١١ من أكبر الأسئلة المحيرة عن المادة المظلمة
لاحظ عالم الفلك السويسري فريتز زفيكي في الثلاثينيات من القرن الماضي أن بعض المجرات في عنقود بعيد تدور واحدتها حول الأخرى أسرع بكثير مما يجب أن تدور إذا أخذنا كتلتها بعين الاعتبار. وعندها افترض وجود مادة غير مرئية ربما تطبق قوى شد ثقالي على هذه المجرات وأطلق عليها تسمية «المادة المظلمة».
ومنذ ذلك الوقت أثبت العلماء أن هذه المادة الغامضة يمكن إيجادها في أرجاء الكون، وبأنها أغزر بستة مرات من المادة الطبيعية التي تكون الأشياء العادية كالنجوم والبشر. ومع أن العلماء رصدوا المادة المظلمة في كل مكان في الكون، إلا أن الكثير من الأسئلة ما زالت لديهم بالطبع. وإليك ١١ من أكبر الأسئلة المحيرة عن المادة المظلمة.
١- ما هي المادة المظلمة؟
الأمر الأول والمحير ربما أن العلماء لم يتيقنوا بعد ما هي المادة المظلمة. وقد افترض بعض العلماء في الأصل أن الكتلة المفقودة في الكون تتكون من نجوم خافتة وثقوب سوداء. وهذا مع أن عمليات الرصد الدقيقة لم ينتج عنها ما يكفي تقريباً لإثبات أن هذه الأجسام هي التي تفسر تأثيرات المادة المظلمة.
أما المنافس الحالي البارز لنسيج المادة الظلمة جسيم افتراضي يسمى الجسيم الضخم ضعيف التفاعل WIMP. ويسلك هذا الجسيم سلوك النيوترون تقريباً، غير أنه أثقل بـ ١٠ إلى ١٠٠ مرة من البروتون. وحتى الآن لم يقدنا هذا الافتراض إلا إلى مزيد من الأسئلة.
٢- هل يمكننا رصد المادة المظلمة؟
إذا كانت المادة المظلمة مكونة من الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل، فيجب أن تكون هذه الجسيمات في كل مكان حولنا، وغير مرئية وبالكاد يمكن رصدها. فلماذا لم نتمكن من إيجادها بعد؟
وفي حين أن المادة المظلمة لا تتفاعل مع المادة العادية كثيراً، إلا أن هناك فرصة ضئيلة بأن يصطدم جسيم مادة مظلمة بجسيم عادي كالبروتون أو الإلكترون مثلاً أثناء تحركها في الفضاء.
ولذا أقام العلماء التجربة بعد التجربة لدراسة أعداد مهولة من الجسيمات عميقاً تحت الأرض، حيث تكون محمية من تداخل أي إشعاع قد يؤدي إلى تصادمات تشابه تصادم جسيمات المادة المظلمة بهذه الجسيمات.
وما المشكلة هنا؟ تكمن المشكلة أن أدوات الكشف هذه لم تؤدي إلى أي اكتشاف معقول بعد عقود من البحث. ويرجح بأن جسيمات المادة المظلمة أصغر بكثير من الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل، أو أنها تفتقد الخواص التي تجعل من دراستها أمراً سهلاً.
٣- هل تتكون المادة المظلمة من أكثر من جسيم؟
تتكون المادة العادية من الجسيمات التي نعرفها كالبروتونات والإلكترونات، بالإضافة إلى مجموعة من الجسيمات الغريبة الأخرى كالنيوترونات والميوونات والبيونات بالطبع. وعلى هذا، تساءل بعض الباحثين فيما إذا كانت المادة المظلمة التي تشكل ٨٥٪ من مادة الكون لها ذات التعقيد.
لا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن كل المادة المظلمة في الكون مكونة من نوع واحد من الجسيمات. فمن الممكن أن تتحد البروتونات المظلمة مع الإلكترونات المظلمة لتكوين ذرات مظلمة، وينتج عنها تكوينات متنوعة بتنوع ما نراه في العالم المرئي.
ومع أن هذه الافتراضات يزداد تخيلها في مختبرات الفيزياء، إلا أن إثباتها أو نفيها قد حير العلماء إلى حد بعيد في الحقيقة.
٤- هل المادة المظلمة موجودة؟
إلى جانب الجسيمات الإضافية للمادة المظلمة هناك احتمال بأن المادة المظلمة تتعرض لقوى مناظرة لما تتعرض له المادة العادية. وقد بحث بعض العلماء عن الفوتونات المظلمة، وهذه قد تكون مثل الفوتونات التي تتبادلها الجسيمات الطبيعية التي ينشأ منها قوة كهرومغناطيسية، والفرق الوحيد أن جسيمات المادة المظلمة هي فقط ما سيتعرض لها.
وقد حاول علماء فيزياء إيطاليون صدم حزمة إلكترونات بالجسيمات المعاكسة لها وهي البوزيترونات في ألماسة. فإذا كانت المادة المظلمة موجودة بالفعل، فإن أزواج الإلكترون- بوزيترون يمكن أن تمحي بعضها البعض وتنتج أغرب الجسيمات الحاملة للطاقة. وتفتح الباب أمام قطاع جديد في الكون.
٥- هل يمكن أن تكون المادة المظلمة مكونة من الأكسيونات؟
في حين يزداد ابتعاد العلماء عن عشقهم للجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل، بدأت جسميات مادة مظلمة أخرى تنال الأفضلية. وأحدها هو جسيم مفترض يسمى الأكسيون، والذي سيكون خفيفاً جداً، أي إلى حدود ١٠ مرفوعة للقوة ٣١ أصغر من كتلة البروتون.
ويجري البحث عن الأكسيونات في بعض التجارب. وقد زادت بعض نماذج المحاكاة الحاسوبية احتمالية تكوين الأكسيونات أجساماً كالنجوم، وبذلك قد تصدر هذه الأجسام إشعاعات يمكن رصدها، وتكون شبيهة جداً بظاهرة الاندفاعات الراديوية الغامضة.
٦- ما هي خواص المادة المظلمة؟
اكتشف العلماء المادة المظلمة من خلال تفاعلاتها الثقالية مع المادة العادية. ويشير ذلك إلى أنها الطريقة الوحيدة التي تعرّف بها بوجودها في الكون. ولكن لم يكن أمام العلماء إلا القليل للخوض به عند المحاولة لفهم الطبيعة الحقيقية للمادة المظلمة.
وتقول بعض النظريات أن جسيمات المادة المظلمة يجب أن تكون هي الجسيمات المعاكسة لنفسها. أي أن جسيمات المادة المظلمة يجب أن تفني بعضها عند اصطدام كل منها بالآخر.
وتبحث تجربة مطياف ألفا المغناطيسي (AMS) على محطة الفضاء الدولية عن إشارات دالة عن حالة الإفناء هذه منذ عام ٢٠١١ وقد رصدت مئات آلاف الأحداث. ولكن العلماء غير متيقنين بعد إذا كانت ناتحة عن المادة المظلمة، وهذه الإشارات يجب أن تساعد في أن تثبت تماماً ماهية المادة المظلمة.
٧- هل توجد المادة المظلمة في كل مجرة؟
غالباً ما يقال بأن المادة المظلمة تسيطر على القوة التي تنظم البنى الهائلة كالمجرات والعناقيد المجرية، وذلك نظراً إلى كتلتها التي تفوق المادة العادية جداً.
وبناء على ذلك بدا الأمر غريباً عندما أعلن بعض علماء الفضاء عام ٢٠١٨ إيجاد المجرة NGC 1052-DF2 التي ظهر بأنها لا يوجد فيها مادة مظلمة أبداً تقريباً.
فكان رأي بعض العلماء أن المادة المظلمة ليست شرطاً أساسياً لتكوين المجرة.
ولاحقاً لذلك الإعلان، أعاد فريق آخر تحليل ما أعلن عنه الفريق الأول، ووجدوا أنهم أخطؤوا بقياس بعد المجرة. وهذا يعني أن مادتها المرئية كانت أكثر خفوتاً وأخف وزناً مما وجدوه في المرة الأولى، وأن المزيد من كتلتها كان مكوناً من المادة المظلمة أكثر مما أعلنوا في البداية.
٨- ماذا عن نتائج تجربة داما/ ليبرا؟
إن نتائج التجربة الأوربية المعروفة باسم داما ليبرا المحيرة، من الألغاز التي ما تزال غامضة في فيزياء الجسيمات.
فهذا الكاشف المتوضع في إيطاليا في منجم تحت الأرض يبحث عن اهتزازات دورية لجسيمات المادة المظلمة. إذ ينبغي أن تنشأ هذه الاهتزازات أثناء حركة الأرض في مدارها حول الشمس منطلقة عبر تيار مجرّي من المادة المظلمة يحيط بالنظام الشمسي، وتسمى أحيانا برياح المادة المظلمة.
وقد ادعت التجربة منذ عام ١٩٩٧ أنها رصدت هذه الإشارة بالتحديد، ولم ترصدها أي تجربة أخرى مع ذلك.
٩- هل يمكن أن يكون للمادة المظلمة شحنة كهربائية؟
قادت إشارة قادمة من بداية عمر الكون بعض الفيزيائيين للإشارة بأن المادة المظلمة قد تملك شحنة كهربائية. فقد صدر إشعاع بطول موجي يبلغ ٢١ سم من نجوم تعود إلى بداية عمر الكون، بعد ١٨٠ مليون سنة من الانفجار العظيم. ثم امتصها الهيدروجين البارد الذي كان موجوداً في ذات الوقت.
وعندما رصد هذا الإشعاع عام ٢٠١٨ أشارت بصمته بأن الهيدروجين كان أكثر برودة مما تنبأ به العلماء. وهذا ما أدى لافتراض أن المادة المظلمة بأي شحنة كهربائية ربما قد سحبت الحرارة من الهيدروجين المنتشر في كل مكان. والأمر أشبه بمكعبات ثلج تطفو في عصير لميونادة. والأمر ما يزال بحاجة لإثبات.
١٠- هل يمكن أن تتفكك جسيمات عادية إلى مادة مظلمة؟
النيوترونات من جسيمات المادة العادية وذات عمر محدود. فبعد ما يقارب ١٤.٥ دقيقة من تحرر النيوترون الواحد من الذرة يتفكك إلى بروتون وإلكترون ونيوترينو. ولكن يختلف هذا العمر بين تجربتين بمعدل ٩ ثانية، وقد ذكرت التجربتان في مجلة فيزيكال ريفيو ليترز.
وقد اقترح بعض العلماء أنه إذا كانت تتفكك بعض النيوترونات في ١٪ من الوقت إلى مادة مظلمة، فإن ذلك يفسر هذا الأمر غير الطبيعي.
وقد حاول بعض العلماء مراقبة النيترونات بحثاً عن إشارة للمادة المظلمة ولكنهم لم يتمكنوا من تحديد أي شيء. وقالوا بأن احتمالات أخرى للتفكك ما تزال ممكنة.
١١- هل توجد المادة المظلمة بالفعل؟
نظراً للصعوبات التي واجهها العلماء في محاولة تحديد وتفسير المادة الظلمة، قد يتساءل سائل إذا كانت مساعيهم كلها خطأ.
ومنذ سنوات تروج مجموعة من العلماء لفكرة تقول بأن نظرياتنا عن الجاذبية قد تكون مغلوطة ببساطة، وأن القوى الأساسية تعمل بصورة مختلفةعلى المقاييس الكبيرة عما نتوقعه.
تعرف هذه النماذج بديناميكا نيوتن المعدلة، وتفترض أن المادة المظلمة غير موجودة وأن السرعات الفائقة التي تدور بها النجوم والمجرات حول بعضها البعض نتيجة للجاذبية التي تسلك سلوكاً يختلف عما نتوقعه.
وبذلك فإن المادة المظلمة ما تزال نموذجاً غير مثبت بعد. وعدم وجودها غير مثب أيضاً. ونحن بحاجة لكثير من العمل.
ملخص المقال
يقدم المقال ١١ من أكبر الأسئلة المحيرة عن المادة المظلمة، وهي:
- ما هي المادة المظلمة؟
- هل يمكننا رصد المادة المظلمة؟
- هل تتكون المادة المظلمة من أكثر من جسيم؟
- هل المادة المظلمة موجودة؟
- هل يمكن أن تكون المادة المظلمة مكونة من الأكسيونات؟
- ما هي خواص المادة المظلمة؟
- هل توجد المادة المظلمة في كل مجرة؟
- ماذا عن نتائج تجربة داما/ ليبرا؟
- هل يمكن أن يكون للمادة المظلمة شحنة كهربائية؟
- هل يمكن أن تتفكك جسيمات عادية إلى مادة مظلمة؟
- هل توجد المادة المظلمة بالفعل؟
المصدر