كيف حافظت الأرض على حرارة باطنها لمليارات السنين؟

كيف حافظت الأرض على حرارة لبها لمليارات السنين
صورة مقطعية للأرض تظهر لبها. حقوق الصورة: Rost-9D/Getty Images

إن بنية الأرض أشبه بالبصلة، طبقة فوق أخرى.
نبدأ من الأعلى بالقشرة وهي التي نمشي عليها. يليها الوشاح ومعظمه صخر صلب. ثم يأتي اللب الخارجي ويتكون من حديد منصهر. وأخيراً اللب الداخلي، ويتكون من حديد صلب. ونصف قطره يبلغ ٧٠٪ من نصف قطر القمر.

وكلما غصت أعمق ازدادت درجة الحرارة. وتبلغ درجة حرارة أجزاء من اللب درجة حرارة سطح الشمس نفسها. وقد يتساءل سائل: كيف حافظت الأرض على حرارة باطنها لمليارات السنين؟

رحلة إلى مركز الأرض

كما تقوم بتصوير أعضاء جسمك من الداخل بالأمواج فوق الصوتية، يستخدم علماء الجيولوجيا تقنية مماثلة لدراسة ما في داخل الأرض والتقاط صور لها. وهنا يستخدمون الموجات الاهتزازية بدلاً من فوق الصوتية. وهي موجات صوتية تنتجها الزلازل.

تكشف الموجات الاهتزازية ما تحت القشرة الأرضية، أي الصخور، هل هي صغيرة أم كبيرة. وكل ذلك جزء من القشرة الأرضية التي يمكن أن تمتد ٣٠ كم نحو الأسفل. وتطفو القشرة فوق طبقة الوشاح.

وعادة ما يتحرك القسم الأعلى من الوشاح مع القشرة الأرضية. ويسميان معاً الغلاف الصخري (الليثوسفير). ويبلغ عمقه ١٠٠ كم بالمتوسط.

وينقسم هذا الغلاف الصخري إلى قطع كبيرة تسمى الصفائح.

فمثلاً تقع صفيحة المحيط الهادئ تحت المحيط الهادئ بأكمله. وصفيحة شمال أمريكا تقع تحت معظم شمال أمريكا. وتتجانب هذه القطع بجانب بعضها تقريباً لتغطي سطح الأرض.

وهذه الصفائح ليست ثابتة بل تتحرك. والحركة قد تكون مسافة بوصات خلال عدة سنوات. وأحيانا تتحرك أكثر من ذلك وبصورة مفاجئة. وهذا النوع من الحركة ما يثير الزلازل والبراكين.

و بالطبع حركة الصفائح مهمة وأساسية. فهي عامل أساسي يحث تطور الحياة على الأرض. إذ أن حركتها تغير البيئة وتجبر الحياة على التكيف مع الظروف المحيطة.

كيف حافظت الأرض على حرارة لبها لمليارات السنين؟
توضيح فني لطبقات الأرض. حقوق الصورة: eliflamra/Getty Images

الحرارة المستعرة

تتطلب حركة الصفائح وشاحاً حارّاً. وبالفعل، كلما نزلت أعمق في الأرض، تزداد الحرارة. تبلغ درجة الحرارة ١٣٠٠ دجة مئوية تقريباً أسفل الصفائح على عمق ١٠٠ كم تقريباً.

وعندما تصل إلى الحدود الفاصلة بين الوشاح واللب الخارجي على عمق ١٩٠٠ كم تقريباً، تبلغ درجة الحرارة ٢٧٠٠ درجة مئوية تقريباً.

وعند الحدود الفاصلة بين اللب الداخلي واللب الخارجي تتضاعف درجة الحرارة إلى ما يقارب ١٠٨٠٠ درجة مئوية. وهذا هو الجزء الذي تبلغ درجة حرارته درجة حرارة سطح الشمس.

وعند مثل درجة الحرارة هذه، يتبخر فعلياً أي شيء إلى غاز، سواء كان معدناً أو ألماساً أو حتى إنساناً. ولكن لأن اللب يتعرض لضغط هائل عند هذه الأعماق داخل الأرض، يبقى الحديد الذي يكونه منصهراً أو صلباً.

كيف حافظت الأرض على حرارة لبها؟
توضيح فني لطبقات الأرض. حقوق الصورة: forplayday/Getty Images

ارتطامات في الفضاء الخارجي

من أي تأتي كل هذه الحرارة؟
ليست من الشمس. فإن كانت الشمس تمدنا بالدفء نحن وبقية النباتات والحيوانات على الأرض، فلا يمكن لضوء الشمس أن يخترق مئات الكيلومترات داخل الأرض.

هناك مصدران بدلاً من ذلك. أحدها هو الحرارة التي تكونت في الأرض أثناء تشكلها منذ ٤.٥ مليار عام. فالأرض نشأت من السديم الشمسي، وهو سحابة غازية عملاقة. حدث وسطها ما لا يعد من الارتطامات والاندماجات بين قطع الصخور والحطام لتعطي ما يسمى الكوكب المصغر.

واستغرقت هذه العملية عشرات ملايين السنين.
ونتجت كمية هائلة من الحرارة نتيجة هذه الاصطدامات، حرارة تكفي لإذابة الأرض كلها. ومع أن بعضاً منها ضاع في الفضاء، فإن ما تبقى انحبس داخل الأرض. حيث ما يزال ما بقي منها حتى يومنا هذا.

أما مصدر الحرارة الآخر هو تفكك النظائر المشعة المنتشرة في كل مكان في الأرض.
ولكي تفهم هذا الأمر تخيل فقط أن العنصر كالعائلة والنظائر هم أفراد هذه العائلة. كل ذرة من عنصر معين لها عدد البروتونات ذاته، ولكن النظائر المختلفة تملك عدداً متفاوتاً من النترونات.

والنظائر المشعة ليست مستقرة. فهي تطلق تياراً طاقياً مستمراً يتحول إلى حرارة. ومن بين النظائر التي تبقي على لب الأرض حاراً البوتاسيوم ٤٠ والثوريوم ٢٣٢ واليورانيوم ٢٣٥ واليورانيوم ٢٣٨.

وبعض هذه الأسماء قد تكون مألوفة لديك. فاليورانيوم ٢٣٥ مثلاً يستخدم وقوداً في معامل الطاقة النووية. ولا خطر على الأرض من نفاد مصادر الحرارة هذه في الحقيقة. ومع أن معظم اليورانيوم ٢٣٥ والبوتاسيوم ٤٠ قد انتهى، فهناك ما يكفي من الثوريوم ٢٣٢ واليورانيوم ٢٣٨ ليبقى مليارات السنين.

 

وهذه النظائر التي تحرر الطاقة إلى جانب حرارة لب الأرض والوشاح، توفر الحرارة اللازمة لحركة الصفائح بالطبع.

توقف حركة الصفائح وانتهاء الحياة بلا حرارة

حتى الآن، تستمر الصفائح المتحركة بتغيير سطح الأرض. لتشكل باستمرار أراضٍ جديدة ومحيطات جديدة عبر ملايين بل مليارات السنين. كما تؤثر الصفائح على الغلاف الجوي خلال فترات زمنية مشابهة.

ولكن دون حرارة الأرض الداخلية، لما تحركت الصفائح، ولكانت تبردت الأرض. وكان كوكبنا على الأرجح غير صالح للحياة، ولما كنا هنا الآن.

ملخص المقال

بنية الأرض طبقة فوق طبقة، وتبلغ درجة حرارة أجزاء من اللب درجة حرارة سطح الشمس نفسها إلى الآن. فكيف حافظت الأرض على حرارة باطنها لمليارات السنين؟

هناك مصدران لهذه الحرارة ألا وهما: الحرارة الناتجة عن تشكل الأرض من ارتطامات الصخور والحطام في السديم الشمسي. والمصدر الآخر هو النظائر المشعة الموجودة في الأرض. فهي ليست مستقرة وتطلق طاقة تتحول إلى حرارة.
ولولا هذه الحرارة الداخلية لتوقفت الصفائح التكتونية عن الحركة وتوقفت الحياة على الكوكب في الواقع.

المصدر

هنا