هل للكون حدود؟

هل للكون حدود؟
هل للكون حدود؟

يعرف العلماء أن الكون يتوسع، وأنه مستمر في تزايده. فإذا كان الكون يتوسع فعلاً كالبالون، فما الشيء الذي يتوسع ضمنه؟ أي ماذا يوجد خارج الكون؟
إن تحديد ما هو «خارج الكون» سيعني ضمناً أن للكون حدود. وهنا تصبح الأمور محيرة، فالعلماء غير متيقنين إن كان هذا الأمر موجوداً.

إن الإجابة على سؤالنا «هل للكون حدود؟» تعتمد على كيفية نظرنا إلى السؤال.

هل للكون حدود؟ أسئلة غامضة

أحد صيغ السؤال تقول: «هل يمكنك الذهاب إلى مكان ما يمكنك النظر منه إلى ما بعد حدود الكون؟»
أي بالطريقة التي ننظر بها من حافة جرف أو من النافذة إلى ما يقع خارج البناء؟
والإجابة على هذا الاستفسار بالطبع: لا على الأرجح.

أحد الأسباب يتضمن «المبدأ الكوني» وفق تعبير روبرت ماكني، وهو بروفسور في الفيزياء من جامعة لويولا في شيكاغو.
وينص المبدأ الكوني بأن توزيع المادة في أي جزء من الكون يبدو متماثلاً تقريباً. وذلك بغض النظر عن الجهة التي تنظر إليها. وهذا باصطلاحات العلماء يعني أن الكون موحد الخواص.
إن المبدأ الكوني في جزء منه نتيجة لفكرة أن قوانين الفيزياء واحدة في كل مكان. وهناك الكثير من الاختلاف المحلي، أي النجوم والمجرات والعناقيد وغيرها. لكن إذا أخذناها ضمن مساحات كبيرة من الفضاء، فلا مكان يختلف كثيراً عن الآخر.

وما يتضمنه هذا، هو أن لا وجود لـ «حدّ» للكون. يعني ذلك أن لا وجود لمكان ينتهي عنده الكون، ويمكن لنا أن ننظر منه إلى اتجاهات أخرى ونرى ماذا يوجد وراء هذه الحدود.

صورة للعنقود النجمي المغلق NGC 6397 من تلسكوب هابل.
صورة للعنقود النجمي المغلق NGC 6397
من تلسكوب هابل. يبعد عنا هذا العنقود ٧٢٠٠ سنة ضوئية، ويقدر عمره بـ ١٣.٥ مليار عام. حقوق الصورة: NASA, ESA, and H. Richer (University of British Columbia)

الكون الذي لا حدود له

من الأمثلة التي تستخدم لوصف الكون الذي لا حدود له هو سطح بالون. حيث يمكن لنملة موجودة على سطح هذا البالون أن تمشي في أي اتجاه. وسيبدو له أن السطح ليس له حدود. ويعني ذلك أن النملة قد تعود إلى حيث بدأت، ولكن لن يكون هناك نهاية لهذه الرحلة.

إذاً، مع أن سطح البالون فيه عدد منتهٍ من وحدات المساحة، لكن لا حدود له، ولا نهاية. وذلك لأنه يمكنك أن تمشي إلى الأبد في أي اتجاه. بالإضافة إلى ذلك، لا وجود لمركز. بالتالي، لا وجود لنقطة مفضلة على سطح البالون الكروي.
وفي الحقيقة، الكون نسخة ثلاثية الأبعاد لسطح هذا البالون.

 

هل الكون يتوسع كالبالون؟

قد يتساءل سائل: كيف للكون أن يتوسع إن كان لا حدّ أو نهاية له؟
دعونا نستخدم مثال البالون مجدداً. فإذا حدث وأضفنا المزيد من الهواء داخل البالون. عندها سترى النملة الأشياء الأخرى على سطح البالون بأنها تبتعد. وكلما زادت المسافة بين النملة وجسم ما، زادت سرعة ابتعاده.

ولكن بغض النظر عن مكان حركة النملة بسرعة على السطح، فإن السرعة التي تبتعد فيها هذه الأجسام ستتبع ذات العلاقات. أي أن النملة إذا وصلت إلى معادلات تصف مدى سرعة ابتعاد أبعد الأجسام، فإن هذه المعادلات ستعمل بنفس الطريقة في أي مكان على سطح البالون.

وبأي حال، عندما ننفخ البالون، فإنه يتوسع في فضاء ثلاثي الأبعاد. لكن المشكلة أن هذا لا ينطبق على الكون. فالكون بالتعريف يضم كل شيء، لذلك لا وجود لما يسمى خارجه.
ولطالما قال الفيزيائي ستيفن هوكينغ أن المسألة برمتها غير منطقية. وذلك لأنه إن جاء الكون من العدم، وأتى بكل شيء إلى الوجود، فإن سؤالنا ما الذي يقع خارح الكون أشبه بسؤالنا ما هو شمال القطب الشمالي.

انخفاض كثافة الكون أثناء توسعه

تقول الدكتورة في الفيزياء الفلكية من جامعة ميلبورن كاتي ماك في ذلك: من المفيد أن نفكر بأن الكون تنخفض كثافته بدلاً من كونه يتوسع فقط. أي أن تركيز المادة في الكون ينخفض أثناء توسعه.

وهذا لأن المجرات لا تتحرك مبتعدة عن بعضها البعض عبر الفضاء، بل إن الفضاء نفسه هو الذي يزداد حجمه.

إذاً فأي فضائيين قد يوجدون في مجرات يراها البشر، سيصلون إلى نفس النتيجة التي وصل إليها سكان الأرض. ألا وهي أن كل شيء يتحرك في جميع الاتجاهات، أما المجرة المحلية ساكنة.

ولأن الفضاء يتوسع، فمن الممكن للمجرات أن تبدو وكأنها تتحرك أسرع من الضوء. وذلك دون انتهاك النسبية. حيث أن النسبية تقول بأن لا شيء يمكنه السير أسرع من الضوء في الخلاء.

الكون المنظور والكون اللامحدود

يبلغ الحجم الفعلي للكون المنظور في جميع الاتجاهات  ٤٦ مليار سنة ضوئية. وذلك رغم أن الكون قد بدأ منذ ما يقارب ١٣.٨ مليار عام.

ولكن ذلك ما زالت تفرض حدود على حجم الكون  يمكن للبشر أن يروها، أو ما يسمى الكون المنظور. وكل شيء يتخطى نصف القطر هذا، أي ٤٦ مليار سنة ضوئية، غير مرئي لسكان الأرض، ولن يكون مرئياً أبداً. وذلك سببه أن المسافات بين الأجسام في الفضاء تستمر بالزيادة بمعدل أعلى من السرعة التي تصل بها حزم الضوء إلى الأرض.

ويأتي فوق ذلك كله، أن معدل التمدد لم يكن حتى الآن ثابتاً. فلجزء صغير من الثانية بعد الانفجار العظيم ، حدث توسع متسارع يسمى التضخم. تمدد خلالها الكون بخطى أسرع من توسعه اليوم. ولهذا السبب لن تكون مناطق الفضاء بكاملها منظورة من الأرض.

وبافتراض حدوث الانفجار العظيم، فإن الكون أكبر بـ ١٠^٣٣ مرة من الـ ٤٦ مليار سنة ضوئية التي يمكن للبشر رؤيتها.
لذلك، إذا كان للكون حد، فإنه بعيد جداً، لا يمكن لسكان الأرض رؤيته، ولن يروه أبداً.

هل الفضاء لا نهائي؟

المسألة الحالية التي نبدأ بها، هي ما إذا كان الكون منتهياً في الفضاء، وهذا ما يزال سؤالاً مفتوحاً.
أو قد يكون الكون ملتفاً حول نفسه في بعد أعلى، بالطريقة ذاتها التي يلتف بها سطح كرة ثنائي الأبعاد حول نفسه ضمن ثلاثة أبعاد.
والعامل الآخر هو ما إذا كان ظهر الكون إلى الوجود من لا شيء مطلقاً، من خلال تقلبات صغيرة في الخلاء. أو كما افترض هوكينغ وجيمس هارتل بما يسمى نظرية اللاحدود عدم وجود زمن قبل الانفجار العظيم. وبأن الزمكان نشأ مع الانفجار العظيم من نقطة متفردة، ولكن ليس له حدود.
فإذا كان أي منهما صحيحاً، فعندها يكون سؤالنا: ماذا أتى قبل الكون وماذا يقع خارج الكون؟ غير منطقي.

وهناك بالطبع محاولات مستمرة لحل هذه المسألة، أي فيما إذا كان الكون أشبه بكرة، تلتف حول نفسها. فإذا تحركتَ في اتجاه ستعود حتماً إلى نقطة بدايتك.
وذىك بأن نبحث عن نقاط متكررة في السماء. فهذا ما يبحث عنه الناس عند البحث عن دليل بأن الكون منتهٍ.

وقد يكون فضاؤنا فضاءً ثلاثي الأبعاد ضمن فضاء رباعي الأبعاد. فالكون له أربعة أبعاد يتفاعل معها البشر، ثلاثة منها مكانية، وبعد زمني. ولكن هذا قد يتضمن بأن هناك بعد  مكاني رابع.
وإذا وجد علماء الفلك مكانين على جانبين متقابلين من السماء، وكانا متطابقين، فهذا سيكون دليلاً قوياً أن الكون منحنٍ بتلك الطريقة.

وبصفة عامة، لا ضمانات رغم هذا. ففي حين تفترض نظريات كونية كنظرية الأوتار أبعاداً أعلى، فمعظمها سيكون ملتفاً وصغيراً. بينما سيتحتم على بعد الكون المكاني الإضافي أن يكون كبيراً.

كل هذا يعني بأنه إن كان هناك نهاية للكون، فالبشر لن يتمكنوا من رؤيته. وهناك احتمال حقيقي بأن الكون له شكل لا يمكن أن يكون له حدود بوجوده في الأساس.

ملخص المقال

يتساءل العلماء إن كان الكون يتوسع، فما الشيء الذي يتوسع ضمنه؟ وإذا كان هناك ما هو خارجه، فهذا يعني أن للكون حدود. ووفقاً للمبدأ الكوني لا يوجد حد للكون.

فعلى سبيل المثال، مع أن سطح البالون فيه عدد منتهٍ من وحدات المساحة، لكن لا حدود له، ولا نهاية.

وهنا يأتي سؤال آخر، كيف يتوسع الكون إن كان لا حد له؟ وهذا ما أجاب عنه هوكينغ بأنه سؤال غير منطقي. أما بعض الاتجاهات الأخرى فتبحث فيما إذا كان الكون ملتفاً ككرة، ضمن أبعاد أعلى. وذلك بالبحث عن نقاط متطابقة ومتكررة في السماء. وعلى أي حال، سواء أكان للكون نهاية، أم لم يكن له، فالبشر لن يتمكنوا من رؤيتها عند وجودها أبداً.

المصدر:

هنا