ماذا يحدث عند اندماج الثقوب السوداء؟
ما الذي يحدث عند اندماج الثقوب السوداء؟ ذلك أحجية يحاول الجميع حلها.
اندماج الثقوب السوداء حدث جميل، ومن بين أعنف الأحداث في الكون. وإليك كيف تبدأ القصة.
بداية اندماج الثقوب
تبدأ القصة بدوران ثقبين أسودين بعيداً عن بعضهما في دوائر طويلة وببطء. قد يكونان قد ولدا بشكل زوج ثنائي من النجوم، وقد يلاقيان بعضهما بصدفة عشوائية في أعماق الفضاء بين النجمي. وفي كلا الحالتين يجب أن يقتربا من بعضهما ليندمجا. وهذا يعني خسارة الكثير من الطاقة المدارية.
والخطوة الأولى في أخذ الطاقة من النظام يكون عبر تفاعل الثقوب السوداء مع بيئاتها. فهي ليست وحيدة، إذ يوجد بالطبع شرائط من الغاز والغبار تطفو في الجوار دوماً. وهناك أحياناً أجسام أكبر، كالكواكب والنجوم. وهذه الأجسام جميعها تتفاعل من خلال الجاذبية مع الثقب الأسود. وأحياناً تسقط في داخله، ولا ترى مجدداً. وأحياناً أخرى تخطئ الدخول فيها، فتنال بعض الزيادة في سرعتها وتأخذ بعض الطاقة من الثقب الأسود.
وحالما يقترب الثقبان الأسودان بما يكفي، تبدأ دورة أخرى. ويثير الثقبان الأسودان الزمكان أثناء دورانهما حول بعضيهما، وهذه الإثارة تطلق الأمواج الثقالية التي ينبعث منهما ما يشبه التموجات في بركة ماء. والأمواج الثقالية ضعيفة جداً. ويبدأ باستنزاف الطاقة، وذلك فقط عندما تقترب الثقوب السوداء إلى بعضها جداً.
مشكلة الفرسخ النهائي
قاد ذلك العلماء إلى لغز يسمى مشكلة الفرسخ النهائي أو البارسيك النهائي. حيث أظهرت عمليات المحاكاة تفاعلات ثقالية مع بيئة الثقوب السوداء يمكنها أن تقرب الثقوب السوداء إلى مسافة تقرب الفرسخ أو البارسيك (٣.٢٦ سنة ضوئية) عن بعضهما البعض، في مقدار زمني مناسب. ولكن ضمن تلك المسافة لا يوجد ما يكفي من الأشياء للإبقاء على إفراغ الطاقة. ومن ناحية أخرى، وعلى نفس المسافة، تكون الأمواج الثقالية ضعيفة جداً، وتحتاج أضعاف عمر الكون لإنجاز المهمة.
وتعد مشكلة الفرسخ النهائي حالياً لغزاً لم يحل في الفيزياء الفضائية. ولكن أياً تكن الآلية التي تحدث، تقترب الثقوب السوداء في النهاية بما يكفي لكي تسحب الأمواج الثقالية الكثير من الطاقة من النظام. وعند هذه النقطة، يكون لدى الثقبين الأسودين ثوانٍ معدودة قبل أن يندمجا.
وعند هذه المسافات القريبة، تبدأ الثقوب السوداء في تشويه بعضها البعض. وهي لا تملك سطوحاً في الحقيقة. فأفق الحدث هو حد غير مرئي يحدد منطقة اللاعودة. ولكن شكل أفق الحدث لا يعتمد فقط على الثقب الأسود نفسه، بل على هندسة الزمكان حوله. إذاً، عندما تبدأ الثقوب السوداء رقصتها المميتة، يتمدد أفق الحدث لكل ثقب ويتطاول نحو الآخر.
ونفهم ما يحدث بعد ذلك عن طريق نمذجات حاسوبية معقدة فحسب، تتبع تطور أفق الحدث لكل منها. وفي الميللي ثانية السابق للتصادم، يطلق كل ثقب أسود تفرعاً دقيقاً، وهو أنبوب دقيق من أفق حدثه، ويطلقه نحو الثقب الآخر. وهذه التفرعات تلتقي وتندمج، مشكلة جسراً بين الثقبين الأسودين، وكأنهما متصلان بحبل سري.
ويتوسع هذا الجسر سريعاً، ويلتصق أفقا الحدث ببعضهما. كما تلتحم فقاعتا صابون ببعضهما. وفي لمح البصر تندمج الثقوب السوداء في واحد.
نقطة التفرد
وما يحدث في الداخل لغز يجهله الجميع. ويعرف مركز الثقب الأسود باسم نقطة التفرد، وهي نقطة لانهائية الكثافة. وعندها ينهار كل ما نعرفه عن الفيزياء. وتظهر عمليات المحاكاة بأن نقاط التفرد تجد بعضها بسرعة، وتدور ببساطة وتندمج، أما ما يحدث بالضبط فذلك غير واضح.
ومايثير الغرابة، أن الثقوب السوداء المندمجة حديثاً لها كتلة أقل من الكتلة المجتمعة لكليهما على سبيل المثال، في عام ٢٠١٦، رصد مرصد لايغو الأمواج الثقالية الناتجة عن اندماج ثقبين أسودين. واكتشف أن ثقباً أسود يعادل ٣٦ كتلة شمسية اندمج مع ثقب بكتلة تعادل ٣٠ كتلة شمسية، فنتج ثقب أسود يزن فقط ٦٣ كتلة شمسية.
فما الذي حدث للكتل الشمسية الثلاثة الناقصة؟ تحولت تلك الكتلة إلى طاقة على شكل أمواج ثقالية. إذ كان لا بد لشيء أن يدفع ثمن خسارة الطاقة كلها، وجاء ذلك من تحول كتلة الثقب الأسود نفسها. ففي كل اندماج ثقب أسود، يتحول تقريباً ٥٪ إلى أمواج ثقالية.
وللمقارنة فإن ذلك يعني ما يشبه تحويل ثلاثة شموس كاملة إلى طاقة صرفة. وعند اندماج الثقوب السوداء تصدر طاقة أعلى من كل نجم في الكون. وكل ذلك يجري في صمت وظلام تامين.
ملخص المقال
اندماج الثقوب السوداء حدث جميل، ومن بين أعنف الأحداث في الكون. وفي البداية يجب أن يقترب الثقبان من بعضيهما ليندمجا. فيثيران ما حولهما وتنطلق الأمواج الثقالية. ويتمدد أفق الحدث لكل منهما ويتطاول نحو الآخر. ليتشكل جسر ويلتصق أفقا الحدث ويندمج الثقبان الأسودان.
وما يحدث في الداخل لغز مجهول. ويعرف مركز الثقب الأسود باسم نقطة التفرد. وتندمج نقاط التفرد هذه. والثقوب السوداء المندمجة ذات كتلة أقل من كتلتيهما مجتمعين. وفرق الكتلة يتحول إلى طاقة.