنين، لكان دوراننا اليوم مختلفاً كلياً.
ففي بداياتها كانت الأرض تدور دورة خلال ٤ ساعات! وقد أبطأها القمر بتأنٍ وثبات إلى أن وصلت إلى ٢٤ ساعة كما نعرفها اليوم. ولولا وجود القمر لكنا مازلنا ندور بتلك السرعة، ويومنا مدته ٤ ساعات!

الفصول والقمر

يحافظ القمر أيضاً على ميل محور دوران الأرض بمقدار ٢٣.٥ درجة. ولولا ذلك لتأثرت الفصول والمناخ تأثراً شديداً.

فكل شيء تعرفه عن الفصول عندها سيكون خارجاً عن المألوف. ذلك أن بعض مناطق الكوكب بالكاد سترى ضوء الشمس، بينما ستبقى الشمس فوق مناطق أخرى شهوراً بلا انقطاع.
إن عدم ثبات ميلان الأرض يعني بأن هذا الميل قد يختلف بدرجة كبيرة. فمن المحتمل أن لا يحدث ميلان أبداً، وهذا يعني عدم وجود فصول كما أشرنا. وقد يكون ميلاناً شديداً، وهذا يعني طقساً متطرفاً، ولربما عصراً جليدياً!
وذلك التغير في ميلان الأرض سيحدث بالتدريج. وبذلك، لن نلاحظه مباشرةً، وقد لا نلاحظه أبداً. ولكن فيما يتعلق بالحيوانات التي اعتادت خلال ملايين السنين أن تزامن نشاطها مع الفصول، فسيكون تكيفها صعباً، وذلك حتى على المدى الطويل.

القمر متحفنا

إن فقدان القمر يعني أيضاً فقدان معلومات غزيرة عن بدايات الأرض. فبسبب النشاط التكتوني على الأرض، لا توجد صخور قديمة بالفعل. ولكن القمر غير النشط جيولوجياً يعد خزاناً للمعلومات، سواء عن حال الأرض أو النظام الشمسي منذ مليارات السنين.

فمثلاً يخبرنا عدد الفوهات الصدمية على القمر بوجود فترة اصطدام غزيرة بالكويكبات، منذ ما بين ٤.١ إلى ٣.٨ مليار عام. علاوة على ذلك، ساعدنا التحليل الكيميائي لصخور القمر بأن نعرف عن كمية الماء الموجودة على كوكبنا والتي جاءت مع الكويكبات والمذنبات. إذاً فالقمر يعد سجلاً مهماً لفهم ما حدث، وذلك لأن الأرض والقمر قد تشكلتا معاً، وبذلك فتاريخ القمر هو تاريخ الأرض.

ملخص المقال

وجود القمر له فوائد للأرض، واختفاؤه سيذهب بهذه الفوائد. فالقمر يسبب بجاذبيته حركات المدّ والجزر، وبدونها سيتأثر النظام البيئي البحري وتنقرض بعض الحيوانات، وسيتغير المناخ العالمي. بالإضافة إلى ذلك، ستتأثر بعض الحيوانات التي تنشط في الليل وقد تنقرض. كما أن اختفاء القمر سيؤثر على زمن دوران الأرض حول نفسها، وبالتالي على عدد ساعات اليوم، ولكن ذلك على المدى البعيد. علاوة على ذلك، لن يكون ميلان محور دوران الأرض ثابتاً، ولذلك قد تختفي الفصول. ولعل التأثير الأهم، هو أن القمر يعد سجلاً مهماً لفهم ما حدث على الأرض، وذلك لأن الأرض والقمر قد تشكلتا معاً، وبذلك فتاريخ القمر هو تاريخ الأرض، واختفاؤه يمحي ذلك الخزان التاريخي المهم.