حزام الكويكبات: كوكب لم يتشكل قطّ
منذ خمسين عاماً، وتحديداً في ١٥ تموز/ يوليو ١٩٧٢، كانت بايونير ١٠ المركبة الأولى التي تصل حزام الكويكبات. فكيف تشكل هذا الحزام، وهل يكون بقايا كوكب تناثرت لملايين السنين؟ لنقرأ أكثر عن حزام الكويكبات: كوكب لم يتشكل قطّ.
ما هو حزام الكويكبات؟
حزام الكويكبات منطقة تقع بين المشتري والمريخ ويحوي معظم كويكبات النظام الشمسي. ويمثل هذا الحزام الحد الفاصل بين منطقة الكواكب الصخرية الداخلية والكواكب الغازية العملاقة في الخارج.
ويسمى هذا الحزام أحياناً حزام الكويكبات الرئيسي لتمييزه عن حزام كايبر.
ويذكر أن حزام الكويكبات الرئيسي يحوي ٤ أجسام كبيرة وهي سيريس وفيستا وبالاس وهيجيا، وملايين من الأجسام الأصغر حجماً.
من اكتشف حزام الكويكبات الرئيسي؟
لم يكن وجود هذا الحزام معروفاً حتى منتصف القرن التاسع عشر. غير أن تلك المنطقة قد جذبت اهتمام العلماء قبل ذلك بكثير، إذ كانوا يبحثون عن كوكب فيها.
ففي عام ١٧٦٦ افترض عالم الفلك الألماني جوان دانييل تيتوس فرضية تقول: بدءاً من الشمس ونحو الخارج، يجب أن يقع كل كوكب على بعد يبلغ ضعف بعد الكوكب السابق له عن الشمس.
ونتيحة لفرضيته التي تعرف اليوم باسم قانون تيتوس- بود، يفترض وجود كوكب غير مكتشف بين مداري المشتري والمريخ.
وقد حاول العديد من العلماء إيجاده، إلا أن عالم الفلك الإيطالي جيوسيب بيازي سبقهم واكتشف سيريس عام ١٨٠١. وكان هذا الجسم في نفس المكان المفترض وفق فرضية تيتوس تقريباً.
وبالطبع عُد سيريس الكوكب المفقود في البداية، غير أن العديد من الأجسام الأخرى اكتشفت بعده وهي بالاس عام ١٨٠٢ وجونو عام ١٨٠٤ وفيستا عام ١٨٠٧.
ومع اكتشاف المزيد من الأجسام في المنطقة بين المشتري والمريخ، كان من الواضح بأنها صغيرة جداً لتكون كواكب. فجاء ويليام هرشل مكتشف أورانوس وابتكر مصطلح «كويكب» واستخدم منذئذ.
وفي نحو الخمسينيات من القرن التاسع عشر بدأ استخدام مصطلح حزام الكويكبات.
وعلى هذا، لا يوجد مكتشف واحد لحزام الكويكبات. إذ رصد بيازي أول جسم في هذا الحزام، وأسهم علماء آخرون في اكتشاف بقية الأجسام.
ومن الأشياء المثيرة عن قانون تيتوس- بود أنه عند اكتشاف نبتون عام ١٨٤٦ كان موقعه متوافقاً مع تنبؤات افتراض تيتوس. إلا أن قانون تيتوس- بود لم يكن إلا مصادفة رياضية وليس قانوناً فيزيائية فعلياً.
كيف تشكل حزام الكويكبات؟
اعتقد العلماء في البداية ان حزام الكويكبات قد تشكل نتيحة دمار كوكب كبير. وهذه فرضية لهنريخ أولبيرس. وقد سمي هذا الكوكب فايتون. وقد أيد كثير من العلماء حول العالم نظرية الكوكب الممزق هذه وظلت سائدة حتى أواخر القرن العشرين.
غير أنه وفقاً للدراسات الحديثة، إن حزام الكويكبات كوكب لم تتح له الفرصة ليتشكل. فقبل ٤.٦ مليار عام، تكونت قطع كونية صغيرة من تجمع الغبار الكوني (الكويكبات الصغرى) أصبح بعضها كواكبَ فيما بعد مما نعرفه اليوم من كواكب.
غير أن المنطقة بين المشتري والمريخ، منعت فيها قوى جاذبية المشتري القوية تراكم هذه الكواكب المصغرة لتكوين كوكب، إذ جعلتها تتصادم وتتشظى. ولهذا السبب نرى حزام الكويكبات في هذه المنطقة.
ممَ يتكون حزام الكويكبات؟
يتكون حزام الكويكبات بصورة رئيسية من الكويكبات من النمط سي أو الكويكبات الكربونية. أما الأنواع الأخرى الشائعة فهي النمط إس أي كويكبات السيليكات، والنمط إم أي الكويكبات المعدنية.
والغالبية العظمى من الكويكبات صغيرة. إذ يبلغ قطر ٣٠ كويكباً منها فقط أكثر من ٢٠٠ كم. وأكبر أجسام حزام الكويكبات هو سيريس (٩٤٠ كم) وفيستا (٥٢٥ كم) وبالاس (٥١٠ كم) وهيجيا (٤١٠ كم).
وهذه الكويكبات الأربعة تشكل نصف كتلة حزام الكويكبات كله تقريباً. ومن المهم أن نشير إلى أن سيريس يعد حالياً كوكباً قزماً. الأمر الذي يجعل من فيستا أكبر كويكبات الحزام.
وسيريس هو الجسم الوحيد في الحزام الذي يملك حجماً يمكنه من اتخاذ شكل كروي. فمعظم الكويكبات لها أشكال غريبة تشبه حبة البطاطا المحفرة. وبعضها له شكل أغرب، مثل الكويكب ٢١٦ كليوباترة الذي يشبه عظمة الكلب.
وعلى عكس ما تراه في أفلام الخيال العلمي، فحزام الكويكبات ليس مكاناً مزدحماً. إذ تبلغ المسافة المتوسطة بين كويكب وآخر مليون كم تقريباً. واحتمال اصطدام المركبات التي تمر عبره شبه معدومة.
علاوة على ذلك، إن توزيع الكويكبات في الحزام ليس متجانساً أيضاً. إذ توجد مناطق خالية من الكويكبات تماماً في الحزام. وذلك نتيجة جاذبية المشتري. تسمى هذه المناطق فجوات كيركود. وقد سميت على اسم عالم الفلك الأمريكي دانيل كيركود الذي اكتشفها لأول مرة عام ١٨٦٦.
ما المركبات التي زارت حزام الكويكبات؟
زارت الحزام منذ السبعينيات عدة مسبارات فضائية ودرست أجسامه. وأول المركبات التي وصلت إليه كانت بايونير ١٠، وذلك أثناء رحلتها إلى المشتري عام ١٩٧٢. ثم مركبة جاليليو عام ١٩٨٩. وبعدها مسبار داون الفضائي الذي زار الكويكب فيستا عام ٢٠١١ وسيريس عام ٢٠١٥. والمركبة سايك المقرر إرسالها عام ٢٠٢٣ لدراسة الكويكب ١٦ سايك.
هل يمكنك رؤية حزام الكويكبات؟
لا يمكنك رؤية الحزام نفسه، ولكن يمكنك أن ترى بعض كويكباته بالتأكيد. إذ يمكن رصد الكويكبات الأربعة الكبرى، وهي سيريس وفيستا وبالاس وهوجيا من خلال تلسكوب صغير، بل وحتى من منظار كبير. وأفضل الأوقات لرصد الكويكب تكون في وضع التقابل، وعندها تظهر بأعلى لمعان.
كم يبعد حزام الكويكبات عن الأرض؟
تتراوح المسافة بين الأرض وحافة الحزام الأقرب للأرض بين ١.٢ إلى ٢.٢ وحدة فلكية. والوحدة الفلكية تساوي متوسط بعد الشمس عن الأرض، أي ١٥٠ مليون كم.
كم عدد الكويكبات الموجودة في حزام الكويكبات؟
يحوي حزام الكويكبات وفقاً لوكالة الفضاء الأوربية ما بين ١ إلى ٢ مليون كويكب بقطر أكبر من ١ كم. بالإضافة إلى ذلك، هناك ملايين الأجسام الصخرية الأصغر. وحتى عام ٢٠٢٢، بلغ عدد الكويكبات التي اكتشفها العلماء ورقّموها ٥٩٨٠٥٣ كويكباً في الحزام.
ما هو الجسم الأكبر في حزام الكويكبات؟
أكبر أجسام حزام الكويكبات هو الكوكب القزم سيريس، الذي يبلغ قطره ٩٤٠ كم.
لماذا لم يتشكل كوكب في مكان الحزام؟
لم يتحول الحزام إلى كوكب بسبب موقعه المقابل للمشتري. والسبب في ذلك أن جاذبية العملاق الغازي الهائلة منعت حزام الكويكبات من التجمع وتشكيل جسم واحد كبير.
ما هما الجسمان الأحمران الكبيران الموجودان في الحزام؟
رصدت وكالة استكشاف الفضاء اليابانية عام ٢٠٢١ كويكبين ضخمين، وكان طيفهما أكثر احمراراً من بقية الأجسام في الحزام. سمي هذان الجسمان ٢٠٣ بومبيجا و٢٦٩ جوستيتا. ويعتقد العلماء أنهما ربما قد تشكلا قرب الحافة الخارجية للنظام الشمسي وبعدها انتقلا إلى حزام الكويكبات منذ ٤ مليارات سنة تقريباً.
هل يمكن استخراج المعادن من الحزام؟
نعم ممكن نظرياً. وأفضل مرشح لذلك هو الكويكب ١٦ سايك، إذ يحتمل أنه مكون من الحديد والنيكل. ويساوي هذا الكويكب وفقاً لبعض التقديرات مئات كوينتيليونات الدولارات. غير أن استخراج معادن الكويكبات صعب جداً ويحتاج تقنيات لا نملكها الآن.
ملخص المقال
حزام الكويكبات الرئيسي، ذلك الكوكب الذي لم يتشكل قطّ، يقع بين المشتري والمريخ. ويضم ملايين الصخور الفضائية بأشكال وأحجام مختلفة.
والاحتمال الأرجح أن هذه الكويكبات بقايا ناتجة عن نشوء النظام الشمسي لم تلتحم مع بعضها. والسبب في عدم تكتلها وتكوينها كوكباً يعود إلى تأثير المشتري الثقالي.
والمهمة التالية المخططة إلى حزام الكويكبات الرئيسي ستكون خلال عام ٢٠٢٣، وهي مهمة سايك التابعة لناسا. وقد نتمكن في المستقبل من استخراج المعادن من الكويكبات عند توفر التقنية المناسبة.