٥ تجارب فضائية مثيرة للاهتمام

الفضاء والعلم مرتبطان ارتباطاً معقداً. لذلك جرى خلال أول عقدين من عمليات محطة الفضاء الدولية ما يزيد عن ٣٠٠٠ تجربة علمية على متنها. وهذا عدد عادي.

فقد أجريت تجارب علمية متنوعة على متن محطات مدارية سابقة، وخلال رحلات المكوكات والمركبات الفضائية على حد سواء.

ولا ننسى الأقمار الاصطناعية والعلمية العديدة التي تطلق دورياً إلى الفضاء لاحتبار تقنيات ومواد جديدة واعدة بالطبع.

وفي هذا المقال سنحدثكم عن ٥ تجارب فضائية مثيرة للاهتمام، وعن تنوع الأبحاث الفضائية.

١- طبقة أيونوسفير اصطناعية حول الأرض

في أشد سنوات الحرب الباردة تخوّف الجيش الأمريكي من أن يحدث انقطاع في أنظمة الاتصالات الموجودة جميعها خلال الصراع.

وكان الحل المقترح للمشكلة إنشاء طبقة أيونوسفير اصطناعية حول الأرض يمكن إرسال الإشارات الراديوية عبرها حتى لو كان ذلك في خضم حرب نووية.

وفي ٩ أيار/ مايو ١٩٦٣ اختبر هذا المفهوم النظري عملياً. إذ رمى قمر اصطناعي أمريكي ٤٨٠ مليون إبرة نحاسية في الفضاء، طولها ١.٧٨ سم، وقطرها ٢٥.٤ ميكرومتر.
وكان يفترض أن تقوم بدور هوائيات لتكرار الإشارة بصورة مصغرة. وقد وزعت في المدار لتكون بشكل أساسي حلقة حول الأرض.

وكانت التجربة ناجحة في الحقيقة، فقد أظهرت اختبارات لاحقة أنه كان بالفعل ممكنا القيام بالاتصالات الراديوية من خلال نثر إبر نحاسية في المدار.

ولكن مع التقدم السريع للأقمار الاصطناعية الخاصة بالاتصالات، ومع ظهور الشبكات الحاسوبية التي وفرت للجيش وسائل موثوقة ويعتمد عليها للاتصال انتفت الحاجة لهذه الإبر إلى الأبد.

أما بخصوض هذه الإبر التي رميت عام ١٩٦٣، فبعضها احترق في الغلاف الجوي، وما يزال البعض منها يدور حتى يومنا هذا.

٢- طباعة ثلاثية الأبعاد في الفضاء

أجريت التجربة عام ٢٠١٤ على متن محطة الفضاء الدولية، وقد لا تبدو تجرية مثيرة كغيرها في هذا المقال. ولكن لها نتائج بعيدة المدى. ففي ذلك اليوم طبعت طابعة ثلاثية الأبعاد بعض التفاصيل للمرة الأولى في الفضاء.

وقد كان الاستخدام الناجح للطباعة ثلاثية الأبعاد هذا حجر الأساس لعصر جديد في اكتشاف الفضاء.

والسبب في ذلك أن رواد الفضاء يمكنهم الآن إنشاء الأدوات والمواد التي يحتاجون إليها في الفضاء دون الحاجة لانتظار المركبة التي تحمل المؤن والتجهيزات من الأرض.

وفي بداية ٢٠١٦ أطلق مركز طباعة ثلاثي الأبعاد فعلي على محطة الفضاء الدولية، وقد استخدمه الطاقم لطباعة عدة مئات من الأدوات والأجهزة والمكونات.

وخلال عام ٢٠٢٣ سترسل أول طابعة معدن ثلاثية الأبعاد إلى محطة الفضاء الدولية.
وتأمل شركة إيرباص أنها بمساعدة هذه الطابعة ستبدأ إنتاج مكونات الأقمار الاصطناعية في المدار مباشرة.

وبالطبع لا تقتصر إمكانيات الطباعة ثلاثية الأبعاد على هذا فحسب، إنما يمكنها أن تسمح في المستقبل لمن سيستعمر القمر أو المريخ من طباعة المكونات التي يحتاجونها لبناء مستعمرات لهم مباشرة هناك. وذلك باستخدام أتربة هذه الكواكب السطحية مواداً أولية. وهذه العملية ستخفف تكاليف بناءها جداً وتبسط عمليات التزويد والدعم بصفة عامة.

٣- سنة في الفضاء

من أهم أولويات علوم الفضاء دراسة تأثيرات الإقامة الطويلة في الفضاء على جسم الإنسان.
وقد أجريت خلال ٦٠ سنة عشرات التجارب على هذا الموضوع، وسجلت أرقاماً مذهلة. فمثلاً أمضى رائد الفضاء الروسي سيرجي بولياكوف ٤٣٧ يوماً في المدار.

ولكن تجربة ناسا «عام في الفضاء» تبرز من بين غيرها. فميزتها الفريدة أن رائد الفضاء سكوت كيلي له أخ توأم وهو مارك، وقد قام بعدة طلعات إلى الفضاء، وهذه حالة غير مسبوقة في عالم رواد الفضاء، وقدم هذا الظرف للعلماء فرصة فريدة.

فبفضل الهوية الجينية والحالة الجسدية المتشابهة بين التوأم، فقد كان باستطاعة العلماء أن يقيموا تأثير البقاء لفترة طويلة في الفضاء على جسم الإنسان.

وفي الفترة الممتدة بين عامي ٢٠١٥ و٢٠١٦ قضى سكوت كيلي ٣٤٠ يوماً في محطة الفضاء الدولية، وبقي توأمه مارك على الأرض، وجرت عليه الاختبارات ذاتها التي أجريت على أخيه.

فبعد عودة سكوت إلى الأرض أجريت له فحوصات واختبارات طبية شاملة، ونشىرت النتائج عام ٢٠١٩.

ووجد العلماء مجموعة من التغييرات في جسم سكوت مقارنة بأخيه، ومنها تدهور ملحوظ في الرؤية وخسارة في الوزن وزيادة تكرار الطفرات في الحمض النووي.
وهذه البيانات ستكون ذات فائدة كبيرة في التحضير لأول مهمة مأهولة إلى المريخ.

٤- أول نبات على القمر

في ٣ يناير ٢٠١٩ غدت المركبة تشانج آه ٤ أول مركبة في التاريخ تهبط هبوطاً آمناً في الجانب البعيد المظلم من القمر. وهذا لم يكن الشيء الوحيد الذي كانت رائدة فيه، فقد كانت تحمل على متنها عبوة مصممة لإنشاء نظام حيوي مغلق بداخلها.

وكان داخل هذه العبوة تربة وهواء وماء ونظام تزويد بالمغذيات، بالإضافة لبذور من عدة أنواع نباتية، وفطر الخميرة وبيوض ذبابة الندى.

وكان الهدف من التجربة اختبار إمكانية نمو البذور والحشرات في بيئة القمر منخفضة الجاذبية وذات المستوى الأعلى من الإشعاع.

ونجاح التجربة سيكون خبراً جيداً لمصممي المستعمرات القمرية المستقبلية. لأن هذا يعني أنهم سيتمكنون من زراعة النباتات وأن يزودوا أنفسهم ببعض المنتجات الأساسية على نحو مستقل.

وفي ٧ يناير نقلت الكاميرا المثبتة داخل العبوة صورة مشجعة تظهر برعم قطن، وأصبحت بذلك أول نبتة أرضية تتبرعم على جرم فضائي آخر.

ولسوء الحظ بعد عدة أيام من التجربة انتهت. إذ أن مكان هبوط المركبة كان الوقت فيه ليلاً ولم تزود العبوة بنظام حراري. ومع هذا، قدمت لنا التجربة نتيجة واعدة، إذ أثبتت إمكانية إنشاء بيوت زجاجية على القمر لزرع النبات.

٥- الأشجار القمرية

في حين تبرعمت أول نبتة أرضية على القمر، يمكنك أن تجد على الأرض نباتات زارت القمر يوماً ما. ففي عام ١٩٧١، أخذ رائد الفضاء في مهمة أبولو ١٤ ستوارت روزا ٥٠٠ بذرة لخمس أنواع نباتية معه.

وهي الصنوبر اللباني والدُّلب الغربي والميعة السائلة والسكويا وتَنُّوب دوغلاس.
وقد قضت ٤٢ ساعة في المدار القمري، وأعيدت بعدها إلى الأرض. ثم سلمت إلى مشاتل لاستنباتها.

وقد أعطت وفقاً لمصادر عدة ٤٢٠ إلى ٤٥٠ نبتة. زرع بعضها مع عينات ضابطة لم تغادر الأرض لمقارنتها. ولم يجد العلماء أية فروق ملحوظة بينها بعد عدة عقود.

وقد جرى التبرع للقسم الأكبر من هذه الأشجار إلى ولايات وجامعات ومراكز أبحاث أمريكية عديدة ولدول أخرى. مات بعضها لتقدمها في عمرها أو بسبب أمراض أو ظروف جوية قاسية، وبعضها ما يزال حتى الآن. ولم تكمل ناسا لسبب أو لآخر متابعة مستقبل هذه الأشجار، لذا تقوم عدة مجموعات متحمسة للأمر بذلك.

وما يثير الفضول أن ناسا أعلنت عام ٢٠٢٢ إحياء برنامج الأشجار القمرية على متن المركبة أوريون التي ستحلق حول القمر ضمن برنامج أرتيميس وسيكون على متنها آلاف البذور لنفس الأنواع التي ذهبت في بعثة أبولو ١٤.

ملخص المقال

الفضاء والعلم مرتبطان ارتباطاً معقداً. لذا أجري خلال أول عقدين من عمليات محطة الفضاء الدولية ما يزيد عن ٣٠٠٠ تجربة علمية. وجرت تجارب في غيرها أيضاً.

نحدثكم في هذا المقال عن ٥ تجارب فضائية مثيرة للاهتمام، وهي:

• طبقة الأيونوسفير الاصطناعية حول الأرض
• الطباعة ثلاثية الأبعاد في الفضاء
• قضاء سنة في الفضاء
• نمو أول نبات على القمر
• الأشجار القمرية

المصدر

هنا