هل تقترب الأرض من الشمس أم تبتعد؟

وإن وجد هذا التغير في المسافة، فهل سيؤثر على مناخ الأرض؟

تتحرك الشمس في السماء في مسار يمكن التنبؤ به، ولن تعتقد يوماً بأن علاقتها بالأرض ستتغير في أي وقت. ولكن في الحقيقة، إن متوسط المسافة بين الأرض والشمس ليس ثابتاً مع مرور السنوات.
فهل تقترب الأرض من الشمس أم تبتعد؟ وما القوى المؤثرة في شمسنا وفي أرضنا لجعل هذا يحدث؟

الإجابة باختصار أن الشمس تبتعد عن الأرض مع مرور الزمن. فمتوسط المسافة بين الأرض والشمس يبلغ ١٥٠ مليون كيلومتر تقريباً.

وعلى أي حال، إن مدار الأرض حول الشمس ليس دائرة مثالية، بل إهليلجي أو بيضاوي الشكل. وهذا يعني أن المسافة بين الأرض والشمس تتفاوت بين ١٤٧ إلى ١٥٢ مليون كم عن الشمس.

ومع هذا، فإن المسافة بين الأرض والشمس بالمتوسط ما زالت تزداد عاماً بعد عام. ولهذه الزيادة في المسافة سببان رئيسيان: أولهما أن الشمس تفقد من كتلتها. والعامل الآخر هو العامل نفسه الذي يسبب القوى المدية على الأرض.

الشمس تنكمش

تحول تفاعلات الاندماج النووي التي تزود الشمس بالطاقة الكتلة إلى طاقة، وذلك وفقاً لمعادلة أنشتاين المشهورة E = mc^2. ولأن الشمس تنتج طاقة باستمرار، فإنها تخسر كتلة باستمرار.

وخلال ما تبقى للشمس من العمر المقدر بـ ٥ مليار عام تقريباً، تتنبأ النماذج التي توضح كيفية تطور النجوم مع الزمن بأن الشمس ستخسر ٠.١٪ من كتلتها الإجمالية قبل أن تبدأ بالفناء.

ومع أن ٠.١٪ قد لا يبدو رقماً كبيراً، فإنه يساوي الكثير من الكتلة. إذ أنه يعادل كتلة المشتري! والمشتري بدوره يعادل ٣١٨ ضعف كتلة الأرض.

وللعلم، فإن قوة شد الجاذبية لجسم ما تتناسب مع كتلته. ولأن الشمس تفقد الكتلة، فسيضعف شد الجاذبية الذي تؤثر به على الأرض، مما يؤدي إلى انجراف الأرض بعيداً عن الشمس بمعدل ٦ سم سنوياً. ولكن لم يحن الوقت لوداع الشمس بعد.

وبالطبع هذه النسبة يمكن إهمالها، خصوصاً بالمقارنة مع التفاوت في مسافة الأرض على مدارها عن الشمس والبالغة ٣٪ بسبب شكله البيضاوي.

تأثيرات القوى المدية

تماماً كما يؤثر الشد الثقالي للقمر على الأرض بحدوث المد والجزر، تؤثر الأرض على الشمس بالطريقة نفسها. وهذا يمدد وجه الشمس المقابل للأرض ما يسبب انتفاخاً مدياً.

تدور الشمس حول محورها دورة كل ٢٧ يوماً. ولأن هذا أسرع من ٣٦٥ يوماً التي تستغرقها الأرض لإكمال دورة حول الشمس، فإن الانتفاخ المدي الذي تحدثه الأرض في الشمس يتوضع متقدماً على الأرض.

ولكتلة هذا الانتفاخ قوة شد ثقالي تسحب الأرض للأمام على مدارها وتدفعها أبعد عن الشمس. وهناك تأثير مشابه يجعل القمر ينجرف بعيداً عن الأرض بيطء.

وعلى أي حال، فإن لهذه القوة المدية تأثير طفيف على مدار الأرض. إذ أنها تحرك الأرض بعيداً عن الشمس بمقدار ٠.٠٠٠٣ سم كل عام.

هل هناك أي تغير هام في المناخ؟

هل يمكن لازدياد المسافة بين الأرض والشمس أن تؤثر على مناخ الأرض؟

كلما ابتعدت الأرض عن الشمس سيخف ضوء الشمس. وباعتبار أن المسافة بين الأرض والشمس قد تتغير ٠.٢ ٪ خلال ٥ مليار سنة قادمة. فإن ه‍ذا الانخفاض قد يترابط مع انخفاض بمقدار ٠.٤٪  في طاقة الشمس التي تصطدم بسطح الأرض.

وهذا صغير نسبياً مقارنة بالتغيرات الطبيعية في إضاءة الشمس التي تحدث في الأرض نتيجة مدارها البيضاوي. لذلك فإن ذلك ليس بشيء نقلق حياله.

لكن الشيء الأخطر الذي يجب أن نقلق حوله هو أن الشمس أثناء تطورها خلال مليارات السنين القادمة، فإن نماذج التطور النجمي تظهر بأن سطوع الشمس سيزيد بنسبة ٦٪ كل مليار سنة، مما سيزيد درجة حرارة الأرض تدريجياً، ويؤدي إلى تبخر المحيطات. وهذا بدوره سيحول الأرض إلى مكان غير صالح للحياة قبل أن تبتلعها الشمس بمدة كبيرة.

تأثير مارق

تشير دراسات أخيرة بأن مدار المشتري وغيره من الكواكب في النظام الشمسي قد تغيرت مع الزمن. إذاً، فهل يزداد عدم استقرار هذه المدارات لتصل في يوم من الأيام إلى التأثير على مدار الأرض، فتسبب دفعها أقرب نحو الشمس أو أبعد عنها؟ أو هل يمر جسم شارد قرب النظام الشمسي مسبباً هذا التأثير؟

المشكلة في محاولة التنبؤ بتبادل تأثيرات الجاذبية بين الأنظمة متعددة الأجرام كالنظام الشمسي، أو نجوم قريبة هي أنها فوضوية، أي أنه من المستحيل التنبؤ بها على نحو أكيد.

فنحن لا نعرف أين ستكون الكواكب على مقياس زمني أطول من ١٠٠ مليون سنة. وذلك لأن الخلل في القياسات من تداخلات الجاذبية غير المنمذجة تزداد جداً مع الزمن.

ومع هذا، ما زال بإمكاننا استخدام هذه الفوضى لصالحنا وذلك عن طريق تشغيل عدة نمذجات لنفس النظام الفوضوي لرؤية احتمال وقوع حدث معين. وهذا مشابه لطريقة عمل نماذج التنبؤ بالطقس.

وجدت دراسة قامت عام ٢٠٠٩ وأجرت ٢٥٠٠ عملية محاكاة للنظام الشمسي بأنه في ١٪ من النماذج أصبح مدار عطارد غير مستقر وسبب ذلك اصطدامه بالشمس أو بالزهرة.

لذلك نظرياً يمكن لعطارد التحرك قرب الأرض وتغيير مداره على نحو كبير، وذلك كما حدث أيضاً بالمريخ في إحدى النمذجات. ولكن احتمال ذلك ضعيف جداً نظراً لندرة ذلك كما شوهد في النمذجات.

كما أنه احتمال ضعيف أن يؤدي نجم أو كوكب سائر أو غيره من إحداث اضطراب بمدار الأرض.

وتظهر الحسابات بتوقع قدوم نجم أقرب من مدار بلوتو كل مليار عام مرة. أما الكويكبات الموجودة مسبقاً في نظامنا الشمسي فإنها لا تملك ما يكفي من الطاقة أو الكتلة للتأثير على مدار الأرض بشكل هام.

فناء الشمس

بعد ٥ مليارات عام تقريباً، أي بعد أن تستنفد الشمس وقود الهدروجين كله، ستبدأ بالانتفاخ، لتصبح نجماً قزماً أحمر. وبافتراض بقاء الأرض على مدارها دون اضطراب، فهل ستكون قد تجهزت للنجاة من موت نجمنا الشمس؟

هناك بعض الجدل القائم الآن عن القدر الذي ستتضخم به الشمس أثناء طور القزم الأحمر.

حيث هناك احتمال بأنها لن تنتفخ بما يكفي للوصول إلى الأرض، مما يعني أن الأرض قد تنجو وتستمر بالدوران.

وفي المقابل فإن معظم التقديرات تقول العكس، أي بأن الشمس ستصل إلى الأرض وتبتلعها لتطوى في النسيان.

وحتى لو كان هناك احتمال لنجاة الأرض، فلن يتمكن البشر من النجاة عليها. فدرجة الحرارة الحارقة القادمة من الشمس، لن تسبب غليان المحيطات والغلاف الجوي فحسب، بل ستسبب غليان الأرض نفسها. لذا سيكون على البشر مغادرة كرة اللافا قبل ابتلاعها من الشمس بكثير.

كيف سينجو البشر؟

إذا كان البشر موجودين على الأرض بعد ٥ مليار عام، ويريدون النجاة من ابتلاع الشمس للأرض، يجب عليهم تحريك الأرض ببطء بعيداً إلى مدار زحل. وبالتالي الإبقاء على درجة حرارتها معتدلة بما يناسب الحياة كما نعرفها أثناء إصدار الشمس المزيد من الطاقة.

وهذا غير عملي في الحقيقة، والحل الأسهل هو مغادرة الأرض وإيجاد كوكب آخر أو نظاماً شمسياً للعيش فيه.

ملخص المقال

متوسط المسافة بين الأرض والشمس ليس ثابتاً فهل تقترب الأرض من الشمس أم تبتعد؟ وتقول الدراسات أن الأرض تبتعد بسبب فقدان الشمس طاقة وبالتالي كتلة، وهذا يعني انخفاض قوة جاذبيتها على الأرض. كما تدفع الشمس الأرض يتأثير قوى مدية بعيداً.

وتأثير ذلك قد يكون انخفاض طاقة الشمس الواصلة، ويمكن إهمالها.
ولكن سطوع الشمس يزداد ٦٪ كل مليار عام، لذلك ستصبح الأرض غير قابلة للحياة حتى قبل تحول الشمس لقزم أحمر وابتلاع الأرض.

كما تشير نماذح المحاكاة أن الشمس قد تنتفخ بعد ٥ مليار سنة وتبتلع الأرض. لذلك يجب على البشر البحث عن مكان آخر للعيش فيه.

المصدر

هنا