هل تتحرك الشمس في النظام الشمسي؟
علمونا منذ صغرنا أن الكواكب في مجموعتنا الشمسية تغير موضعها أثناء دورانها حول نجم في المنتصف، ألا وهو الشمس. ولكن هل تتحرك الشمس نفسها ضمن النظام الشمسي؟
يمكننا أن نقول بأن الشمس عموماُ ليست ثابتة من الناحية الكونية. فنعلم على سبيل المثال أن شمسنا تدور حول مركز مجرتنا بسرعات هائلة تبلغ ٧٢٠ ألف كم في الساعة، وتسحب النظام الشمسي كله معها.
وتبدو الشمس خلال النهار بأنها تتحرك من وجهة نظرنا أيضاً. إذ تعبر عبر السماء فوقنا. مانحة لنا شروقاً وغروباً جميلين. وهذه الحركة عملياً هي نتيجة دوران الأرض حول نفسها، وليس عن حركة الشمس.
وإذا نظرنا أبعد من ذلك، نجد أن مواضع الشمس في السماء تتغير خلال العام مع تغير الفصول. وبالطبع ليس ذلك ناتج عن حركة حقيقية للشمس، بل إنه نتيجة لميل محور دوران الأرض. أو بالأحرى نتيجة لكون مدار أرضنا إهليجي. ولهذا نكون أقرب إلى الشمس في أوقات من العام من أوقات أخرى.
وبالطبع يحدد الوقت الذي يستغرقه الكوكب ليكمل دورة كاملة حول الشمس طول السنة في هذا الكوكب. وبهذا تكون السنة الأقصر في الكوكب الأقرب للشمس وهو عطارد. إذ تبلغ سنة عطارد ٨٨ يوماً أرضياً. وأطول مدار كوكبي في جوارنا الكوني يعود لنبتون، إذ تبلغ سنته ١٤٦.٨ سنة أرضية.
الشمس تتحرك
وبالعودة إلى سؤالنا الرئيسي، فإن الإجابة المختصرة أن الشمس تغير مكانها بالفعل ضمن النظام الشمسي، وإن كان بمقدار صغير. وتلك الحركة المتذبذبة المحدودة تنشأ عن التأثيرات الثقالية للكواكب الدائرة حول الشمس.
يقول باتريك أنتولين المتخصص بالإكليل الشمسي، وهي الطبقة الأخيرة المتوسعة من غلاف الشمس: «ترتبط الحركة دائماً بالإطار المرجعي. فالنظام الشمسي يدور حول مركز مجرتنا درب التبانة، ولكن حتى ضمن إطار النظام الشمسي، ليست الشمس ثابتة تماماً بسبب التفاعلات الثقالية بين الأجسام الأخرى في النظام».
ويقول العالم المختص بالشمس إن التأثير بين جسمين تأثير متبادل. فحين يؤثر جسم بقوة سحب على جسم آخر، فإن الجسم يؤثر بقوة سحب على نفسه أيضاً. وذلك حتى لو كان فرق الحجم بين الجسمين هائلاً، كما هو الحال بين الشمس والكواكب في النظام الشمسي.
وبسبب فرق الكتلة الكبير بين الشمس وأي جسم في النظام الشمسي، تكون الشمس كتلة جاذبة رئيسية، ولا تتأثر كثيراّ بجاذبية أي جسم آخر.
والنتيجة الخالصة لكل هذا هو أن كواكب النظام الشمسي لا تدور تقنياً حول النجم، بل إن الشمس وكل كوكب يدوران حول نقطة جاذبية مشتركة، تسمى مركز توازن الكتلة. وهو المكان الذي يتحدد بكتلة الجسمين.
مركز الكتلة أقر إلى لب الشمس
ولأن الشمس أعلى كتلة بكثير من الكواكب فإن مراكز الكتلة هذه تتوضع ضمن الشمس. فإذا كانت كتلة كوكب صغيرة، فإن مركز الكتلة الذي يدور حوله أقرب إلى لب الشمس. وكلما زاد اقتراب مراكز الكتلة إلى لب الشمس، قل تذنذب الشمس لتدور حول هذا المركز.
ويمكن بالتقريب أن يهمل السحب الثقالي الناتج عن أي كوكب آخر. ولكن دقة أدواتنا ونظرياتنا يمكنها أن ترصد التحركات البسيطة الناتجة عن قوى الشد الضئيلة هذه التي تطبقها أجسام أخرى على الشمس. وخصوصاً التي يؤثر بها المشتري على الشمس، حيث كتلته أكبر من كتلة الكواكب مجتمعة.
والشمس أعلى كتلة بمقدار ١٠٠٠ مرة من المشتري، وهو الكوكب الخامس في النظام الشمسي. لذلك فتأثير المشتري على الشمس لا يتعدى تمايلاً بمقدار ٤٠ ميل في الساعة.
التذبذبات النجمية
ويمكن رصد التذبذبات النجمية الناتجة عن دوران الكواكب من خلال تغير طول موجة الضوء الذي تنتجه، ويشبه ذلك تأثير دوبلر. أي من الممكن استخدام تأثير دوبلر لرصد كواكب تدور حول نجوم خارج النظام الشمسي. وتسمى الكواكب الخارجية.
فعندما يتذبذب النجم يتمدد الطول الموجي لضوئه، ويميل اللون للأحمر وهو يتحرك مبتعداً عن الأرض. وتعرف هذه الظاهرة بالانزياح للأحمر. أما عندما يتحرك النجم نحو الأرض فتنضغط الأطوال الموجية لضوئه، فيبدو أميل للأزرق، ويسمى الانزياح للأزرق بالطبع.
ويستخدم هذا التأثير لرصد تذبذب النجوم، وبذلك وجود كوكب خارجي. ويستخدم أيضاً لقياس بعض خصائص الأجسام في الأنظمة الكوكبية البعيدة. فإذا رصدنا التذبذب وسرعات الأجسام، يمكننا عندها استنتاج كتلها والمسافة بين كل منها. وهذا ينطبق على أي نظام نجمي يمكن أن نرصد فيه تذبذباً وأن نقيس سرعة الأجسام الدوارة.
ملخص المقال
هل تتحرك الشمس في النظام الشمسي؟ إن الشمس تغير مكانها بالفعل ضمن النظام الشمسي، وإن كان بمقدار صغير. وتلك الحركة المتذبذبة المحدودة تنشأ عن التأثيرات الثقالية للكواكب الدائرة حول الشمس.
وكواكب النظام الشمسي لا تدور تقنياً حول الشمس، بل إن الشمس وكل كوكب يدوران حول نقطة جاذبية مشتركة، نسميها مركز توازن الكتلة.
ويمكن استخدام تأثير دوبلر في تذبذب النجوم لرصد الكواكب الخارجية.