ماذا لو سقطت في ثقب أسود؟

إن الثقوب السوداء من دون شك أغرب الأماكن في الكون. فلها كتلة هائلة جداً تشوه الزمان والمكان. كما أنها كثيفة جداً إلى درجة إطلاق اسم «نقطة في اللانهاية» على مراكزها. وهي شديدة السواد لأن لا شيء يستطيع الإفلات منها حتى الضوء. ومن غير المفاجئ أن يتساءل الناس ماذا يحدث إذا زرت مثل هذه الثقوب وسقطت فيها؟
بالطبع ليست أماكن استجمام وراحة كما يتضح!
لك أن تتخيل أنك إذا دخلت في ثقب أسود، فأكثر ما سيشبهه جسدك هو معجون الأسنان وهو يخرج من أنبوبته! وذلك على حد قول تشارلز ليو عالم الفيزياء الفلكية في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي.

الثقب الأسود
محاكاة لثقب أسود أمام سحابة ماجلان الكبرى. حقوق الصورة: Alain R.

ماذا يحدث عند عبور الثقب الأسود؟

عندما يعبر جسم ما «أفق حدث» الثقب الأسود. أي عندما يعبر حدوده الخارجية، أو نقطة اللاعودة. فإن ذات الفيزياء التي تُحدث حركات المد والجزر على الأرض تبدأ تأثيرها. فلأن قوة الجاذبية تضعف بازدياد المسافة. يطبق القمر سحباً ثقالياً أقوى قليلاً على الجزء القريب منه من الأرض، مقارنة مع الجزء البعيد. ونتيجة لذلك تتطاول الأرض بدرجة طفيفية في اتجاه القمر. ولأن الأرض صلبة، لا تتحرك كثيراً. بينما الماء على سطح الأرض سائل، لذلك يجري على طول محور الاستطالة. وهذا ما يدعى تأثير المد والجزر.

سقوط إنسان في ثقب أسود

إن ارتفاع المد والجزر لربما يكون مشهداً مريحاً، ولكن عندما تجتاز قدم إنسان حدود الثقب الأسود، فلن يكون ذلك المشهد جميلاً!
تكون قوى الشد والجذب قرب ثقب أسود بحجم الأرض تقريباً مضاعفة بدرجة هائلة. وعندما يبتلعك أحد هذه الثقوب، سيتعرض رأسك لقوى شد ثقالي أكبر بكثير مما تتعرض له رؤوس أصابع أقدامك، أي أنك ستتطاول شيئاً فشيئاً! وهذا ما أطلق عليه الفيزيائي الفلكي البريطاني السير مارتن ريز اسم «التطاول مثل المعكرونة». وهذا يصف الأمر بدقة. حيث يصبح جسدك تياراً من الجسيمات دون الذرية التي تدور في الثقب الأسود.
ولأن دماغك سيتفكك إلى ذراته المكونة له مباشرة تقريباً. فستكون لديك فرصة ضئيلة لتتمتع بالمشهد عند عتبة ثقب أسود بحجم الأرض.

أفق حدث الثقب الأسود

هل الأمر مختلف في الثقوب السوداء الكبيرة؟

على أي حال، إذا كنت عازماً على زيارة نقطة تفرد الزمكان -أي النقطة التي ينحني بها الزمكان انحناءً لانهائياً، وذات كثافة عالية، في قلب الثقب الأسود- فننصحك بأن تبحث عن ثقوب أكبر. وذلك لأن الثقوب السوداء الكبيرة تملك سطوحاً أقل تأثيراً.
فإذا كان لديك ثقب أسود بحجم نظامنا الشمسي، فإن قوى الشد والجذب في أفق حدثه ليست بتلك القوة. وإذا سقطت فيها قد تتمكن من الحفاظ على كمال جسدك!
في هذه الحال ستتمكن من عيش تجربة الإحساس بتأثيرات انحناء الزمكان مباشرة. وهي ما تنبأ به أينشتاين في نظرية النسبية العامة.

ماذا يحدث بالضبط

أولاً ستقترب من سرعة الضوء وأنت تسقط في الثقب الأسود الكبير هذا. وكلما زادت سرعة تحركك عبر الفضاء، تحركت أبطأ عبر الزمان. علاوة على ذلك، أثناء سقوطك سيكون أمامك أشياء سقطت وتعرضت لتمدد زمني أكبر مما تعرضت أنت له. لذلك، إذا كان باستطاعتك النظر إلى الأمام نحو الثقب الأسود، سترى كل شيء سقط بداخله في الماضي. وعندها، حينما تنظر إلى الوراء، سترى كل شيء سيقع في الثقب الأسود خلفك.
في المحصلة، ستتمكن من رؤية تاريخ تلك البقعة من الكون كاملة، بالتزامن، منذ الانفجار العظيم وحتى المستقبل البعيد.

ملخص المقال

الثقوب السوداء أماكن غريبة، كتلتها هائلة وكثيفة جداً وشديدة السواد. وحتى الضوء لا يفلت منها. وعند عبور جسم ما خط أفق الحدث لأي ثقب أسود سيتعرض لقوى شد وجذب. فالإنسان سيتعرض للاستطالة بدخول ثقب أسود بحجم الأرض. ويتحول إلى تيار جسيمات دون ذرية تدور فيه. أما في الثقوب السوداء الضخمة كحجم النظام الشمسي مثلاً، فقد يبقى جسدك. وستقترب سرعة تحركك في الفضاء من سرعة الضوء، وستبطئ حركتك عبر الزمان، وستتمكن رؤية ما سقط في الماضي، وما سيسقط خلفك بنفس الوقت. أي رؤية التاريخ والمستقبل في هذه البقعة.