هل تساعدنا الشمس في رصد إشارات الفضائيين؟
إذا كان للتعديس الثقالي للشمس أثر على الإشارات القادمة من الفضاء، فإنه سيقوي هذه الإشارات ويوجهها نحونا. بل سيمكننا من الاتصال مع المسبارات الفضائية بنفس الطريقة.
يحتمل أن العلماء قد اكتشفوا طريقة جديدة لرصد الإشارات من الحضارات الفضائية المتقدمة. فإذا عدنا إلى نظرية النسبية العامة لأنشتاين، فإنها تنص على أن قوى الجذب التي تملكها الأجرام الفضائية الضخمة يمكنها أن تحني الضوء. وهكذا تركز الضوء وتضخمه كما يحدث في التلسكوب. وهذا التأثير اسمه تأثير «التعديس الثقالي» أو «العدسة الثقالية»، ويسمى أيضاً تأثير «عدسة الجاذبية». أي عمل الجاذبية بما يشابه عمل العدسة. وعلى هذا، قد لا يكون الضوء المرئي هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يتأثر بالتعديس الثقالي.
ما هو تأثير التعديس الثقالي أو عدسة الجاذبية؟
وفقاً للنسبية العامة، يمكن أن يؤدي وجود المادة إلى إنحناء الزمكان. ونتيجة لذلك ينحرف مسار الضوء. بتعبير آخر، يؤدي وجود جسم ضخم كالنجم مثلاً إلى انحناء الفضاء المحيط به ضمن مجال جاذبيته. وبذلك يتغير مسار الضوء في ذلك المجال. وقد سمي التأثير بهذا الاسم لشبه ما يحدث بمبدأ عمل العدسة البصرية التي نعرفها. ذلك بأنها تغير مسار الضوء المار من خلالها. إلا أن عدسة الجاذبية تكون على نطاق أضخم بكثير. وقد رصد هذا التأثير لأول مرة عام ١٩٧٩.
بصفة عامة، يمكن أن يكون التعديس الثقالي قوياً. وذلك إذا كان الانحناء الحاصل في الضوء شديداً، ويعود هذا إلى كبر حجم الجسم الذي يحدث التأثير، أو قرب المصدر الضوئي. وهنا ينتج هذا التأثير ظواهر واضحة كحلقة أنشتاين أو الأقواس اللامعة الكبيرة. ومن جهة أخرى، يمكن أن يكون التعديس الثقالي ضعيفاً. وحينها نرى مصدر الضوء بشكل أقواس مضاعفة أقل قوة ولمعاناً.
ما فائدة تأثير التعديس الثقالي عموماً؟
يستخدم العلماء هذا التأثير لمعرفة وجود نجوم وأجرام أخرى، وذلك عندما يعمل نجم ما عمل عدسة تحني الضوء القادم من خلفها. وبالتالي نعرف بوجود جرم أو غيره أتى الضوء منه خلفه. من ناحية أخرى، يساعد هذا التأثير على رصد المجرات الموغلة في القدم. الأمر الذي يسهم في دراسة تاريخ الكون.
ولكن ما علاقة انحناء الضوء بفعل هذا التأثير بانحناء الإشارات الراديوية؟
هذا ما يفترضه طلاب من معهد ولاية بنلسفانيا للبحث عن الحضارات الفضائية الذكية في نظريتهم هذه. حيث يقولون أن تأثير التعديس الثقالي قد يصح على الأمواج الراديوية أيضاً. وبأن هذا التأثير قد يعمل عمل محطات التقوية والبث، وأن الفضائيين من الممكن -إن وجدوا- أن يستخدموا هذا الأسلوب.
هل يمكننا التعديس الثقالي من رصد إشارات الفضائيين أيضاً؟
بناءً على ماسبق، أشار طلاب من معهد ولاية بنلسفانيا للبحث عن الحضارات الفضائية الذكية بأن إشارات الاتصالات قد تتعرض للتضخيم أيضاً بتأثير التعديس الثقالي. وإن كان ذلك ممكناً، فسنستطيع التنصت على الاتصالات التي تعتمد على تضخيم الإشارات وإعادة تحويلها حول الشمس، خارح كوكب الأرض.
وبناء على ذلك، تفترض هذه المجموعة من الطلاب وجود شبكات اتصالات فضائية واسعة، يحتمل أنها تستخدم تأثير التعديس الثقالي لإعادة بث الإشارات على مسافات شاسعة، على غرار عمل محطات بث الهاتف النقال على الأرض.
يقول أحد الطلاب: إن الإنسان يستخدم شبكات للاتصال على مساحة الكرة الارضية، فعندما نستخدم الهاتف النقال، تنتقل أمواج كهرومغناطيسية إلى أقرب برج خلوي، ويقوم بدوره بنقل الإشارة إلى برج آخر، وهكذا.
فإذا توضع مسبار فضائي في مكان ملائم قرب نجم للاستفادة من تأثير التعديس الثقالي لهذا النجم، إذاً يمكن استخدام هذه النجوم كنقاط تقوية وبث لشبكة اتصالات معينة.
يفترض الطلاب بأنه إذا وجدت مخلوقات فضائية متقدمة وسبق واكتشفت هذه العملية، واستخدمت الشمس كنقطة تقوية وبث، فسنتمكن من التقاط هذه الإشارات في النهاية.
لهذا السبب، اختبر الطلاب هذه الفرضية بجمع بيانات من تلسكوب غرين بانك في فرجينيا الغربية. وبحثوا عن إشارات راديوية يمكن أن تكون قد تضخمت حول الشمس من أقرب جيران فضائيين لنا، وذلك في نظام ألفا قنطورس النجمي.
من ناحية أخرى، يقول أحد الطلاب: إن عمليات بحث سابقة جرت باستخدام أطوال أمواج ضوئية، ولكن الطلاب اختارو أطوال أمواج راديوية، لأن الإشارات الراديوية وسيلة مثالية لإرسال المعلومات في الفضاء.
ومع أن الطلاب لم يكتشفوا أية إشارات يرسلها فضائيون، فلم يفقدوا الأمل تماماً.
يقول طالب آخر: إن بحثهم اقتصر على ليلة واحدة. فأي شيء لم يجرِ بثه تلك الليلة أثناء رصدهم بالتأكيد لم يتمكنوا من رصده. ومع أن بحثهم ذلك كان محدوداً، ويحتمل عدم رصده لمسبارات موجودة في حال لم تكن تبث بثاً مستمراً على هذه الترددات، إلا أنها كانت تجربة جيدة لمعرفة إن كان هذا النوع من البحث ممكناً.
هل تتجاوز فائدة التعديس الثقالي رصد الفضائيين؟
في حين يأمل الطلاب إتمام طلاب غيرهم لما بدؤوه، فإن التعديس الثقالي يمكن أن يستخدم أيضاً في أشياء أخرى، تتجاوز البحث عن الفضائيين.
يقول البروفسور جايسون رايت، من معهد ولاية بنلسفانيا للبحث عن الحضارات الفضائية الذكية: «وضع العلماء في حسبانهم الاستفادة من مزايا التعديس الثقالي، كطريقة تشبه في أساسها بناء تلسكوب هائل لرصد كواكب حول نجوم أخرى. كما أخذ العلماء في حسبانهم أيضاً استخدام البشر لها كوسيلة للاتصال مع المسبارات الفضائية التي نرسلها إل نجم آخر». وقد قبلت ورقة بحثية تصف هذه التقنية للنشر في مجلة علم الفلك.
ملخص المقال
يحتمل أننا عثرنا على طريقة جديدة لرصد الإشارات من الحضارات الفضائية المتقدمة. وذلك اعتماداً على تأثير اسمه تأثير «التعديس الثقالي» أو «العدسة الثقالية» ويسمى أيضاً أثر «عدسة الجاذبية» وفقاً للنسبية العامة. حيث افترض طلاب من معهد ولاية بنلسفانيا للبحث عن الحضارات الفضائية الذكية بأن إشارات الاتصالات قد تتعرض للتضخيم أيضاً بتأثير التعديس الثقالي، وبالتالي يمكن رصدها إن وجدت. وقد حاول الطلاب لليلة واحدة ذلك لكنهم لم يفلحوا، ويأملون أن يتابع زملاءهم ما بدؤوه. ومن الجدير بالذكر أن العلماء قد يستخدمون هذه الفرضية في رصد نجوم أخرى، وكوسيلة للاتصال مع المسبارات الفضائية.