هل تدور الشمس حول نفسها؟
كيف تدور الشمس حول نفسها وهي كتلة غازية ملتهبة؟ يقودنا هذا الشكل المعقد من الدوران إلى بعض الظواهر المذهلة.
قد يوحي موقع الشمس الثابت في السماء، ودوران الكواكب حولها بأنها ساكنة. وبأنها لا تدور حول نفسها. إلا أن الإنسان عرف أن الشمس تدور حول نفسها منذ القرن ١٧. وهذا الدوران يجري بعكس جهة دوران عقارب الساعة، مثل بقية الكواكب. ومع أن دوران الشمس حول نفسها أبطأ من دوران الأرض بشكل واضح، فإن دورانها أكثر تعقيداً.
كيف عرفنا أن الشمس تدور حول نفسها؟
يعود اكتشاف دوران الشمس حول نفسها إلى زمن غاليليو غاليلي، ومن سبقه من علماء الفلك المعاصرين له. إذ رصد غاليليو بقعاً معتمة على الشمس. وهي ما نسميه اليوم البقع الشمسية. وقدّر بأنها أجزاء لها أهمية في دورة الشمس.
كما لاحظ غاليليو شيئاً آخر أيضاً، وهو أن هذه البقع العاتمة تتحرك، من ثم تختفي، وبعدها تعود. وذلك أثناء رصده للشمس بالتلسكوب. ولذلك كتب عام ١٦١٢: «من الواضح أيضاً أن هذه البقع تدور حول الشمس. وأنا أعتقد أن الحركة هي حركة كرة الشمس، أكثر من كونه حركة ما يحيط بها».
إذاً اكتشف بأن الشمس تدور حول نفسها اعتماداً على هذه البقع الشمسية. واليوم يستخدم علماء الفلك والنظام الشمسي هذه البقع الشمسية، بالإضافة لغيرها من معالم سطح الشمس لقياس دورانها حول نفسها. ومع هذا، هناك الكثير الذي يجب تعلمه عن دوران الشمس حول نفسها، وبالتحديد اختلاف دورانها حول نفسها عن دوران الأرض حول نفسها.
هل دوران الشمس حول نفسها مختلف؟
تتكون الأرض وكواكب أخرى من المجموعة الشمسية من الصخور الصلبة، أما الشمس فهي كرة مرتفعة الحرارة جداً من غاز كثيف مؤيّن، وتحديداً الهدروجين والهليوم. أو ما يسمى البلازما. ويعني هذا أن الطريقة التي تدور بها حول نفسها، تختلف عن دوران الأرض والمريخ والزهرة وعطارد حول نفسها.
يحدث في الشمس ما يسمى الدوران التفاضلي، أي أن دورانها حول نفسها يجري بمعدلات مختلفة تبعاً لكل منطقة فيها. ولأن الشمس كرة من البلازما، فمن غير الضروري أن تدور حول نفسها قطعة واحدة، كما يحدث في الكواكب الصلبة أو القمر. وسبب الدوران التفاضلي مجال يجري البحث فيه في علم الفلك الشمسي.
ينخفض الزمن اللازم لدوران مناطق الشمس حول نفسها دورة كاملة، وذلك كلما اتجهنا من القطبين نزولاً إلى خط الاستواء الشمسي. فالقطبين يكملان دورتيهما حول نفسيهما خلال ٣٥ يوماً. بينما تكمل المنطقة الواقعة فوق خط الاستواء الشمسي دورتها خلال ٢٥ يوماً. وهذا يعني أن مناطق الشمس جميعها، لا تكمل دورتها حول نفسها بسرعة دوران الأرض حول نفسها.
إن اختلاف سرعة دوران مناطق الشمس لا يقتصر على سطحها فحسب، بل إن طبقات الشمس الداخلية أيضاً تتم دوراتها حول نفسها بسرعات مختلفة. والمناطق الداخلية تدور في الحقيقة دوراناً أشبه بالأجرام الصلبة داخل النظام الشمسي.
ويقدر العلماء أن لب الشمس يدور حول نفسه مرة خلال أسبوع. أي أسرع بأربعة مرات من سطح الشمس والطبقات المتوسطة، وفقاً لناسا. وهذا الأمر دفع علماء الفلك الشمسي إلى الدراسة المكثفة للتأثيرات الناتجة عن اختلاف سرعة دوران مناطق الشمس المختلفة.
ويذكر أن هذا النمط من الدوران لا تتفرد به الشمس أو غيرها من النجوم فقط. حيث أن الكواكب الغازية العملاقة، المشتري وزحل، يحدث فيها أيضاً دوران تفاضلي. وهذا غير مفاجئ نظراً لتركيبها الغازي. إضافة إلى ذلك، فإن الكواكب الجليدية أورانوس ونبتون يجري فيها أيضاً دوران تفاضلي. وجميعها تدور فيها مناطق خط الاستواء أسرع من القطبين.
لماذا تدور الشمس حول نفسها؟
إن دوران الشمس بعكس جهة دوران عقارب الساعة، ودوران جميع الكواكب بعكس جهة دوران عقارب الساعة أيضاً، عدا كوكبين، هو نتيجة لتشكلها منذ ٤.٥ مليار سنة تقريباً. فعند هذه النقطة من تاريخ الكون، لم يكن النظام الشمسي إلا قرصاً دواراً ضخماً من الغاز والغبار. ووفقاً لناسا فإن نجماً منفجراً اصطدم به ليحطمه ويحوله إلى سديم نجمي. من ثم تشكلت الشمس في مركز هذا السديم النجمي، وأخذت ٩٩٪ من المادة المتاحة مع الكميات المتجمعة من الغبار الخارجي مشكلة الكواكب. وقد أخذت شيئاً آخر أيضاً. فدوران الشمس حول نفسها ما هو إلا نتيحة للزخم الزاوي المصون. وهذا يعني أن السحابة التي تشكلت منها الشمس، كانت تمتلك بقية من الزخم الزاوي. وهذا الزخم الزاوي بقي مصوناً، وانتقل إلى الشمس عند تشكلها. وذلك ما أحدث دورانها حول نفسها الذي نراه اليوم.
ملخص المقال
قد يوحي موقع الشمس الثابت في السماء، ودوران الكواكب حولها بأنها ساكنة. ولكن لقد عرفنا بأنها تدور حول نفسها منذ القرن ١٧. وذلك على يد غاليليو معتمداً على البقع الشمسية في ذلك. ولأن الشمس كرة من البلازما الملتهبة، فدورانها يختلف عن دوران الكواكب الصلبة. حيث أن كل منطقة فيها تدور بسرعة مختلفة، سواء على السطح أو في داخلها. حيث تستغرق مناطق القطبين ٣٥ يوماً لتتم دورة حول نفسها. بينما تستغرق مناطق خط الاستواء الشمسي ٢٥ يوماً، ولب الشمس يستغرق أسبوعاً فقط. أما عن سبب دوران الشمس حول نفسها بعكس جهة دوران عقارب الساعة، فيرجع إلى زمن نشوئها. حيث أخذت الشمس من السحابة التي تشكلت منها الزخم الزاوي، الذي سبب دورانها الذي نراه اليوم.