هل سيكشف تلسكوب جيمس ويب عن حياة خارج الأرض؟
لعل أول سؤال يريد علماء الفلك الإجابة عنه: هل هناك أغلفة جوية تساعد على الحياة خارج كوكبنا؟
شهد هذا الشهر إطلاق أقوى تلسكوب بني حتى اليوم، وسيبدأ بمراقبة دقيقة لكواكب خارجية تدور حول النجوم، ويأمل العلماء أن يكشف عن وجود أي غلاف جوي في هذه الكواكب قد يدعم الحياة فيها. ومع أن وجود غلاف جوي مهم، إلا أن هناك احتمال ضئيل بأن يحوي غلاف جوي منها على ما يسمى بصمة حيوية، وهي إشارة إلى وجود حياة، فلن يكون ذلك سهلاً ومباشراً.
ومع أن الأرض هي الكوكب الوحيد الذي يحوي حياة على سطحه في مجموعتنا الشمسية، إلا أن هناك أنظمة شمسية أخرى وفيها كواكب نسميها كواكب خارجية.
من هذه الكواكب ما رصده علماء الفضاء السويسريون عام ١٩٩٥ وهو الكوكب ٥١ بيغاسي ب، أو ديميديوم، الذي يدور حول نجم يشبه الشمس. وتبين أنه عملاق غازي حار ولا أمل أن يدعم الحياة.
وجد العلماء منذ ذلك الوقت أكثر من ٥ آلاف كوكب خارجي، وبعضها شبيه جداً بالأرض، بنفس الحجم تقريباً، وتكوينه صخري، ويدور في منطقة مناسبة حول نجمه.
تلسكوب جيمس ويب والكواكب الخارجية
إن صغر حجم تلك الكواكب الخارجية جعل من الصعب دراستها، لكن ذلك سيتغير مع تلسكوب جيمس ويب الجبار، فمنذ أن دخل مداره حول الشمس، بدأ التقاط أخفت وأبعد نبضات الضوء التي يمكن أن تكشف عن تفاصيل جديدة عن الكواكب البعيدة.
إن هذا التلسكوب هو المرصد الفضائي الأول الذي يأخذ تصميمه بعين الاعتبار دراسة الكواكب الخارجية.
ويمكننا القول أن الصور الأولى التي رأيناها للكواكب البعيدة ليست إلا نظرة سريعة للتلسكوب، حيث سيتبعها سلسة من عمليات الرصد والدراسة الأعمق.
حيث يخطط العلماء لدراسة سبعة كواكب تدور حول نجم يسمى ترابيست-١، وقد بينت دراسات سابقة أن ٣ منها يقع في منطقة مؤهلة لوجود الحياة.
ويعد ترابيست-١ مكانا ملائماً للبحث عن آثار الحياة حوله، وذلك لأنه نجم صغير، والمنطقة القابلة للحياة أقرب إليه مقارنة بشمسنا. ونتيجة لهذا فإن الكواكب التي تدور حوله ويحتمل وجود حياة فيها أقرب في مدارها إليه، وتستغرق بذلك بضعة أيام لإكمال دورة حوله، وفي كل مرة تمر أمام النجم يمكن للعلماء محاولة الإجابة عن تساؤلهم إن كان يحوي غلافاً جوياً أم لا.
فوجود الكوكب في المنطقة القابلة للحياة حول ذلك النجم لا يعني وجود الحياة فيه دون وجود غلاف جوي. ولن يفاجأ العلماء لعدم وجود أغلفة جوية، أو تشكلها عند نشوء الكوكب ثم تخربها نتيحة الأشعة فوق البنفسجية وأشعة إكس. وربما تكون عندها قد تخربت قبل أن يحظى الكوكب بوقت يكفي لنشوء الحياة! فيصبح السؤال الثاني أمام العلماء: هل حظي الكوكب بغلاف جوي لفترة ملائمة تكفي لنشوء الحياة؟
كيف سيرصد تلسكوب ويب جيمس وجود الغلاف الجوي على تلك الكواكب؟
يشكل مرور الكوكب الصغير أمام النجم ظلاً ضئيلاً لن يستطيع التلسكوب رصده، بل سيرصد خفوتاً صغيراً في ضوء النجم ترابيست-١. وسيكون الخفوت في ضوء النجم الذي يسببه كوكب يحوي غلافاً جوياً، مختلفاً عن الخفوت الذي يسببه الكوكب الذي لا يحوي غلافاً جوياً. ذلك لأن الضوء سيخترق الغلاف الجوي، لكن الغازات ستمتص أطوال أمواج ضوئية معينة. فإذا نظر العلماء إلى ضوء النجم عند أطوال هذه الأمواج فقط، فسيخفت ضوء النجم ترابيست-١ أكثر.
وسيستغرق هذا وقتاً لتحويله إلى شيء مفهوم، لأن التلسكوب لا يلتقط إلا عدة فوتونات ضوئية كل ثانية.
هل يستطيع جيمس ويب معرفة تركيبة الغلاف الجوي إن وجد؟
قد تفلح الجهود في النهاية باكتشاف غلاف جوي على أحد هذه الكواكب، لكن ذلك لا يكفي لمعرفة طبيعة هذا الغلاف الجوي وتركيبته.
ويمكن أن يكون تلسكوب جيمس ويب قوياً بما يكفي في تحديد مكونات الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية، لأن كل نوع من أنواع الجزيئات فيه يمتص مجالاً معيناً من أطوال الأمواج الضوئية.
أما الصعوبة هنا أن هذه العملية تعتمد على طقس هذه الكواكب، فوجود غطاء عاكس من السحاب سيمنع دخول ضوء النجم إلى الغلاف الجوي للكوكب، بالتالي لن نتمكن من معرفة شيء.
لذا إذا ساعد الطقس العلماء، فسيكون أول ما يبحثون عنه في الغلاف الجوي هو الماء، فلكونه أساسي للحياة على الأرض، سيكون نقطة انطلاق جيدة للبحث عن الحياة هناك.
هل يعني الكشف عن الماء في الغلاف الجوي وجود الحياة؟
للأسف لا يعني وجود المياه في الغلاف الجوي بالضرورة وجود الحياة! فلمعرفة وجود الحياة يجب أن يرصد العلماء ما يسمى بصمة حيوية، أي وجود جزيء أو مجموعة من الجزيئات أنتجتها عناصر حية بشكل مستقل.
وما زال الجدل قائماً عن البصمة الحيوية التي يمكن الاعتماد عليها، فغلافنا الجوي فريد حيث يحوي الكثير من الأوكسجين الذي تنتج النباتات والطحالب القسم الأعظم منه، ولكن الأوكسجين يمكن أن ينتج دون وجود حياة! يحدث ذلك عند تفكك جزيئات الماء في الهواء. وأيضاً الميثان، يمكن أن تنتجه الأحياء، ولكن يمكن أن تنتجه البراكين أيضاً!
ومن المحتمل وجود تركيبة متوازنة معينة من الغازات لا يمكن الحصول عليها دون وجود عناصر حية تنتجها، وبهذا تقدم لنا بصمة حيوية واضحة.
لذا نحتاج ظروفاً مؤاتية، وحظاً كبيراً، فإيجاد تلسكوب جيمس ويب لهذا التوازن يتطلب رصده للكوكب على نحو متكرر وهو يمر من أمام النجم ترابيست-١.
لذا يشكك بعض العلماء باحتمال تمكن تلسكوب جيمس ويب من رصد تلك البصمة الحيوية خلال ه سنوات قادمة.
ويقول بعضهم بأن كشفها قد يتطلب انتظار الجيل القادم من التلسكوبات بعد عشر سنوات على الأقل، حيث ترصد هذه التلسكوبات ضوء النجم المنعكس عن هذه الكواكب أمام الخلفية السوداء للفضاء، بدلاً من رصدها وهي تعبر أمام النجم.
وفي كل الأحوال يبقى عمل تلسكوب جيمس ويب عملاً أساسياً ومهماً في الوصول إلى كل ذلك.
ملخص المقال
سيبدأ تلسكوب جيمس ويب الجبار برصد دقيق لكواكب خارجية تدور حول النجوم. حيث سيرصد أخفت ضوء يأتي منها، ثم يدرسها بعمق. ومنها الكواكب التي تدور حول النجم ترابيست-١. سيرصد تلسكوب ويب جيمس وجود الغلاف الجوي على تلك الكواكب بدراسة خفوت الضوء الذي تسببه عند مرورها أمام النجم. وسيحاول التلسكوب معرفة تركيبة أغلفتها الجوية إن وجدت، والبحث عن بصمة حيوية وهي الدليل على وجود حياة فيها. وقد يتطلب الجزم بإمكانية ذلك سنوات وفقاً للعلماء.