ما الذي يجعل الكواكب قابلة للحياة؟ هل افتراضاتنا مغلوطة

لو عثرنا على كوكب بحجم الأرض يدور حول نجم خارج المنطقة القابلة للحياة، فلا يجب أن نشطبه من قائمة الكواكب القابلة للحياة بعد. ويبقى السؤال: ما الذي يجعل الكواكب قابلة للحياة؟

ما الذي يجعل الكواكب قابلة للحياة
تصور فني لكوكب خارجي يحتمل أنه قابل للحياة وهو الكوكب بروكسيما B، وهو يدور حول نجم قزم أحمر وهو بروكسيما سنتوري. حقوق الصورة: ESO/M. Kornmesser

هل تذكرون هوث، ذلك الكوكب المغطى بالجليد من فيلم «حرب النجوم الجزء الخامس: الامبراطورية تعيد الضربات»؟ فمع أن بعض الكائنات قد شقت طريق حياتها في ذلك الكوكب المتجمد، إلا أنه مكان بائس للعيش. ويعد عموماً غير قابل للحياة لأن محتوى مائه تجمد كله.

وأثناء بحثنا واكتشافنا آلاف الكواكب الدائرة حول نجومها، وخاصة عندما نضيق نطاق البحث عن كواكب شبيهة بالأرض، قد يراودنا السؤال: ما مدى شيوع هذه الكواكب المغطاة بالجليد؟ وهل تكون قابلة للحياة؟

محاكاة جديدة

وستكون الإجابة كما جرت العادة: الأمر نسبي. إن كمية الماء على الكوكب تؤثر تأثيراً كبيراً على مدى سهولة تحوله إلى كرة متجمدة وفق محاكاة حاسوبية جديدة. فكوكب الأرض على سبيل المثال لا يحتاج إلا إلى انخفاض قدره ٨٪ في ضوء الشمس حتى يتجمد. ولكن الكواكب الأكثر جفافاً أكثر مقاومة، وتتجاوز احتمالات قابليتها للحياة حدودنا الحالية، وتوسع خيارات إيجاد حياة على كوكب آخر.

ولا فكرة لدينا عن مدى شيوع الكواكب الشبيهة بالأرض، وخصوصاً التي تحوي نسبة مياه مشابهة لما على الأرض. فهل نسبة ٧٠٪ أقل شيوعاً أو أكثر شيوعاً؟ وما مدى تفرد كوكبنا؟ يجب أن ننتظر بضعة عقود أخرى، وأن نقوم بمسوح أكثر عن الكواكب الخارحية، وذلك للحصول على إجابات راسخة عن الأمر. أما الآن لا يسعنا إلا استخدام المحاكاة الحاسوبية لاستكشاف أنماط سلوك الكواكب المختلفة وتطورها في أنظمتها الأم.

ولكن الكواكب معقدة، ودرجة حراراتها تعتمد على عدة عوامل. وأوضح هذه العوامل كمية الضوء التي يتلقاها الكوكب. ولكن هناك انعكاسية الكوكب أيضاً. فالأشعة التي ترتد عن سطح الكوكب وتعود إلى الفضاء لا تسهم في رفع حرارته. ومثلها كمية الرطوبة في الغلاف الجوي التي يمكنها أن ترفع حرارة الكوكب بدرجة كبيرة.

ولنأخذ على سبيل المثال الكواكب التي تسود عليها اليابسة التي تمتلك القليل من الماء السائل على سطحها. فلو أخذت كوكباً تسود فيه اليابسة وبنفس حجم الأرض تماماً، ووضعته مكان الأرض في مدارها حول الشمس، فسيكون أبرد من كوكبنا. والسبب أن كمية الماء أقل بكثير، ما يعني كمية بخار ماء أقل في الغلاف الجوي. وهذا يعني أن القدرة على حدوث الاحتباس الحراري ضعيفة.

ومن ناحية أخرى، لو كانت مستويات أشعة الشمس أقل، سيكون الكوكب الذي تسود عليه اليابسة أعلى حرارة. وذلك لأن غيومه وأمطاره وثلوجه ستكون أقل. حيث سيجعل كل ذلك من الكوكب أقل انعكاسية وسيلتقط ضوء الشمس كله ليحافظ على حرارته أعلى.

من الأرض إلى هوث

طبق فريق من الباحثين هذه الفكرة أخذين بها إلى أقصى الحدود. حيث درسوا تطور كواكب تسود عليها اليابسة مع تغييرهم كمية ضوء الشمس الني تتلقاها هذه الكواكب. وقد وجدوا ما لم يكن مدهشاً جداً، ألا وهو أنك إذا بردت الكوكب كثيراً يتجمد. ولكنهم وجدوا شيئاً آخر وهو أن هذه الكواكب فاقت نظيرتها الشبيهة بالأرض والمائية في قدرتها على الاستمرار، ونشرت الورقة على قاعدة arXiv.

المشكلة هي الماء: فعندما يبرد الكوكب قليلاً، يتحول بعض مائه إلى جليد. ولأن الجليد أكثر لمعاناً من الماء، فإن هذا الجليد القليل يعكس المزيد من أشعة الشمس، ما يمنعها من استمرارها بتدفئة الكوكب. فيتبرد الكوكب أكثر بقليل. ويعني تشكل جليد أكثر وزيادة في الانعكاسية أكثر. ومع إعادة العملية ستنتهي بمعاكس لتأثير دفيئة جامح وهو تجلد جامح. ويعني هذا في جوهره تحويل الكوكب لنفسه إلى كرة ثلجية ضخمة.

وقد أظهر بحث سابق عن الأرض أنه إذا انخفض ضوء الشمس الذي نتلقاه ٨٪، مع بقاء مستوى ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فهو كافٍ لإطلاق هذه الدورة الكارثية. وفي الواقع ظاهرة الكرة الأرضية الثلجية قد حدثت مرة أو مرتين في تاريخ كوكبنا الجيولوجي.

لكن الكواكب التي تسود فيها اليابسة يمكنها تجنب هذا السيناريو لمدة أطول من الكواكب المائية، وذلك لأنها ببساطة تحوي ماءً أقل لتغطية أماكن واسعة من سطوحها. إن كواكب تسود فيها اليابسة مع كمية ثاني أوكسيد الكربون ذاتها يمكن أن تستمر بوجود نجم إضاءته تبلغ ٧٧٪ فقط من إضاءة الشمس دون أن يتجمد الكوكب بكامله، وفق ما أوجده الباحثون في محاكاتهم.

الحدود النهائية لقابلية الحياة

يجري هذا المنطق بالاتجاه المعاكس أيضاً. إذ أن بخار الماء غاز أساسي لتأثير الدفيئة. فإذا رفعت حرارة الشمس، فسيحول كوكب مثل الأرض نفسه إلى مايشبه الزهرة. حيث سترتفع حرارته، ليبخر المزيد من الماء في الجو. الذي سيحجز بدوره المزيد من الحرارة، وهذا بدوره سيطلق المزيد من الماء في الجو، وهكذا دواليك. ويستمر هذا حتى حدوث تأثير دفيئة جامح. وسيحدث هذا لكوكبنا بعد عدة ملايين من السنين، وذلك عندما يزيد ضوء الشمس وينطلق هذا السيناريو الكارثي.

ولكون الكواكب التي تسود فيها اليابسة تنقصها كميات كبيرة من الرطوبة، فسيكون بخار الماء قليلاً دوماً في أغلفتها الجوية. فلا تؤثر الحرارة عندما ترتفع. وبالفعل هذا ما أظهرته عمليات المحاكاة، فإذا وضعت كوكبنا تسود فيه اليابسة حول شمس تعطي حرارة أكثر بمقدار ٨٠٪ مما تعطيه شمسنا، فسيبقى الكوكب على ما يرام.

وهذه النتيجة تغير افتراضاتنا عما يجعل الكوكب قابلاً للحياة بدرجة كبيرة. فالمنطقة القابلة للحياة حول النجم هي المنطقة المقدرة التي يوجد فيها الماء السائل على سطح الكوكب. أي أن جوه ليس بارداً جداً ليجمد الماء، ولا حاراً جداً ليبخره. ولكن التقديرات السابقة هذه للمنطقة القابلة للحياة تفترض تركيبات شبيهة بتركيبة الأرض، وبذات كمية الماء على سطحها كما الأرض.

أن الكواكب التي تسود فيها اليابسة أكثر قدرة على الاستمرار مقارنة بالأرض. إذ أنها تبقي على الماء السائل أقرب إلى نجومها أو أبعد عنها مما تفترضه قياسات المنطقة القابلة للحياة التقليدية. وهذا يعني أننا إذا وجدنا كوكباً بحجم الأرض ويقع خارج المنطقة القابلة للحياة -وفق حساباتنا التقليدية- فلا يجب أن نشطبه من قائمة الكواكب القابلة للحياة الآن!

ملخص المقال

ما الذي يجعل الكواكب قابلة للحياة؟ يبدو أن افتراضاتنا مغلوطة حول مفهوم المنطقة القابلة للحياة حول نجم ما. وتفترض أن يكون الكوكب شبيهاً بحجم الأرض وبكمية الماء عليها.

لكن تقول عمليات محاكاة جديدة أنه إذا وجدنا كوكباً بحجم الأرض ويقع خارج المنطقة القابلة للحياة -وفق حساباتنا التقليدية- فلا يجب أن نشطبه من قائمة الكواكب القابلة للحياة الآن.

فإذا وجد كوكب تسود فيه اليابسة حول شمس تعطي حرارة أكثر بمقدار ٨٠٪ مما تعطيه شمسنا، فسيبقى الكوكب على ما يرام. والأمر كله يعود إلى كمية الماء على الكوكب.

المصدر

هنا