ما المحتمل وجوده في مركز الثقب الأسود؟

جميع الاحتمالات غريبة جداً.

الثقب الأسود
تصور فني للثقب الأسود. حقوق الصورة: Shutterstock

إن نقطة التفرد في وسط الثقب الأسود منطقة نهائية تنضغط فيها المادة إلى نقطة لا متناهية الصغر. وجميع المفاهيم المتعلقة بالزمان والمكان تنتهي عندها. وهذه النقطة مجرد افتراض في الواقع، وقد يوجد أشياء غيرها، ولكننا لسنا على يقين ما يكون. فما المحتمل وجوده في مركز الثقب الأسود إذاً؟ لنكتشف بعض الاحتمالات.

نجوم بلانك

ربما لا تنضغط المادة في هذا العمق داخل الثقب الأسود إلى نقطة لا متناهية الصغر. بل قد يكون هناك وضع آخر للمادة بأصغر حجم ممكن، يسمى هذا الاحتمال نجم بلانك. وهو احتمال نظري تصورته نظرية الجاذبية الكمية الحلقية أو العروية. والتي هي بدورها طرح نظري محض يهدف لتكوين صيغة كمية للجاذبية.

وفي عالم  نظرية الجاذبية الكمية الحلقية يكون المكان والزمان كميان. وهذا يعني أن العالم من حولنا يتكون من أجزاء متفردة أو متقطعة، ولكن على هذا المقياس فائق الصغر تبدو حركاتنا متصلة ومستمرة.

ويقدم هذا التقطع النظري للزمكان فائدتين اثنتين ألا وهما: أولاً، يوصل حلم ميكانيك الكم إلى غايته النهائية، أي شرحه للجاذبية بطريقة طبيعية. وثانياً، يجعل فكرة تشكل نقاط التفرد داخل الثقوب السوداء مستحيلة.

عندما تنسحق المادة تحت الوزن الثقالي الهائل لنجم ينهار تلاقي مقاومة. ولكن تقطع الزمكان يمنع المادة من الوصول إلى أقل من طول بلانك، (ويعادل ١.٦٨ × ١٠ مرفوعة للقوة -٣٥ متراً).

وبناء على هذا، تنضغط كل المادة التي تسقط داخل الثقب الأسود إلى كرة لا تزيد أبعادها عن هذا القياس. أي أنها مجهرية بحجمها، لكنها بالتأكيد ليست صغيرة إلى ما لا نهاية.

وهذه الممانعة للانضغاط المستمر تجبر المادة في النهاية على الانفلات أي الانفجار، مما يجعل الثقوب السوداء أجساماً مؤقتة فحسب.

ولكن بسبب تأثيرات تمدد الزمن الشديدة حول الثقب الأسود، فإن الأمر من منظورنا في العالم الخارجي يستغرق مليارات بل تريليونات السنين قبل أن ينفجر.

الغرافاستار

وهو نوع من النجوم المفترضة البديلة للطرح الذي يقول بوجود نقاط التفرد، ولا يعتمد على نظرية الجاذبية الكمية. والفرق بينه وبين الثقب الأسود، هو أن الغرافستار يكون مملوءاً بالطاقة المظلمة بدلاً من وجود نقطة تفرد كما في الثقب الأسود.

والطاقة المظلمة هي المادة التي تتخلل الزمكان، مسببة تمدده نحو الخارج. ومع أن الطاقة المظلمة تبدو من الخيال العلمي، إلا أنها حقيقية، وهي تعمل في كوننا وتسرع توسعه.

وهنا، عندما تسقط المادة في الغرافاستار لا يمكنها أن تخترق أفق الحدث، وذلك بسبب الطاقة المظلمة الموجودة داخله، فتبقى على السطح. وخارج ذلك السطح يبدو الغرافاستار ويسلك كما الثقب الأسود الذي نعرفه.

وللعلم فإن أفق حدث الثقب الأسود هو نقطة اللاعودة فيه، أي الحد الذي لا يمكن لشيء تجاوزه أن يفلت منه حتى الضوء.

وبمطلق الأحوال، فإن عمليات الرصد الأخيرة لاندماج الثقوب السوداء التي تقوم بها كواشف الأمواج الثقالية قد استبعدت تقريباً وجود الغرافاستار. وذلك لأن اندماج نجوم الغرافاستار ستعطي إشارة مختلفة عما يعطيه اندماج الثقوب السوداء. إذ تحصل تجهيزات مثل مرصد لايغو ومرصد فيرغو على أمثلة كثيرة كل يوم. ومع أن الغرافاستار ليست مستحيلة الوجود في كوننا، إلا أن احتمال ذلك ضئيل جداً.

 

الثقوب السوداء الدوّارة

قد تكون نجوم بلانك والغرافاستار من حيث أسمائها جميلة التسمية، ولكن حقيقة وجودها موضع شك. لذا قد يكون هناك تفسير أكثر بساطة لنقاط التفرد يعتمد على نظرة أكثر دقة وواقعية للثقوب السوداء في كوننا.

ففكرة وجود نقطة مفردة ذات كثافة لا نهائية تأتي من مفهومنا التقليدي عن ثقب أسود ثابت لا يدور وغير مشحون.

يؤدي التفاف ثقب أسود دوار إلى تمدد نقطة التفرد لتصبح حلقة، ووفقاً لرياضيات نظرية النسبية العامة لأنشتاين -وهي الرياضيات الوحيدة بين أيدينا- فإنك بمجرد المرور من حلقة التفرد هذه، تدخل ثقباً دودياً وتندفع خارجاً من ثقب أبيض إلى مكان مختلف تماماً من الكون.

والثقب الأبيض هو النظير المعاكس للثقب الأسود، ولا يستطيع شيء الدخول فيه، بل إن المادة تندفع منه بسرعة الضوء!

وإحدى المشكلات أن الأجزاء الداخلية للثقوب السوداء الدوارة غير مستقرة إطلاقاً، وهذا بالطبع وفق الرياضيات ذاتها التي تتنبأ بالسفر إلى عالم جديد تماماً.

وتكمن المشكلة بالطبع بدوران الثقوب السوداء ذاتها. فعندما تتمدد نقطة التفرد نتيجة هذا الدوران لتصبح حلقة، فإن هذه الحلقة تدور أيضاً بسرعة كبيرة فيكون لها قوة طرد مركزي هائلة.

وقوة الطرد المركزي القوية بما يكفي في النسبية العامة تعمل مثل الجاذبية المضادة، أيها أنها تدفع الأشياء ولا تجذبها.

وهذا يكوّن بدوره حداً داخل الثقب الأسود يسمى الأفق الداخلي، وعندما يسقط الإشعاع من خارج هذه المنطقة للداخل نحو حلقة التفرد تدفعه قوة الشد الثقالي بقوة، ولكن الجاذبية المضادة قرب حلقة التفرد تدفع هذا الإشعاع بقوة الطرد المركزي. عند هذا الحد الداخلي تكمن نقطة التحول.

فإذا قدر لك أن تواجه الأفق الداخلي، فقد ترى جداراً إشعاعياً طاقياً غير محدود، وترى بذلك تاريخ الكون كله أمامك في لمحة عين.

ومع أن الأفق الداخلي للثقب الأسود هو الأساس الذي يؤدي إلى دماره، إلا أن وجود الثقوب السوداء الدوارة في كوننا أمر مؤكد، ما يشير إلى خطأ في حساباتنا وأن شيئاً غريباً يحدث.

فما الذي يحدث حقاً داخل الثقوب السوداء؟

الإجابة بصراحة أننا لا نعرف، وما يخيف أكثر من ذلك أننا قد لا نعرف أبداً.

ملخص المقال

هل يوجد نقطة تفرد حقاً في مركز الثقب الأسود، أم غير ذلك؟ ما المحتمل وجوده في مركز الثقب الأسود؟
من بين الاحتمالات نجم بلانك، وفي هذا الطرح النظري لا تنضغط المادة إلى أبعاد أصغر من مقياس بلانك، وتحدث ممانعة للانضغاط تؤدي إلى انفجار الثقب الأسود في النهاية، وهذا من منظورنا يستغرق مليارات السنوات نتيجة تمدد الزمن حول الثقب الأسود.

أما الطرح الآخر فهو الغرافاستار، ويختلف عن الثقب الأسود أنه مملوء بالطاقة المظلمة. وتمنع هذه الطاقة دخول أي شيء إليه. ورغم أن المراصد العلمية لم تؤكد وجوده، إلا أن هناك احتمال ضئيل لذلك.

أما عن الثقوب السوداء الدوارة، فإن دورانها يؤدي إلى تمدد نقطة التفرد لتصبح حلقة، وينتج عن ذلك قوة طرد مركزي تدفع الأشياء عنها. وهذا يتناقض مع إمكانية السفر عبرها إلى أكوان أخرى رياضياً.

وفي النهاية، لا نعرف ما يجري داخل الثقوب السوداء، وقد لا نعرف أبداً.

المصدر

هنا