هل يمكن أن تدمر عاصفة شمسية الأرض يوماً ما؟

يتميز كوكبنا بأفضلية كبيرة في مواجهة الطقس الفضائي.

عاصفة شمسية
صورة لألسنة الشمس التقتطها ناسا عام ٢٠١٣ أثناء فترة نشاط شمسي مرتفع. حقوق الصورة: NASA Goddard

يدين كل ما على الأرض بوجوده لحرارة الشمس الإشعاعية. ولكن ماذا يحدث إذا خرج هذا الإشعاع الهائل عن السيطرة، واندفعت مليارات الأطنان من المواد الشمسية فجأة باتجاهنا بسرعة آلاف الكيلومترات في الثانية؟ وماذا يحدث إذا تلقت الأرض ضربة مباشرة من لهب شمسي، وهل يفضي أحدها إذا كان قوياً كفاية إلى النهاية؟ هل يمكن أن تدمر عاصفة شمسية الأرض يوماً ما؟

حماية الأرض من عواصف الشمس

إن الإجابات معقدة، ولكن معظم العلماء يتوافقون على شيء واحد. ألا وهو أن الحقل المغناطيسي الأرضي والغلاف الجوي العازل يبقي كوكبنا محمياً حماية عالية جداً. وذلك حتى من أكثر الاندفاعات الشمسية قوة.

ففي حين يمكن للعواصف الشمسية العبث بأنظمة الرادار والإشارات الراديوية، وتعطيل الأقمار الصناعية، فإن أكثر الإشعاعات أذية تمتصها السماء قبل أن تصل جلد الإنسان بكثير.

إننا نعيش على كوكب محمي بغلاف جوي ثخين يمكنه إيقاف كل الإشعاع المؤذي الناتج في اللهب الشمسي. وحتى في أكبر الأحداث التي رصدت خلال ١٠ آلاف سنة مضت، لا يبدو بأن تأثيرها كافٍ لتخريب الغلاف الجوي وفقداننا الحماية بذلك.

ومع هذا، ليست كل هذه التوهجات الشمسية بلا ضرر. فإذا كان الغلاف المغناطيسي للأرض يمنع الموت الجماعي بسبب الإشعاع الشمسي، فإن القوة الكهرومغناطيسية للتوهج الشمسي يمكن أن تعبث بشبكات الطاقة الكهربائية واتصالات الإنترنت وغيرها من أجهزة الاتصال على الأرض. ويفضي ذلك إلى الفوضى وحتى إلى الموت.

ويأخذ علماء طقس الفضاء في ناسا وغيرها من وكالات الفضاء هذا التهديد بعين الاعتبار. ويراقبون الشمس عن كثب من أجل نشاطات شمسية خطيرة محتملة الحدوث.

العواصف الشمسية
التوهجات الشمسية تتلوى في غلاف الشمس. حقوق الصورة: NASA/SDO

ما هي التوهجات الشمسية؟

تحدث التوهجات الشمسية عندما تصبح خطوط الحقل المغناطيسي للشمس متداخلة وملتوية. فتسبب تكون عواصف ه‍ائلة بحجم كوكب من الطاقة الكهرومغناطيسية على سطح الشمس.

ونستطيع رؤية هذه العواصف غلى هيئة بقع ضعيفة ومظلمة تعرف باسم البقع الشمسية. وحول هذه البقع الشمسية تتعرض تفرعات كثيرة وهائلة لخطوط الحقل المغناطيسي للالتواء والالتفاف والانقصاف المفاجئ أحياناً. معطية ومضات قوية من الطاقة أو التوهج الشمسي.

وتصدر معظم الطاقة الناجمة عن التوهج الشمسي على صورة أشعة فوق بنفسجية وأشعة إكس وضوء.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للطاقة الشديدة للتوهج الشمسي أن تسخن الغاز القريب في غلاف الشمس. مطلقة تجمعات هائلة من الجسيمات المشحونة والتي تعرف باسم المقذوفات الكتلية الإكليلية للشمس إلى الفضاء.

وإذا حدث وكانت بقعة شمسية متوهجة مقابلة للأرض، فإن أي مقذوفات كتلية إكليلية مندفعة باتجاهنا مباشرة، تصل كوكبنا عادة خلال وقت يتراوح بين ١٥ ساعة وعدة أيام.

المقذوفات الكتلية الإكليلية

وإذا كنت قد سمعت بالمقذوفات الكتلية الشمسية أم لم تسمع، فإن الشمس تصدر منها مابين مرة في الأسبوع إلى عدة منها خلال اليوم. وهذا يعتمد على موقعنا من الشمس خلال دورة نشاطها الممتدة لـ ١١ عاماً.

ووفقاً لناسا، تمر معظم هذه المقذوفات فوق كوكبنا دون أن نشعر بها إطلاقاً، والفضل في ذلك لغلاف الأرض المغناطيسي القوي.

وبالعموم، إن أكبر وأقوى المقذوفات الكتلية يمكن أن تضغط حقل الأرض المغناطيسي بالفعل أثناء عبورها، محدثة ما يعرف باسم العواصف الجيومغناطيسية.

تأثيرات شمسية أخرى

أثناء تدفق الطاقة الكهرومغناطيسية القادمة من الشمس إلى غلاف الأرض المغناطيسي، تصبح الذرات والجزيئات في غلاف الأرض الجوي مشحونة كهربائياً، محدثة تأثيرات يمكن رؤيتها حول العالم.

وأثناء مثل هذه العواصف، يمكن لأضواء الشفق الشمالي  التي ترى عادة قرب القطب الشمالي، أن تتجه نزولاً حتى يمكن رؤيتها قرب خط الاستواء.

أما أنظمة الرادار والراديو فيمكن أن تخرج عن الخدمة، ويمكن أن يزيد حمل الشبكات الكهربائية وتخسر الطاقة.
ويتخوف بعض العلماء أن تؤدي كمية كافية من المقذوفات الكتلية الشمسية إلى نهاية الإنترنت تماماً. وذلك عن طريق زيادة الحمل على كابلات الإنترنت تحت سطح المحيط، وقطع الإنترنت عن العالم لأسابيع أو أشهر، مع أن ذلك لم يحدث حتى اليوم.

كما أن الأقمار الصناعية ومحطات الفضاء التي تدور دون حماية غلاف الأرض الجوي، يمكن أيضاً أن تضعف عند مرورها بالمقذوفات الكتلية الشمسية.

هل هناك أحداث سابقة سببتها الشمس؟

مع هذا، فحتى أقوى العواصف الجيومغناطيسية التي سجلها التاريخ، وهي حدث كارينغتون ١٨٥٩، لم يكن له تأثير ملحوظ على صحة الإنسان والحياة على الأرض. وحتى لو ضربت عواصف شمسية أقوى الأرض قبل ذلك، فلا وجود لدليل بأنها أثرت على صحة الإنسان أيضاً.

وعلى أي حال، ليس للتوهجات الشمسية تأثير هام علينا هنا في الأرض. فإذاً ما نوع التدفقات التي يجب أن تضرب الأرض لتمحي وجودنا؟

لا أحد يعلم الإجابة، ولكن من الواضح بأننا لم نشهد أي حدث شمسي كبير بما يكفي لوجود أي آثار يمكن قياسها على صحة الإنسان.

تأثيرات النجوم الأخرى

قد لا يحمل نجمنا القريب أي تهديد بالانقراض، ولكن يعتقد العلماء أن النجوم القريبة الأخرى يمكن أن تهددنا.

فعندما ينفد وقود نجم ما يفنى، وينفجر على هيئة مستعر أعظم هائل مصدراً إشعاعات قوية في الفضاء المحيط به لمسافة ملايين السنين الضوئية.

وهذه الانفجارات أقوى بأضعاف من التوهج الشمسي.

ولو حدث مثل هذا الانفجار الشمسي بقرب كافٍ من الأرض، فإن النجم المحتضر يمكن أن يغرق كوكبنا بكثير من الأشعة فوق البنفسجية التي ستمزق طبقة الأوزون الحامية للكوكب، جاعلة الأرض ضعيفة أمام وابل من الجسيمات بين النجمية.

ويعتقد مؤلفو دراسة نشرت في آب ٢٠٢٠ موت نجم على بعد ٦٥ سنة ضوئية عن الأرض منذ ٣٥٩ مليون سنة تقريباً.

ونتيجة لذلك حدث انقراض جماعي في نهاية هذه الفترة، أدى إلى فناء ٧٠٪ من الفقاريات الموجودة على الأرض.

وقد أظهر فحص للأبواغ التي تعود إلى فترة الانقراض تلك علامات تدل على تخرب بالأشعة فوق البنفسجية، مما يشير إلى أن انفجار النجم أدى لهذا الانقراض.

ولحسن الحظ، لا يوجد مستعرات عظمى قريبة من الأرض ومرشحة لخلق مثل هذا التهديد بأي وقت قريب وفق ما أكد مؤلفو الدراسة.
وما لدينا لنقلق بشأنه هو نجمنا الوحيد. وغلافنا الجوي يضمن لنا بقاءنا في أمن منه.

ملخص المقال

يدين كل ما على الأرض بوجوده للشمس، ولكن ماذا إذا خرج إشعاعها وطاقتها الهائلين عن السيطرة؟ هل يمكن أن تدمر عاصفة شمسية الأرض يوماً ما؟

الإجابة معقدة، لكن غلافنا الجوي والغلاف المغناطيسي يحميان الأرض تماماً. وقد تؤثر بعض العواصف الشمسية على الأقمار الصناعية أو أنظمة الاتصالات لكنها لا تؤثر على البشر.

أما عن عواصف الشمس فإنها ترى على هيئة بقع، ويصدر عن الشمس أشعة فوق بنفسجية وأشعة إكس وضوء، بالإضافة إلى المقذوفات الإكليلية الشمسية، وهذه الأخيرة يحمينا منها غلافنا المغناطيسي.

ومن التأثيرات الأخرى حدوث الشفق القطبي.
وفي النهاية لم يذكر التاريخ أي حدث شمسي أثر على صحة الإنسان وهدد وجوده، لكن انفجار النجوم الأخرى قد يؤثر. ولحسن الحظ لا يوجد منها ما هو قريب، إلا شمسنا ونحن بمأمن منها.

المصدر

هنا