كم تبلغ ضخامة الكون؟
كم تبلغ ضخامة الكون من حولنا؟ لعل ما يمكننا رصده يعطينا الإجابة. ولكنه على الأرجح أكبر من ذلك بكثير.
كم تبلغ ضخامة الكون؟ إنه أحد أهم أسئلة علم الفضاء. طبعاً يمكننا تقدير قطر الكون عن طريق البحث عن أبعد نقطة يمكن رصدها، أي أقدم نقطة يمكن رصدها بالنظر إلى سرعة الضوء.
يمكن لعلماء الفلك بفضل التكنلوجيا الحديثة رصد اللحظات التي عقبت الانفجار العظيم. وقد يخيل أن هذا يتضمن بأن الكون بأسره ضمن مجال رؤيتنا. ولكن حجم الكون يعتمد على عدد من الأشياء، من بينها شكله وتوسعه.
ونتيجة لذلك، يمكن للعلماء أن يضعوا تقديرات عن حجم الكون، لكنهم لا يستطيعون إعطاءنا أرقاماً محددة.
الكون المرئي
في عام ٢٠١٣، أطلق مرصد بلانك الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأوربية، أدق خريطة لأقدم ضوء في الكون وأكثرها تفصيلاً. وقد بينت الخريطة أن عمر الكون يبلغ ١٣.٨ مليار عام. علاوة على ذلك، احتسب مرصد بلانك عمر الكون. وذلك عن طريق دراسة أشعة الخلفية الكونية الميكروية.
يقول تشارلز لورينس، وهو عالم أمريكي: «إن ضوء الخلفية الكونية الميكروي مسافر من مسافة بعيدة وزمن بعيد. وعندما يصل إلينا، يخبرنا بالكثير عن كامل تاريخ الكون».
وبسبب الارتباط بين المسافة وسرعة الضوء، يمكن للعلماء إلقاء نظرة على منطقة من الفضاء. تقع على بعد ١٣.٨ سنة ضوئية عنا. والعلماء على الأرض في هذا أشبه بسفينة في محيط فارغ. يمكنهم توجيه تلسكوباتهم للنظر مسافة ١٣.٨ مليار سنة ضوئية في جميع الاتجاهات. وهذا بالطبع يضع الأرض داخل كون كروي مرئي، ويبلغ نصف قطره ١٣.٨ مليار سنة. وعبارة «مرئي» عبارة مفتاحية. فالكرة الكونية هي الحدود التي يرى العلماء إليها، ولكنها ليست ما هو موجود فقط.
وعلى الرغم من أن هذه الكرة يبدو أن قطرها ٢٨ مليار سنة ضوئية، فهي أكبر من ذلك بكثير. فالكون مستمر بالتوسع كما هو معروف لدى العلماء. وفي الواقع، حين يرى العلماء بقعة على بعد ١٣.٨ مليار سنة ضوئية عن الأرض؛ أي في وقت الانفجار العظيم، فإن الكون استمر بالتوسع خلال عمره منذ ذلك الحين. وإذا كان هذا التضخم قد جرى على وتيرة ثابتة خلال عمر الكون، هذا يعني أن ذات البقعة تقع على بعد ٤٦ مليار سنة ضوئية اليوم. ما يجعل قطر الكون المرئي يقارب ٩٢ مليار سنة ضوئية.
معدل توسع متفاوت
هذه التقديرات قد تتعقد أكثر بوجود احتمالية بأن الكون لا يتمدد بوتيرة ثابتة. وقد أشارت دراسة لوكالة الفضاء الأوربية عام ٢٠٢٠ بأن الكون لا يتوسع بالمعدل نفسه بكل الاتجاهات!
حيث قامت الدراسة بقياس درجات حرارة أشعة إكس لمئات من عناقيد المجرات، وقارنوها بسطوعها. فظهرت بعض المجرات بأنها أقل سطوعاً من المتوقع. وأشار هذا بالتالي إلى أنها لا تتحرك بالسرعة ذاتها. وقالت وكالة الفضاء الأوربية فيما بعد، إن الطاقة المظلمة الغامضة قد تكون سبب التأثير غير المتساوي هذا على التمدد الكوني.
إذا تخيلنا وضع كرة في موقع الأرض في الفضاء، قد يخيل لنا أن البشر في مركز الكون. ولكن هذا الأمر كتلك السفينة في المحيط، لا نستطيع أن نحدد أين موقعنا في هذا الامتداد الكوني الهائل. فعدم رؤيتنا لليابسة لا يعني أننا في وسط المحيط. وكذلك عدم رؤيتنا لحواف الكون لا يعني بأننا في وسط الكون.
قياس الكون
يمكن للعلماء أن يقيسوا حجم الكون بعدد كبير من الطرق. فيمكنهم قياس الأمواج القادمة من الكون المبكر، والتي تعرف باسم الذبذبات الصوتية الباريونية. وتملأ هذه الذبذبات الخلفية الكونية المكروية. يمكن للعلماء أيضاً أن يستخدموا الشموع القياسية، مثل المستعرات العظمى من النمط ١. وذلك لقياس المسافات. وعلى أي حال، تزودنا طرق القياسات هذه بإجابات.
ومن الأمور الغامضة أيضاً هو كيفية تغير التضخم الكوني. فبينما يأتي تقديرنا لقطر الكون بـ ٩٢ مليار سنة ضوئية من فكرة ثبات معدل التضخم، يعتقد بعض العلماء بأن هذا المعدل يتباطأ. فإذا تمدد الكون بسرعة الضوء خلال التضخم، فيجب أن يكون قطره ١٠^٢٣ أو ١٠٠ سيكستيليون. ومن بين التفسيرات التي طرحتها ناسا عام ٢٠١٩، هو أن أحداث الطاقة المظلمة قد تكون أثرت على تمدد الكون. ذلك في اللحظات التالية للانفجار العظيم.
وبدلاً من أخذ فريق من جامعة أوكسفورد لطريقة قياس واحدة، قاموا بتحليل إحصائي لكل النتائج. وقد وجدوا بأن الكون أكبر من الكون الذي يمكننا رصده بـ ٢٥٠ مرة على الأقل. أو على الأقل قطره ٧ تريليون سنة ضوئية.
وهذا طبعاً هائل، لكنه محدد أكثر بكثير من النماذج الأخرى.
شكل الكون
يعتمد حجم الكون بدرجة كبيرة على شكله. وقد وضع العلماء احتمال أن يكون الكون مغلق ككرة. أو منحنى سالب لا نهائي كالسرج، أو مسطحاً ولانهائياً.
في حالة الكون الكروي، يكون الكون محدوداً، وله حجم محدد يمكن قياسه. ولكن الكون اللانهائي ليس له حجم بالتأكيد.
ووفقاً لناسا، يعتقد العلماء بأن الكون مسطح مع هامش خطأ ٠.٤ ٪، وهذا عام ٢٠١٣. وذلك يمكن أن يغير فهمنا عن مدى ضخامة الكون.
تقول ناسا بأن هذا يشير إلى أن الكون لا نهائي الامتداد. ولكن، بما أن للكون عمر محدد، فنستطيع أن نرصد جزءاً محدداً من الكون. وكل ما يمكننا أن نستنتجه فعلياً هو أن الكون أكبر بكثير من الحجم الذي يمكننا رصده مباشرة.
إن تحديد شكل الكون يفرض تحديات أخرى، وذلك بسبب حدود وسائل الرصد لدينا.
ووفقاً لقسم الفيزياء في جامعة أوريغون، ربما يقوم الكون اللانهائي ظاهرياً بخداعنا، كما يحدث في قاعة من المرايا. فيمكن أن يكون هذا الكون محدوداً. ووهم اللانهاية الذي نراه، قد يتبين أنه نتج عن التفاف الضوء حول الفضاء، ربما أكثر من مرة، مشكلاً صوراً متعددة لكل مجرة.
ملخص المقال
ما زال أحد أهم اسئلة علم الفضاء هو كم تبلغ ضخامة الكون. ويمكننا تقدير عمر الكون بالبحث عن أبعد نقطة يمكن رصدها. أما عن حجم الكون، فيعتمد على شكله وتوسعه، ومازال موضع تقديرات غير دقيقة. ومن أجل تقدير حجمه أشارت أدق خريطة للكون أطلقها مرصد بلانك إلى أن عمر الكون ١٣.٨ مليار عام. وأن الكون بناء على ذلك كرة نصف قطرها ١٣.٨ سنة ضوئية.
ولكن هذه الحدود هي ما نستطيع رؤيته وليس الكون الحقيقي. فسيكون الكون أكبر بكثير إذا استمر بالتوسع منذ ذلك الوقت. وتتعقد هذه التقديرات إذا كان تمدد الكون لا يجري بوتيرة ثابتة بكل الاتجاهات. وعلى كل حال، هناك عدة طرق يقدر بها العلماء حجم الكون ومعدل تمدده. وفي تحليل إحصائي لفريق من جامعة أوكسفورد قدروا أن الكون أكبر بـ ٢٥٠ مرة مما يمكن رصده على الأقل. أما شكل الكون فغموض آخر.
فقد يكون كروياً، أو منحنياً كالسرج ولا نهائياً، أو مسطحاً لا نهائياً. ويعتقد علماء ناسا أن الكون مسطح لا نهائي.