هل تستطيع حضارة فضائية رصد البشر؟
من أكثر الأشياء المذهلة التي ترافق ولادتنا في هذا العصر هو أننا نستطيع أن نفعل ما هو أكثر من التساؤل عن الحياة والحضارات الأخرى. إذ يمكننا البحث عنها، على الرغم من وجود الكثير مما يحد من بحثنا. وما يوازي ذلك إذهالاً تساؤلنا: هل تستطيع حضارة فضائية رصد البشر؟
حضارة ترصد حضارة أخرى
بافتراض أن الحضارات التي بدأت في استكشاف ما يحيط بها كلها لديها اهتمام في إيجاد الحضارات الأخرى، عندها ينتهي سؤالنا «من يستطيع رصد الآخر؟» عند التكنلوجيا المتوفرة.
يتطلب الأمر أدوات تكنلوجية متقدمة للبحث عن بصمات تكنلوجية للحضارات الأخرى (دلائل تكنلوجيا على وجودها)، كما يتطلب الأمر تكنلوجيا لإنتاج هذه البصمات. ولكن ما هو مستوى التكنلوجيا المطلوب في كلا الجانبين؟
إن التقنية المطلوبة لإنتاج بصمات تكنلوجية ليست معقدة. ونحن نملك مثل هذه التكنلوجيا منذ آلاف السنين، والأهرامات مثال عنها. ولكن ما التكنلوجيا المطلوبة لرؤيتها؟ ومن أي مسافة؟
يطرح زد. أوسمانوف، وهو باحث يتبع معهد البحث عن حياة ذكية خارج الأرض في بحث نشر في مجلة أكتا أسترونوتيكا السؤال الآتي:
هل نحن مرئيون للحضارات الفضائية المتقدمة؟
ويقول: فكرنا بمسألة كيفية رؤية الحضارات المتقدمة الخارجية لإنشاءاتنا الصنعية. ويشرح عن فرض قوانين الفيزياء العامة حدوداً لعملية الرصد، وعن كيفية حل الحضارات المتقدمة لهذه المعضلة.
يجد بالذكر أن المسافة العظمى للرصد تبلغ ٣٠٠٠ سنة ضوئية، وتحت ظروف معينة، قد تتمكن الحضارات الفضائية المتقدمة (النوع الثاني) من حل هذه المعضلة.
ما التكنلوجيا المطلوبا لتلقي بصماتنا التكنلوجية
إن خلفية عمل أوسمانوف هي مقياس كارداشيف الذي يضع ثلاثة مستويات أو أنواع للحضارات المفترضة:
الحضارات من النوع الأول:
حضارات يمكنها جمع كل الطاقة على كوكبها واستخدامها وتخزينها.
الحضارات من النوع الثاني:
تستهلك طاقة نجمها مباشرة عن طريق كرة دايسون أو شيء مشابه.
الحضارات من النوع الثالث:
يمكنها الحصول على الطاقة المتوفرة في مجرتها كلها.
ويركز أوسمانوف في بحثه على النوعين الأول والثاني ويطرح سؤالاً: هل يمكن للتكنلوجيا التي بنيناها أن تكون مرئية وربما قابلة للرصد من تلسكوبات الحضارات الفضائية؟
إن أدواتنا التكنلوجيا هي أشياء كالمشروعات الهندسية الكبيرة والأقمار الاصطناعية. وستعد الحضارات الذكية من النوع الأول والثاني هذه الأشياء أدوات تكنلوجية إذا تمكنت من رؤيتها.
وأفضل وسيلة لهذه الحضارات لرصدها تكون عبر الضوء المنعكس. وهذا يعني بالطبع وجود تلسكوبات بصرية مزودة بطاقة هائلة وذات استبانة زاوية عالية جداً.
نحن الآن منشغلون ببناء تلسكوبات أكثر قوة، وربما الحضارات الفضائية تعمل عليها أيضاً. وإذا كانت أكثر تقدماً منا، فهي تسبقنا بخطوات. ويحلل أوسمانوف في بحثه إلى أي مدى نحن مرئيون لهم، اعتماداً على تقدمهم التكنلوجي.
قياس التداخل والرصد
يقول أوسمانوف بأن الحضارات الفضائية ستستعمل قياس التداخل لرصدنا. ويعتمد قياس التداخل الفضائي على تلسكوبين أو أكثر تفصلهما مسافة لرصد الجسم ذاته في الوقت نفسه. وتدمج البيانات من التلسكوبين وتعالج.
وبناء على ذلك، بدلاً من رصد شيء باستبانة زاوية محدودة لتلسكوب واحد، يبني قياس التداخل تلسكوباً افتراضياً -منظومة تلسكوبات- أكبر من أي تلسكوب يمكن أن يوجد.
ووفق حسابات أوسمانوف، لتتمكن حضارة فضائية من رصد أهرامات الجيزة، يجب ألا تكون أبعد من ٣٠٠٠ سنة ضوئية. وبسبب عدد الفوتونات التي يجب استشعارها لرؤية الأهرامات، يجب أن يكون التلسكوب ضخماً جداً. ومقياس التداخل وحده ما يمكنه فعل بذلك. فمن الواضح أن قطر مثل هذا التلسكوب يجب أن يكون من عدة ملايين من الكيلومترات.
وهذا يعني استبعاد الحضارات الذكية من النوع الأول، فهذه البنى الضخمة لا يمكن أن يبنيها إلا الحضارات من النوع الثاني.
هل هناك حضارات ذكية ضمن مدى ٣٠٠٠ سنة ضوئية؟
كيف يمكننا أن نحدد إذا كان هناك حضارات ذكية من النوع الثاني والثالث ضمن مسافة ٣٠٠٠ سنة ضوئية؟ يستخدم أوسمانوف معادلة دريك الاحتمالية المشهورة لتقدير عددها. ولا يمكن التحقق من صحة الأعداد الناتجة عنها، ولكنها تقرب وجهات نظر العلماء حول مسائل الحضارات الذكية.
يحدد الباحث المسافة المتوسطة بين الحضارات، إذ يفترض -من حيث حجمها التقريبي- بأنها موزعة توزيعاً متجانساً في المستوي المجري. ويجب أن يكون هناك ٦٥٠ حضارة ذكية في مجرة درب التبانة لتكون إحداها قريبة بما يكفي لرصد مشاريعنا الهندسية الكبيرة سواء القديمة أو متوسطة القدم.
وتختلف الأرقام عند رصد بنانا الهندسية الحديثة. إذ لم يمض وقت كافٍ لانتشار الضوء المنعكس عن بنانا الهندسية الحديثة وانتقاله المسافة الكافية في الفضاء. ويجب أن يكون هناك حضارات أكثر بكثير لترصد إحداها بنانا الحديثة ومن بينها الأقمار الاصطناعية.
يقول أوسمانوف: يمكنهم أن يرصدوا بنانا الحديثة فقط إذا كان عددهم الإجمالي في مجرة درب التبانة من رتبة ١٠^٦، كما افترض كارل ساغان.
وبالطبع ليس لدينا أي وسيلة لمعرفة وجود أي حضارة فضائية ذكية من عدمه، أو إذا رصدت بصمتنا التكنلوجية أم لا. وما لم يكن هناك اتصال أول، كل ما نملكه هو الأفكار والتجارب.
ملخص المقال
هل تستطيع حضارة فضائية رصد البشر؟ يتطلب الأمر أدوات تكنلوجية متقدمة للبحث عن بصمات تكنلوجية للحضارات الأخرى. كما يتطلب الأمر تكنلوجيا لإنتاج هذه البصمات. وهي متوفرة لدينا منذ القدم ومن بين أمثلتها الأهرامات.
أما التكنلوجيا المطلوبة لرؤية بصمتنا التكنلوجية ستعتمد على الضوء المنعكس وهذا يتطلب منها تلسكوبات بصرية هائلة. لذلك ستعتمد على قياس التداخل.
ويستخدم الباحث معادلة دريك لتقدير عدد الحضارات اللازمة لرصد منشآتنا كالأهرامات، ضمن مدى ٣٠٠٠ سنة ضوئية. ويجب أن تكون ٦٥٠ حضارة. أما ضمن المجرة فيجب أن يكون عددها من رتبة ١٠^٦ لرصدنا.