ماذا يوجد بعد حدود الكون؟

إنه أحد أكثر الأسئلة التي ترهق العقل

مجرات
أعداد لا تحصى من المجرات في الكون. التقطها تلسكوب هابل. حقوق الصورة: NASA/ESA

إنه أحد الأسئلة المثيرة التي يمكن أن تسألها. سؤال تطرحه البشرية منذ الأزل، ألا وهو: ماذا يوجد خارج الحدود المعروفة؟ ما الذي يقع خارج خطوط خرائطنا؟ والسؤال الأساسي: ما الذي يقع خارج حدود كوننا؟ والإجابة بالطبع معقدة.

ما هو الكون؟

للإجابة عن سؤالنا ماذا يوجد خارج حدود الكون، يجب أن نحدد أولاً ماذا نعني بكلمة «كون». فإذا أخذناها بالمعنى الحرفي، بأنها الأشياء كلها التي يمكن أن توجد في الفضاء والزمان. عندها لا يمكن أن يكون أي شيء خارج الكون. وحتى وإن تخيلت بأن الكون له حجم محدد، ومن ثم تخيلت شيئاً يقع خارج ذلك الاتساع، فهذا يعني بأن أي شيء في الخارج لا بد أيضاً أن يكون من ضمن الكون.
حتى وإن كان الكون فراغاً مجهولاً من اللاشيء الذي لا هيئة ولاشكل له. فإنه ما يزال شيئاً، ويضاف إلى قائمة «كل الأشياء». وبذلك، وبالتعريف، يكون هذا جزءاً من الكون.
وإذا كان الكون لا محدود الحجم، فلا حاجة كي تقلق بخصوص هذا اللغز. فلأن الكون هو كل ما هو موجود، فلا نهاية له ولا أطراف. لذلك لا وجود لما يسمى خارج الكون لكي نتحدث عنه.
ولكن بالتأكيد، هناك ما يسمى «خارجه» بالنسبة للبقعة التي يمكننا رصدها من الكون. فالكون مغرق القدم. والضوء ينتقل بسرعة هائلة. إذاً، في تاريخ الكون، لم نتلقَ الضوء من كل مجرة بعينها. والاتساع الحالي للكون المرصود يبلغ نحو ٩٠ مليار سنة ضوئية. ويفترض أن يوجد بعد هذه الحدود مجموعة عشوائية من النجوم والمجرات. ولكن ماذا بعد ذلك؟ من الصعب التكهن بهذا!

الكون المنظور
رسم تخيّلي لكامل الكون المنظور. تمثل الحبيبات الدقيقة على الرسم مجموعات مؤلفة من أعدد كبيرة من العناقيد المجرية الهائلة. وفي الوسط مجرة درب التبانة ولا ترى لصغرها. يبلغ قطره ٩٣ مليار سنة ضوئية.

انحناء الكون

إن علماء الكون غير متيقنين إذا كان الكون كبيراً دون حدود، أو أنه هائل جداً فحسب. ولقياس الكون، ينظر علماء الفلك إلى انحنائه. فالانحناء الهندسي على مقاييس الكون الكبيرة ينبئنا عن شكله الإجمالي. فإذا كان الكون مسطح تماماً من الناحية الهندسية، فعندها يمكن أن يكون لا نهائياً. وإن كان منحنياً، كسطح الأرض، عندها سيكون له حجم محدد.
تشير عمليات الرصد والقياس الحالية لانحناء الكون بأنه مسطح تماماً تقريباً. وقد تعتقد أن هذا يعني أن الكون لا نهائي. ولكن الأمر ليس بتلك البساطة. فحتى في حالة الكون المسطح، ليس من الضروري أن يكون الكون كبيراً دون حدود. فيمكنك أن تفكر على سبيل المثال بسطح اسطوانة، فهي من الناحية الهندسية مسطحة. وذلك لأن الخطوط المتوازية على سطحها تبقى متوازية، ولا تلتقِ (هذا إحدى تعريفات التسطح). ومع كل هذا يبقى للأسطوانة حجم محدد. وذات الشيء قد ينطبق على الكون، فقد يكون مسطحاً تماماً، ومع ذلك منغلقاً على ذاته.
ولكن، حتى لو كان الكون محدوداً، فلا يعني ذلك بالضرورة وجود حافة له، أو وجود ما هو خارجه. إنما قد يعني أن كوننا ثلاثي الأبعاد يقع ضمن بنية أكبر متعددة الأبعاد. وهذا ممكن وبالفعل جزء من نماذج الفيزياء الغريبة. ولكننا حالياً لا نملك طريقة لاختبار ذلك. وهذا لا يؤثر حقيقة على عمليات الكون اليومية.
ولكن مجدداً، وأعرف أن هذا مرهق للذهن، حتى لو كان للكون حجم محدد، فليس بالضرورة أن يكون متضمناً في بنية أكبر!

مسألة منظور

عندما تتخيل الكون، قد تفكر في كرة ضخمة مليئة بالنجوم والمجرات وجميع أنواع الأجرام الفلكية. وقد تتخيل كيف يبدو من الخارج، كما يرى رائد الفضاء الأرض من ضمن مدار خارجها.
ولكن الكون ليس بحاجة إلى هذا المنظور الخارجي ليكون موجوداً. فالكون موجود ببساطة. ومن الممكن رياضياً تعريف كون ثلاثي الأبعاد تعريفاً متجانساً، وذلك دون الحاجة إلى ما هو خارج هذا الكون. فعندما تتخيل الكون كرة تتطفو في اللاشيء، فإنك تخادع عقلك مخادعة لا تتطلبها الرياضيات.
يبدو من المستحيل أن يكون هناك كون محدود لا شيء خارجه. ولا حتى «لا شيء» بمعنى فراغ خالٍ.
وفي الحقيقة، إن سؤالنا: ماذا يقع خارج الكون؟ كسؤالنا: ما الصوت الذي يصدره اللون البنفسجي؟ إنه سؤال غير منطقي، لأنك تحاول الربط بين مفهومين لا صلة بينهما.
قد يكون من الممكن جداً أن يملك الكون بالفعل ما يسمى «الخارج»، ولكن نقول مجدداً بأنه من غير الضروري أن تكون هذه هي حاله. فلا شيء في الرياضيات يصف الكون ويتطلب وجود ما هو خارجه.
وفي النهاية، إذا بدا هذا لك معقداً ومحيراً فلا تقلق. فالهدف الكبير من تطوير رياضيات معقدة هو الحصول على أدوات تمكننا من الوصول إلى مفاهيم تتجاوز قدرتنا على التخيل. وهذه هي إحدى قدرات علم الكون الحديث: يمكننا من دراسة ما لا يمكن تخيله.

ملخص المقال

ما الذي يقع خارج حدود كوننا؟ سؤال أزلي والإجابة بالطبع معقدة. إذا أخذنا الكون بالمعنى الحرفي أي كل الأشياء الموجودة في الفضاء والزمان، فلا شيء خارجه. ولكن بالتأكيد، هناك ما يسمى «خارجه» بالنسبة للبقعة التي يمكننا رصدها من الكون. وللتيقن من ذلك يعتمد العلماء على انحناء الكون. فإذا كان الكون مسطح تماماً من الناحية الهندسية، فعندها يمكن أن يكون لا نهائياً. وإن كان منحنياً، كسطح الأرض، عندها سيكون له حجم محدد. ولكن الكون المسطح يمكن أن يكون محدوداً، كما سطح الأسطوانة. وحتى وإن كان الكون محدوداً، ليس من الضروري أن توجد حافة له أو أن يوجد ما هو خارجه. وقد يكون كوننا ثلاثي الأبعاد متضمنا في بنية أكبر متعددة الأبعاد. ويذكر أنه في الرياضيات لا شيء يصف الكون ويتطلب وجود ما هو خارجه. وفي الحقيقة، إن سؤالنا: ماذا يقع خارج الكون؟ كسؤالنا: ما الصوت الذي يصدره اللون البنفسجي؟ إنه سؤال غير منطقي، لأنك تحاول الربط بين مفهومين لا صلة بينهما. ولعل الرياضيات التي تتطور وعلم الكون الحديث سيساعداننا في دراسة ما لا يمكن تخيله.