٥ أشياء غريبة تحدث في الفضاء الخارجي

لا يحتاج الأمر عالم فضاء ليعرف أن الفضاء غريب الأطوار. ولكن مدى غرابته هو ما سيدهشك. حيث يسيطر على الفضاء قوى كهرومغناطيسية غير مرئية ولا نشعر بها في العادة. كما أنه مملوء بنوع عجيب من المادة لم نعهد مثلها على الأرض. إليك ٥ أشياء غريبة تحدث في الفضاء الخارجي فقط!

١- البلازما

بلازما الشمس أغرب ما في الفضاء
صورة متحركة للمقذوفات الإكليلية الكتلية الشمسية، وهي انفجارات بلازما من سطح الشمس. التقتطها مهمة سوهو التابعة لوكالة الفضاء الأوربية وناسا. حقوق الصورة المتحركة: ESA/NASA/SOHO

تأخذ المادة على الأرض عادة حالة من ثلاث حالات وهي السائلة والصلبة والغازية. لكن في الفضاء ينتمي ٩٩.٩٪ من مادته إلى نوع آخر وهو البلازما. وتتكون من أيونات وإلكترونات طليقة  وهذه المادة في الحالة فائقة الشحنة تلي مرحلة الغاز، وتنشأ عند تسخين المادة إلى درجات قصوى، أو أن يمرر فيها تيار كهربائي قوي.

ومع أننا لا نتعامل كثيراً مع البلازما فإننا نراها دوماً. فكل نجوم السماء، ومن بينها الشمس مكونة من البلازما بمعظمها. كما تظهر أيضاً على الأرض أحياناً بشكل برق وأيضاً في لافتات النيون.

وبالمقارنة مع الغاز الذي يمكن للجزيئات المفردة فيه أن تتحرك بسرعة وعشوائية، فإن البلازما يمكنها أن تسلك سلوكاً جماعياً كالفريق. كما أنها تنقل الكهرباء وتتأثر بالحقول الكهرومغناطيسية في نفس الوقت، والتي تعمل بفعل ذات القوة التي تبقى على المغناطيسات على ثلاجتك.

ويمكن لهذه الحقول التحكم بحركات الجزيئات المشحونة في البلازما وتكوين موجات تعمل على تسريع الجزيئات إلى سرعات هائلة.

إن الفضاء مليء بهذه الحقول المغناطيسية الخفية والتي تشكل مسارات البلازما. وذات الحقل المغناطيسي حول الأرض الذي يجعل إبرة البوصلة تشير باتجاه الشمال يوجه البلازما في الفضاء حول كوكبنا.

أما على الشمس فتطلق الحقول المغنطيسية توهجات شمسية وتوجه اندفاعات من البلازما، تعرف باسم الرياح الشمسية، وهي تنتقل عبر النظام الشمسي. وعندما تصل الرياح الشمسية الأرض، يمكن أن تثير عمليات طاقية، كالشفق القطبي وطقس الفضاء القوي بما يكفي لتخريب الأقمار الصناعية والاتصالات عن بعد.

٢- درجات حرارة قاسية

تمر الأرض بمدى حراري واسع بين سيبيريا شمالاً والصحراء الكبرى. وتشير التقديرات إلى فرق يتراوح بين ٥٧ درجة مئوية و – ٨٩ درجة مئوية.

ومع هذا، يمكننا أن نعد ما هو درجات حرارة قاسية في الأرض درجات متوسطة في الفضاء.

فالكواكب بدون غلاف جوي عازل، تتقلب درجات الحرارة فيها بشدة بين الليل والنهار. فالنهار على عطارد مثلاً تبلغ درجة حرارته ٤٤٩ درجة مئوية، وتهبط في الليل إلى – ١٧١ درجة مئوية.

والمركبات الفضائية ذاتها، يتعرض بعضها لفروق حرارية بين الجانب المضاء من الشمس والجانب غير المضاء وتبلغ ٣٣ درجة مئوية. وهذا يماثل وجود كأس ماء في الجانب غير المضاء من الشمس وتجمده ولو كان ذلك في يوم صيفي حار.

أما مسبار باركر الشمسي التابع لناسا فإنه سيتعرض عند أقرب مسافة له من الشمس لفروق حرارية تزيد عن ٢٠٠٠ درجة!

وبالطبع فإن الأقمار الصناعية والمعدات التي ترسلها ناسا مصممة بعناية لتحمل هذه الدرجات القاسية. فمثلاً يقضي مرصد ديناميكا الشمس التابع لناسا معظم وقته في ضوء الشمس المباشر، ولكن مداره يمر في ظل الأرض عدة مرات في السنة.

وخلال هذا الاقتران الكوني الذي يعرف بالاحتجاب الشمسي، تنخفض درجة حرارة الألواح الشمسية المقابلة للشمس بمقدار ١٥٨ درجة مئوية. وأثناء ذلك تعمل السخانات في داخلها لإبقاء الدارات الإلكترونية والمعدات في حالة عمل، حيث تسمح بانخفاض بمقدار نصف درجة فقط.

وعلى شاكلة ذلك، تصمم البذات الفضائية لاحتمال درجات الحرارة هذه، والتي تتراوح بين -١٥٧ درجة مئوية و ١٢١ درجة مئوية. ويكون لون البذة بيضاء لكي تعكس ضوء الشمس أثناء إشراقها. كما تتوزع فيها سخانات لإبقاء رائد الفضاء دافئاً في الظلام.

كما أنها مصممة أيضاً لتوفير ضغط ثابت بالإضافة إلى الأوكسجين، ومقاومة الضرر الذي تسببه دقائق المذنبات الصغيرة وأشعة الشمس فوق البنفسجية.

مسبار باركر الشمسي
نموذج متحرك لمسبار باركر الشمسي يمر قرب الشمس. حقوق الصورة: NASA’s Goddard Space Flight Center/Scientific Visualization Studio

٣- الكيمياء الكونية

تدمج الشمس في كل ثانية ٦٠٠ مليون طن متري متري من الهدروجين. ويعادل هذا كتلة ١٠٢ هرم من مثل الهرم الأكبر في الجيزة، و١٨١٢ من مبنى إمباير ستيت، و كل السمك في البحار وفق التقديرات.

اندماج نووي في الشمس
الاندماج النووي عملية تنسحق فيها عناصر خفيفة تحت ضغط هائل لإعطاء عناصر جديدة أثقل  حقوق الصورة المتحركة: NASA’s Goddard Space Flight Center/CILab

في هذه اللحظة تضغط الشمس الهدروجين محولة إياه إلى هيليوم في لبها. تسمى هذه العملية التي تضم الذرات مع بعضها تحت تأثير ضغط هائل وحرارة عالية الاندماج النووي، وتتكون منه عناصر جديدة.

فعندما نشأ الكون احتوى بشكل أساسي على الهيدروجين والهيليوم، بالإضافة إلى مقدار ضئيل من عدة عناصر خفيفة أخرى. وقد زود الاندماج النووي في النجوم والمستعرات العظمى الكون بأكثر من ٨٠٪ من العناصر، بعضها جعل الحياة ممكنة.

الشمس وغيرها من النجوم آلات دمج ممتازة. فالشمس تدمج في كل ثانية ٦٠٠ مليون طن متري من الهدروجين تقريباً، ويعادل هذا كتلة ١٠٢ هرم من مثل الهرم الأكبر في الجيزة!

إلى جانب تكوين هذه العناصر الجديدة، يطلق هذا الاندماج كميات هائلة من الطاقة وجسيمات الضوء المسماة فوتونات.
وتستغرق هذه الفوتونات ٢٥٠ ألف سنة لتشق طريقها مسافة ٧٠٠ ألف كيلو متر لتنتقل من لب الشمس إلى سطحها.
وبعد ذلك يستغرق الضوء ٨ دقائق فقط ليقطع مسافة ١٥٠ مليون كيلو متر إلى الأرض.

أما الانشطار النووي، فهو التفاعل النووي المعاكس للاندماج، والذي يشطر العناصر الثقيلة إلى عناصر أصغر. وقد أثبت مخبرياً في الثلاثينيات من القرن المنصرم ويستخدم اليوم في معامل الطاقة النووية. ويمكن للطاقة المتحررة من تفاعل الانشطار أن تولد انفجاراً عنيفاً.

ولكن بالنسبة لكتلة معينة، فإنها أقل بعدة مرات من الطاقة التي ينتجها تفاعل الاندماج. وعلى أي حال، لم يتمكن العلماء من الوصول إلى طريقة للتحكم بالبلازما لإنتاج الطاقة من تفاعلات الاندماج.

٤- الانفجارات المغناطيسية

خطوط الحقل المغناطيسي
تحدث انفجارات كبيرة دائمة في الفضاء المحيط بالأرض، وهي ناجمة عن خطوط حقل مغناطيسي منحنية، تنقطع فجأة ثم تعود لمحاذاة بعضها، مطلقة جسيمات عبر الفضاء. حقوق الصورة المتحركة: NASA’s Goddard Space Flight Center/CILab

يهدر الفضاء المحيط بالأرض كل يوم بانفجارات ضخمة. فعندما تصطدم الرياح الشمسية، وهي تيار من الجسيمات المشحونة القادمة من الشمس، بالغلاف المغناطيسي المحيط والحامي للأرض، تؤدي لتداخل الحقول المغناطيسية للشمس والأرض.

وفي النهاية تنقطع خطوط الحقل المغناطيسي ثم تعود لمحاذاة بعضها، لتطلق إلى الفضاء القريب جسيمات مشحونة. يسمى هذا الحدث الانفجاري بإعادة الاتصال المغناطيسي.

وفي حين لا نستطيع رؤية إعادة الاتصال المغناطيسي بأعيننا المجردة، فأننا نستطيع رؤية آثارها. وأحياناً تهبط بعض هذه الجسمات الهائمة في أعلى الغلاف الجوي وتؤدي إلى الشفق القطبي.

تحدث إعادة الاتصال المغناطيسي هذه في كل الكون أينما وجد حقول مغناطيسية منحنية.

وتدرس بعض مهمات ناسا أحداث إعادة الاتصال هذه حول الأرض وتقيسها. ويساعد هذا العلماء في فهم هذه الظاهرة حيث يصعب دراستها في توهجات الشمس والمناطق المحيطة بالثقوب السوداء، وحول النجوم الأخرى.

٥- صدمات فوق صوتية

من الطرق السهلة لنقل الطاقة على الأرض أن تدفع شيئاً ما. وهذا يحدث غالباً من خلال التصادمات، كما يحدث عندما تجعل الرياح الأشجار تتأرجح. ولكن في الفضاء الخارجي، يمكن للجسيمات نقل الطاقة دون التماس حتى. ويحدث هذا الانتقال الغريب للطاقة في بنى خفية تعرف بالصدمات.

تنتقل الطاقة في الصدمات عن طريق أمواج البلازما والحقول الكهربائية والمغناطيسية. تخيل سرباً من الطيور مع بعضها، فإذا نشطت ريح من الخلف ودفعت الطيور، فإنها ستطير أسرع مع أن لا شيء يبدو بأنه يدفعها للأمام. وتسلك الجسيمات ذات السلوك بدرجة كبيرة عندما تواجه فجأة حقلاً مغناطيسياً.
فيمكن للحقل المغنطيسي أن يعطيها حقيقة دفعة مقوية للأمام.

ويمكن أن تتشكل موجات الصدمة عندما تتحرك الأشياء بسرعة فوق صوتية، أي أسرع من الصوت  فإذا تلاقى اندفاع فوق صوتي بجسم ساكن، فإنه يولد ما يسمى الصدمة القوسية. ولا يختلف ذلك كثيراً عن الموجة المقوسة التي تنشأ عند مقدم قارب يرسو في مجرى ماء سريع.

وينشأ مثل قوس الصدمة هذه من الرياح الشمسية عندما تصطدم بحقل الأرض المغناطيسي.

وتظهر الصدمات في مناطق أخرى من الفضاء كالمناطق المحيطة بالمستعرات العظمى النشطة التي تقذف سحباً من البلازما. وفي حالات نادرة، يمكن أن تنشأ الصدمات مؤقتاً على الأرض. وذلك عندما تتحرك الرصاصة أو الطائرة بسرعة أعلى من سرعة الصوت.

كل هذه الظواهر الغريبة الخمسة شائعة في الفضاء. ومع أن بعضها يمكن إنشاؤه في المختبرات، فإن رؤيتها على الأرض تحت الظروف الطبيعية نادر.
وتدرس ناسا وعلماؤها هذه الظواهر في الفضاء ويحللون خصائصها، ويقدمون رؤى جديدة عن الفيزياء الكامنة التي يسير الكون وفقها.

ملخص المقال

كلنا نعلم أن الفضاء غريب الأطوار. ولكن مدى غرابته هو ما سيدهشك. حيث يسيطر على الفضاء قوى كهرومغناطيسية غير مرئية ولا نشعر بها في العادة. كما أنه مملوء بنوع عجيب من المادة لم نعهد مثلها على الأرض. يتحدث المقال عن ٥ أشياء غريبة تحدث في الفضاء الخارجي، وهي:

  • البلازما
  • درجات الحرارة القاسية
  • الاندماج والانشطار النووي
  • الانفجارات المغناطيسية
  • الصدمات فوق الصوتية

مصدر المقال

ناسا