من يملك القمر؟

رائد الفضاء التابع لناسا باز ألدرين يقف على سطح القمر خلال مهمة أبولو ١١ عام ١٩٦٩. حقوق الصورة: NASA
رائد الفضاء التابع لناسا باز ألدرين يقف على سطح القمر خلال مهمة أبولو ١١ عام ١٩٦٩. حقوق الصورة: NASA

على الأرجح هذه أفضل صورة معروفة التقطت لعلم. يقف فيها ألدرين بجانب أول علم أمريكي يغرس على سطح القمر.

ولمن يعرفون التاريخ، لعل هذا يذكرهم بشيء. فمنذ أقل من قرن من الزمان، كان غرس علم في أي جزء من العالم يعني تبعية المكان لدولة أم تملك العلم. فهل العلم الأمريكي على القمر يشير إلى قيام مستعمرة أمريكية عليه؟

ولربما من يعمل في مجال قانون الفضاء، يتكرر عليه سماع السؤال الآتي فيقابله بابتسامة: من يملك القمر؟

السيادة على مكان ما

بالطبع كان ادعاء ملكية مكان ما عادة أوربية تطبقها على باقي أرجاء العالم. وكانت الفكرة القانونية هي أن زراعة علم في أرض ما كافية لبسط السلطة والسيطرة عليها. وقد أصبح ذلك مقبولاً وجزءاً لا يتجزأ من قانون الأمم.

وبالطبع كان لدى رواد الفضاء ما يملأ أذهانهم ويشغلها عن التفكير في التبعات القانونية ومعنى غرس العلم.

ولكن لحسن الحظ عُني بالقصة قبل المهمة.
فمنذ بداية السباق إلى الفضاء علمت الولايات المتحدة أن مشهد علمها على القمر سيثير العديد من القضايا السياسية لدى الكثيرين حول العالم.

وأي زعم يشير إلى أن القمر قانونياً تابع لأمريكا سيصب الزيت على النار، لا بل قد يثير نزاعات دولية تضر ببرنامج الفضاء الأمريكي ومصالح الدولة.

هل القمر أرض أمريكية؟

لعل انتهاء عصر الاستعمار بحلول عام ١٩٦٩ أزال فكرة تخلف المناطق غير الأوربية حتى وإن كانت مأهولة، وأزال هذا المسوغ لإخضاعها لسلطة دولة أوربية. ولكن لم يكن هناك سكان على القمر، ولا حتى الحياة نفسها ممكنة عليه.

مع هذا، فإن الإجابة المختصرة للسؤال إن كان آرمسترونغ وألدرين قد حولا القمر، أو جزءاً منه على الأقل، تابعاً للأراضي الأمريكية بتلك الحركة الصغيرة، فهو لا. فلا هم ولا ناسا ولا الحكومة قد قامت بتلك الحركة بنية إحداث ذلك الأثر.

المعاهدة الأولى حول الفضاء الخارجي

تلك الإجابة قد حفلت بها معاهدة الفضاء الخارجي عام ١٩٦٧. وهي التي كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وغيرها من الأمم التي تسافر إلى الفضاء أطرافاً فيها.

توافقت القوتان العظمتان أن الاستعمار على الأرض كان سبب معاناة إنسانية هائلة، والمحرك للكثير من الصراعات المسلحة في القرن المنصرم. وقررتا أن لا تعيدا خطأ أوربا فيما يخص الحالة القانونية للقمر. أقلها عملية وضع اليد على أرض في القمر، مما قد يفتح الباب أمام حروب عالمية، ولذلك يجب تجنبها.

ومن خلال هذا عد القمر ملكاً عاماً للأرض، ويسمح قانونياً لكل الدول بالوصول إليه. وذلك قبل عامين من أول هبوط فعلي بطاقم بشري على القمر.

لذلك لم يكن العلم الأمريكي علامة سيادة على القمر، بل رمزاً تكريمياً للشعب والمهندسين الذين جعلوا مهمة آرمسترونغ وألدرين وكولنز ممكنة.

والعبارة الشهيرة لنيل آرمسترونغ «خطوة صغيرة للبشرية» لم تكن «قفزة كبيرة» لأمريكا بل «للبشرية جمعاء». وقد شاركت أمريكا عينات القمر مع العالم سواء فعلياً أو بالسماح للعلماء من الوصول إلى  التحليل العلمي والمناقشات عنها.

وبهذا لا حاجة لمحامين في شؤون الفضاء، ولا حاجة لكثير من النقاش في القانون القمري!

هل يوجد محامون في شؤون الفضاء؟

في حين أن الحالة القانونية للقمر بأنه ملك عالمي يمكن لكل الدول الوصول إليه للمهمات السلمية لم تلقَ أية ممانعة أو معارضة، فقد تركت معاهدة الفضاء الخارجي أموراً عالقة.

وخلافاً للآمال في تلك الفترة، لم يعد الإنسان إلى القمر منذ عام ١٩٧٢، لتبقى حقوق الأرض القمرية نظرية بدرجة كبيرة.

وبقي الحال هكذا حتى سنوات قليلة مضت عندما ظهرت عدة خطط لللعودة إلى القمر. بالإضافة إلى شركتين أمريكيتين، وهما بلانيتري ريسورسز وديب سبيس إندستريز، اللتان لديهما دعم مالي حقيقي. وبدأتا استهداف الكويكبات بهدف تعدين مواردها المعدنية.

فوفق بنود معاهدة الفضاء الخارجي، يقع القمر وغيره من الأجرام السماوية في خانة واحدة قانونياً. ولا يمكن لأي منها أن يكون منطقة تابعة لدولة ما.

ولكن هذا الحظر الذي تحمله المعاهدة على تبعية منطقة بزراعة علم، أغفل تناول الاستغلال التجاري للموارد الطبيعية على القمر وغيره من الأجرام. والأمر مثار جدل كبير الآن ولا إجابة قاطعة له.

هل تريد التعدين من كويكب؟

وافقت الولايات المتحدة ولوكسيمبورغ أن القمر والكويكبات ملكية عالمية. وذلك يعني أن كل بلد تسمح لرواد أعمالها في القطاع الخاص، طالما يكون نشاطهم حسب الأصول المرخصة لهم بما يتوافق مع القواعد ذات الصلة بقانون الفضاء، بأن يسافروا إليها وأن يستخرجوا ما يستطيعون، وأن يحاولوا جني المال من ذلك.
وهذا مشابه قليلاً لقانون أعالي البحار. فهو ليس ملك لدولة بعينها، بل مسموح حسب الأصول المرخص بها بعمليات الصيد لأي شركة أو مواطن من أي بلد. وحالما يصبح السمك لديهم يصبح ملكهم.
أما دول كروسيا، والبرازيل وبلجيكا على نحو أقل وضوحاً، تقول بأن القمر والكويكبات ملك للبشرية جمعاء. لذا فأي فوائد محتملة منها حق شرعي للبشرية جمعاء. أو أن يقام نظام معني وقوي يضمن الفوائد للبشرية كلها. وذلك على غرار النظام الذي أقيم للحصول على الموارد المعدنية من قاع البحار ومشاركة الفوائد عموماً بين كل الدول.
وفي سباق الدول للعودة إلى القمر، وأفكار المشاريع الاستثمارية فيه، لا بد من التوصل إلى اتفاق. فإن كانت المسألة ليست مسألة استعمار بعد اليوم، فمن الممكن أن يكون لها ذات النتائج المدمرة.

ملخص المقال

ربما من يعمل في مجال قانون الفضاء، يتكرر عليه سماع السؤال الآتي فيقابله بابتسامة: من يملك القمر؟
والإجابة أن غرس العلم على القمر لا يعني تبعية القمر لأي دولة، فعصر الاستعمار انتهى.

ففي معاهدة الفضاء الخارجي عام ١٩٦٧، توافقت أمريكا والاتحاد السوفييتي وغيرها من الدول التي تتسابق نحو الفضاء أن القمر ملك للبشرية جمعاء. ويسمح قانونياً لكل الدول بالوصول إليه.

وقد شاركت أمريكا عينات القمر مع العالم سواء فعلياً أو بالسماح للعلماء من الوصول إلى  التحليل العلمي والمناقشات عنها.

ولكن المعاهدة أغفلت الاستثمار التجاري لموارد القمر وغيره من الأجرام، والتي هي محط أنظار شركات خاصة اليوم. ويبقى الموضوع سؤالاً مفتوحاً يحتاج إلى حل.

المصدر

هنا