هل يمكن أن تنقلنا الثقوب السوداء إلى عوالم أخرى؟
هل يمكن أن نقلنا الثقوب السوداء إلى عوالم أخرى؟
إذا كنت ممن يصدقون ما أنتجه الخيال العلمي، فقد سمعت فيها أن الثقوب السوداء بوابات إلى عوالم أخرى. سواء أكانت أجزاء أخرى بعيدة من الكون، أم أكوان أخرى برمتها. فهل يمكن أن تنقلنا الثقوب السوداء إلى عوالم أخرى فعلاً؟
قد يكون الواقع أعقد من ذلك بكثير. فالوقوع في ثقب أسوب خارج عالم الخيال العلمي هذا فكرة سيئة.
ومع ذلك، يبدو أن لمن يقع فيها فرصه ضئيلة بالإفلات سواء أكان يريد رجوعاً إلى عالمه، أو إلى مكان غريب ما. وذلك لأن الثقوب السوداء تحني الفضاء نفسه. وبهذا يمكنها أن تقرب نقطتين بعيدتين عن بعضهما.
ولعل المثال المتكرر ذكره لتوضيح ذلك؛ هو أنك إذا رسمت خطاً على ورقة، فإن هذا الخط يتبع شكل الورقة، ولا يتغير طوله عند طي الورقة. ولكن عند طيها يمكن أن تقترب نقطة بداية هذا الخط ونهايته. ولفهم هذا الأمر لا بد من الخوض في نظرية النسبية لأنشتاين وتطبيقها على الجاذبية.
ماهية الثقب الأسود
من المهم أن نفهم أن الثقب الأسود ليس فضاءً فارغاً. بل إنه مكان تحشر فيه كمية هائلة من المادة في نقطة متناهية الصغر، تدعى نقطة التفرد. وهي نقطة متناهية الصغر وشديدة الكثافة.
وكلما اقترب الشخص من الثقب الأسود تزيد السرعة اللازمة للإفلات منه، أي سرعة الإفلات. وعند نقطة معينة تصبح سرعة الإفلات أعلى من سرعة الضوء، أي أعلى من ٣٠٠ ألف كم في الثانية. وللمقارنة، تبلغ سرعة الإفلات من الأرض ٤٠٠٠ كم في الساعة.
ولأن لا شيء أسرع من الضوء، فلا شيء يفلت من الثقب الأسود. والثقب الأسود لا يمتص كل شيء حوله، إنما تمتد قدرته فقط إلى حدود أفق حدثه. والذي يكون نصف قطره بعده عن مركز الثقب الأسود. وكل شيء يتخطى أفق الحدث لا يمكنه العودة. ويزداد نصف القطر هذا كلما ابتلع المزيد من المادة. يمكنك تشبيه الثقب الأسود بذلك بكرة تسمح للمادة بالعبور إلى داخلها، ولا تسمح بخروجها.
ماذا يجري داخل الثقب الأسود
أما ما تحت ذلك، فأحجية لعلماء الفيزياء الفلكية. يعتقد معظم العلماء أن الثقب الأسود تفرّد. وبهذا أي مادة مهما كان أصلها وأدت لزيادة كتلة الثقب الأسود، كمادة نجم مثلاً، تنحشر في نقطة لا نهائية الكثافة. وإذا سقطتَ في ثقب أسود، فستتمدد كالمعكرونة بفعل قوى الشد والجذب، ثم تنسحق إلى لا شيء. ويزداد نصف قطر أفق الحدث بفعل كتلتك.
وفي النهاية ستنبعث على شكل إشعاعات هوكينغ. فقد أظهرت معادلات العالم ستيفن هوكينغ أن الثقوب السوداء تصدر فوتونات. وبذلك تخسر من كتلتها. لأن الكتلة والطاقة متكافآن وفقاً لمعادلة أنشتاين المشهورة E = mc^2. وسيتلاشى الثقب الأسود في النهاية. وبالطبع ذلك بعد زمن كبير جداً.
فمثلاً، ثقب أسود بكتلة الشمس، وهي كتلة صغيرة بمقياس الكون. سيستغرق ١٠^٨٧ سنة ليتلاشى. ومن ثم يتحول إلى انفجار أشعة غاما. وللعلم عمر الكون ١٤ مليار عام. أي ١.٤× ١٠^٩ سنة. وهناك جدل حول المدة التي يستغرقها الثقب الأسود للتلاشي. لأن إشعاع هوكينغ لا يحتفظ بأي معلومات عن المادة التي تقع في الثقب الأسود.
الثقب الأسود والثقب الدودي
قد تكون الثقوب الدودية طريقة أفضل للخروج من الثقب الأسود. ولكن دعونا لا ننسى أن الجاذبية تحني الفضاء. فأي جسم يُحدث بئر جاذبية محلي، وهو انخماص له عمق محدد. يزيد عمقه باتجاه مركز الجسم. كبئر الجاذبية الذي يحدثه كوكب كروي مثلاً.
ولكن الثقوب السوداء لا تسلك سلوك الأجسام العادية. فانحناء المكان يزداد حتى يصل إلى نقطة التفرد في مركز الثقب الأسود، وعندها يكون الانحناء لانهائياً.
وبدلاً من وجود انخماص، سيكون لديك ثقب تزداد جوانبه انحداراً كلما اقتربت من المركز. إلى أن تصبح قائمة. ويصبح شكل الفضاء انخماصاً ممتداً إلى ما لا نهاية.
وهذا سبب كونه لغزاً. فالعلماء يستخدمون نظرية النسبية لأنشتاين لوصف انحناء الفضاء. ولكن هذه المعادلات تنهار عند نقطة التفرد. كما أن نقاط التفرد متناهية الصغر، وعندها يجب النظر إلى تأثيرات ميكانيك الكم. ولكن لم ينجح أحد في توظيف نظرية ميكانيك الكم في الجاذبية لاكتشاف ماهية نقاط التفرد.
نقطة التفرد وحلقة التفرد والثقوب الدودية
وتزداد الغرابة عندما تعلم أن الثقوب السوداء ليست ساكنة. ففي الواقع كل جسم في الفضاء يميل للدوران. وهذا يعني أن نقطة التفرد يمكن أن تتحول إلى حلقة إذا دارت بسرعة مناسبة. وحلقة التفرد تلك قد تكون بوابة إلى كون آخر. وبذلك يصبح الثقب الأسود ثقباً دودياً، أي بوابة في الزمكان.
وهذه الفكرة محيرة جداً. لأنه عندما يكون لديك نقطة تفرد، بغض النظر عن كيفية سفرك. فالتفرد دوماً في مستقبلك إذا كنت داخل أفق الحدث. ولكن حلقة التفرد تسلك سلوكاً مختلفاً. فالجزء الذي حشرك في اللاشيء، لن يكون بالضرورة في مستقبلك. وذلك بسبب الطرق الغريبة التي تحني وتلوي بها حلقة التفرد الزمان والمكان.
وعلي أي حال، فكرة حلقة التفرد غير أكيدة. فأولاً لا يعرف أحد كيف ستظهر هذه الحلقة إلى الوجود. والمشكلة الأخرى، أنه عند التعامل مع رياضيات الثقب الدودي الناتج عن الثقب الأسود، تواجههم مشاكل في الحفاظ على البوابة ثابتة. فهي غير مستقرة بشدة، مقارنة بأي شيء نعتبره مادة طبيعية. فهي تغلق في اللحظة التي تفتح فيها.
وتظهر أعمال منظرين سابقين أن الطريقة المحتملة الوحيدة لإنشاء ثقوب دودية، أي إبقاءها مفتوحة، هي أن تكون ذات مادة شاذة. أي مادة ذات كتلة سالبة. ولكن لا توجد فكرة واضحة عن ماهية الأمر.
نظريات أخرى عن الثقوب السوداء
وهذا يعيدنا إلى المسألة الأساسية، ألا وهي: بينما يقول معظم العلماء أن الثقوب السوداء يمكن أن تكون ثقوباً دودية. فبدون نظرية كمية في الجاذبية، لا يمكن الإجابة عن هذه المسائل كاملة.
المسألة الأخرى أن لا أحد رصد ظهور شيء من العدم، أي بحسب ما نتوقعه بأن الثقوب السوداء قد تكون بوابات لأكوان أخرى. فلا بد أن يقع فيها شيء ولو بالصدفة.
وهناك مجموعة أخرى من النظريات تفترض أن الثقوب السوداء تنشئ أكواناً بأكملها، مسببة انفجارات عظيمة، وربما كوننا كان من أحدها. ولكن ما تزال الفكرة جدلية.
وأخيراً، يعد السفر عبر الزمن أحد مضامين الثقوب السوداء. فبفضل النسبية لا يوجد ما اسمه «الآن» الذي ينطبق في كل مكان في الكون.
كما أن الانتقال «الآني» من النقطة أ إلى النقطة ب في أي مكان من الكون، سيتضمن أيضاً السفر عبر الزمن. وقد تصل إلى مكان ما قبل أن تغادر.
ولكن وفق ما يقوله ستيفن هوكينغ: بما أن لا أحد يرى مسافرين عبر الزمن اليوم، فيبدو أن السفر عبر الزمن غير ممكن في كوننا. وهذا يشير إلى أن الثقوب السوداء لا تفيد في أن تكون مولدات للثقوب الدودية.
ملخص المقال
قد نتساءل إن كانت الثقوب السوداء تنقلنا إلى عوالم أخرى. نظرياً تحني الثقوب السوداء الفضاء نفسه. وبهذا يمكنها أن تقرب نقطتين بعيدتين عن بعضهما. وعملياً في مركزه نقطة تفرد وهي نقطة متناهية الصغر وشديدة الكثافة. تنحشر فيها أي مادة يمتصها الثقب الأسود، بما فيها أنت إذا سقطت فيه. وفي النهاية تنبعث المادة على شكل إشعاعات هوكينغ. ونتيجة لذلك يتلاشى الثقب الأسود وذلك سيستغرق مليارات السنين. وتقول نظريات أن الثقب الأسود قد يتحول إلى ثقب دودي ينقلك إلى عوالم أخرى. لكن لم ينجح أحد في توظيف نظرية ميكانيك الكم في الجاذبية لاكتشاف ماهية نقاط التفرد ومعرفة الأمر. ويعد السفر عبر الزمن أيضاً أحد مضامين الثقوب السوداء. لكن ستيفن هوكينغ يرى عدم إمكانية ذلك في كوننا، ويشكك في أن تكون الثقوب السوداء مولدة لثقوب دودية.
المصدر: livescience