ما الذي نسمعه على الكواكب الأخرى؟

ما الذي نسمعه على الكواكب الأخرى؟
ما الذي نسمعه على الكواكب الأخرى؟

افتتح المخرج الأمريكي الشهير جورج لوكاس المؤتمر الصحفي في إطلاق الجزء الأول من الفيلم الملحمي «حروب النجوم» بعبارة تقول: «أعرف أن الصوت لا ينتقل في الفضاء الخارجي، والآن يمنكم طرح أسئلتكم».

بالطبع كان ملماً تماماً بهذا الأمر، ولكن تلك المعارك الفضائية الضخمة إن جرت بصمت فلن يكون لها ذلك الوقع العاطفي المرغوب على الجمهور.

حرب النجوم

وهذه المقدمة تحيلنا إلى سؤال يُطرح، ألا وهو: ما الذي نسمعه على الكواكب الأخرى؟

حدود حاسة السمع

يتلقى الشخص الذي يتمتع بقدرة إحساس كاملة ما مقداره ١٥٪ تقريباً من المعلومات من المحيط بفضل حاسة السمع. فالقناة السمعية تزودنا بالمعلومات إذاً.

والأصوات مسؤولة عن إنبعاث الكثير من العواطف، ولا يخفى أن أجهزتنا السمعية متكيفة فقط مع الشروط المتوفرة على كوكبنا. أي في الغلاف الجوي المتكون من الأوكسجين والنتروجين، والضغط الذي يبلغ ٧٦٠ ملم زئبقي أو ما يعادل ١٠٠ ألف باسكال تقريباً.

وفي هذه البيئة لا نستطيع الإحساس بالاهتزازات التي تقع في المجال بين ١٦ هرتز إلى ٢٠ هرتز فحسب، بل ونقوم بتحليل طيفي لها.

وهذا يعني تمييز الأصوات الحادة والمنخفضة، وتمييز الإشارات المفردة الهامة عن الخلفية المشوشة، وغيرها.

والموجة الصوتية تتكون من نمط متكرر من منطقة ضغط مرتفع يليها منطقة ضغط منخفض وهكذا، تنتشر في وسط مرن (غاز أو سائل أو صلب) متحركة بسرعة الصوت.

ويمكننا أن ندرك حسياً موجة مفردة كصوت ضربة أو رشة أو انفجار، أو سلسلة أمواج صوتية متساوية الطول كتناغم موسيقي. أما الاضطراب بهذه الأمواج ندركه بشكل ضجة.

ويمكن أن يحدث ما يسمى أمواجاً مستقرة أو دائمة تحت شروط معينة، ولكن يمكن تسجيلها عن طريق أدوات معينة فقط.

ونعلم بالطبع بأن الفضاء الخارجي ليس فراغاً تاماً، فهو مليء بالمادة بين النجمية والغازات، وتتولد فيه أمواج صوتية باستمرار نتيجة انفجارات النجوم وتصادم المجرات وغيرها من أحداث الكون.

وبالطبع لا يمكن للأذن البشرية أن تسمعها إلا بعد معالجتها بأدوات معينة. وفي الحقيقة فإن كثافة المادة خارج غلاف الأرض الجوي، وحتى في طبقاته العليا، منخفضة جداً. وذلك إلى الحد الذي لن يؤدي تغير كبير حتى في الكثافة إلى اهتزاز غشاء الطبل لدينا.

ولكن بعض الأجرام الفضائية التي تملك غلافاً غازياً ذا كثافة مناسبة، يمكن أن توفر لنا طيفاً عريضاً من الأصوات المختلفة.

الأصوات على تيتان

من المفاجئ أن أقرب نظير للأرض تنتقل فيه الأصوات هو سطح تيتان أكبر أقمار زحل. إذ أن غلافه الجوي ذو ضغط جوي أعلى بمرة ونصف من الضغط على الأرض. ويتكون بنسبة ٨٩٪ من النتروجين، في حين أن نسبة النتروجين في غلاف الأرض ٧٨٪.

ولكن الفرق الكبير يكمن في أن درجة الحرارة عليه لا ترتفع فوق – ١٨٠ درجة مئوية. لذلك من الضروري استنشاق هذا «الهواء» بحذر كيلا يجمد الرئتين!

ولو كان ذلك ممكناً، سيكون الشخص بعد أن يأخذ نفساً على تيتان قادراً على التحدث على نحو طبيعي وسيسمع نفس الأصوات التي يسمعها على الأرض تقريباً. باستثناء أن حدة الأصوات بشكل عام ستكون أخفض نتيجة ارتفاع كثافة الغازات عليه مقارنة بالأرض.

ماذا نسمع على تيتان
الضباب البرتقالي يتكون على نحو مستمر في غلاف تيتان الغازي. وتتشكل سحب أحياناً تغطي ما يصل إلى ٨٪ من سطحه لتمطره لاحقاً بأمطار من الميثان والإيثان. حقوق الصورة: ESA

 

الأصوات على كوكب الزهرة

إن الأغلفة الغازية الحاوية للنتروجين في تركيبتها ليست الأكثر شيوعاً، والسبب أن هذا المركب الكيميائي نادر الوجود في الكون. وهناك الكثير من المركبات الكربونية في الفضاء بين النجمي في المقابل. ونحن نراها في حياتنا اليومية باستمرار، كمركب ثنائي أوكسيد الكربون.

يعد ثنائي أوكسيد الكربون واحداً من النواتج الأساسية للحياة البشرية ولجميع العضويات التي تتنفس الأوكسجين بصورة عامة.

ويتكون ٩٧٪ تقريباً من الغلاف الغازي لكوكب الزهرة من ثنائي أوكسيد الكربون تقريباً. ولكن درجة الحرارة فيه تبلغ ٤٧٠ درجة مئوية، ويستحيل أن ينجو فيه الإنسان حتى مع بذة فضائية.

كما أن الضغط في الزهرة أعلى بـ ٩٢ مرة من الأرض عند مستوى سطح البحر. ويشبه بشكل أو بآخر السائل. أي أنه ينقل الاهتزازات عالية التردد على نحو أفضل، بينما تتلاشى فيه الاهتزازات منخفضة التردد بسرعة.

أصوات الفضاء

الأصوات على المريخ

إن بنية جزيء ثنائي أوكسيد الكربون بصورة عامة تؤدي إلى إبطاء سرعة الأمواج الصوتية بفعالية عالية. فإذا أزلنا خوذة البذة الفضائية على المريخ لثوانٍ، وذلك بعد إغلاق فمنا بإحكام وسد أنفنا أيضاً، ففعلياً لن نسمع أي شيء.

وهذا لأن الغلاف الغازي للمريخ يتكون بصورة أساسية من ثنائي أوكسيد الكربون، ولكن الضغط عند سطحه أخفض بـ ١٥٠ مرة مما هو عليه على الأرض. كما أنه يختلف بشكل ملحوظ حسب الفصل.

أضف إلى ذلك أن مدى تقلبات درجة الحرارة على الكوكب الأحمر هو الأكبر في النظام الشمسي، بغض النظر عن الأجرام غير الحاوية على غلاف غازي بالطبع.

أصوات المريخ
تخيل فني لرائد فضاء على المريخ. حقوق الصورة: NASA

ولهذا السبب إذا شغلت مكبر صوت بأقوى استطاعة له على بعد ١٠ أمتار منك فبالكاد ستسمعه.

وإذا حاول شخص أن يقول شيئاً بعد استنشاق ثنائي أوكسيد الكربون المضغوط مسبقاً، فسيكون صوته أخفض بنصف أوكتاف موسيقي من المعتاد، وذلك نظراً للوزن الجزيئي الأعلى لهذا الغاز مقارنة بمكونات هواء على الأرض.

وبالتأكيد لا تجرب هذا على الأرض إطلاقاً، فاستنشاف غاز ثنائي أوكسيد الكربون المركز سيؤدي إلى فقدان الوعي مباشرة والحاجة للرعاية الطبية.

الأصوات على الكواكب العملاقة

إن أكثر العناصر الكيميائية شيوعاً في الكون هي الهيليوم والهيدروجين. وهي تكون الغلاف الغازي للكواكب العملاقة، ليست الموجودة في نظامنا الشمسي فحسب، بل أيضاً في الأنظمة النجمية الأخرى.

وعلى أي حال، تكون درجة الحرارة باردة جداً فيها على ارتفاعات يكون فيها الضغط مساوياً للضغط على الأرض تقريباً، ولو كان صالحاً للتنفس، لكان بحاجة للتسخين قبل استنشاقه.

ولكن تأثير هذا سيكون مشابهاً لما يحدث بعد استنشاق الهيليوم النقي، إذ سيصدر عن حبالنا الصوتية أصوات مضحكة مرتفعة الحدة، وقد رأينا الكثير من الكوميديين وهم يقومون بذلك.

ومن الجدير بالذكر أن الأمواج الصوتية في مثل هذا الغلاف الغازي تنتقل بعيداً وبسرعة كبيرة.
فعلى المشتري ونبتون بشكل خاص، حيث توجد أسرع الرياح في النظام الشمسي، كنا سنسمع ضجيجاً مستمراً، يتردد فيه صدى كل ما يحدث من أشياء معقدة في الأغلفة الغازية لهذه الأجرام الفضائية.

المشتري. حقوق الصورة: ESA/Hubble
المشتري. حقوق الصورة: ESA/Hubble

الأصوات على الكواكب الخارجية

فيما يخص الكواكب التابعة لنجوم أخرى، يمكنك أن تصدف طيفاً ضخماً من المكونات الغازية الأخرى فيها، وأحياناً تكون غريبة جداً. مثل الميثان وأحادي أوكسيد الكربون وغاز الكبريت أو غاز الآرغون الخامل. وإحداها يستحق الوقوف عنده لكوننا كثيراً ما نصادفه في حياتنا اليومية.

الأصوات على الكواكب
تصور فني لسطح كوكب خارجي يدور حول نجم بروكسيما سنتوري أو قنطور الأقرب. حقوق الصورة: ESO/M. Kornmesser

وما نقصده هو بخار الماء، أي الماء العادي بحالته الغازية. ونحن معتادون على تخيله بصورة غيوم أو ضباب يمتصان الأصوات بفعالية. ولكنهما في الواقع مجرد تجمع لقطيرات الماء أو حتى لبلورات جليدية.

أما بالنسبة للبخار بحالته الصرفة، فإنه شفاف بالطبع وينقل الاهتزازات الصوتية بصورة جيدة جداً.

ولكننا لن نستطيع استنشاقه، لأنه سيبدأ بالتكثف في الرئتين مهدداً حياتنا.

ولكن يقول علماء الفضاء بأن العديد من الكواكب الخارجية قد تحوي غلافاً غازياً من البخار فقط. وعلاوة على ذلك، فإنها توفر أفضل الظروف لنشوء الحياة وتطورها.

ملخص المقال

نعلم أن الفضاء لا ينتقل فيه الصوت، إذاً ما الذي نسمعه على الكواكب الأخرى مما يصور في أفلام الفضاء؟
نستطيع إدراك الإحساسات السمعية ضمن مجال معين من الترددات، وضمن البيئة التي تكيفنا معها على الأرض من حرارة وضغط جوي وغيرها.

والفضاء ليس فارغاً تماماً، وتتولد فيه أصوات كثيرة. إنما لا نستطيع سماعها إلا بعد معالجتها بأدوات معينة لاختلاف ظروفها عن الأرض.

وهناك أجرام توفر لنا الظروف المتوفرة عليها مجموعة من الأصوات، ومنها قمر المشتري تيتان، إذ يمكن سماع الأصوات عليه مثل الأض ولكن بحدة أخفض قليلاً.

أما على الزهرة فغلافها ينقل الاهتزازات عالية التردد بشكل أكبر. في حين أن المريخ لا يمكن لك أن تسمع شيئاً  على سطحه تقريباً لانخفاض الضغط.

أما الكواكب العملاقة المكونة من الهيليوم بمعظمها سنسمع ضجيجاً مستمراً لسرعة تحرك الموجات الصوتية ضمنه.

المصدر

هنا