ما هي الأشعة الكونية؟

هل تشعر بها؟ لا تشعر على الأرجح، ولكن حمضك الوراثي يعرفها! اعلم بأن الأشعة الكونية تخترق جسدك في كل ثانية وتسبب الفوضى. فما هي الأشعة الكونية؟

تعرف إلى الأشعة الكونية

إنها أشعة غير مرئية وغزيرة ومميتة. تغرق هذه الأشعة كل سم مكعب في الفضاء. إذ تتدفق هذه الجسيمات دون الذرية الضئيلة عبرها بصورة دائمة. وتتكون الأشعة الكونية بمعظمها من البروتونات، ولكن أحياناً تضم نوى ذرية أثقل. وتنتتقل بسرعة الضوء تقريباً.

وفي عام ١٩٩١ رصد أحد هذه الأشعة، وسمي بسبب سرعته «جسيم يا إلهي!». وذلك لأنه اصطدم بغلاف الأرض الجوي بسرعة ٩.٩٩٩٩٩٥١٪ من سرعة الضوء بسبب طاقته الهائلة. وهذا سريع جداً.

ومع أن اسمها أشعة كونية، إلا أنها ليست أشعة أبداً. ولكن عندما أرسل العالم فيكتور هيس عام ١٩١١ أول كواشف هذه الأشعة إلى ارتفاع ٥٣٠٠ متراً في الغلاف الجوي، لم يستطع التمييز بين الجسيمات والإشعاع الكهرومغناطيسي وفقاً لموقع جائزة نوبل. حيث نال جائزة نوبل على عمله.

ولكن أياً كانت مكوناتها، فهي مكونة من حزم من الطاقة الفائقة القادمة من الفضاء. ومع أن التجارب اللاحقة بينت طبيعة هذه الجسيمات، إلا أن الاسم التصق بها.

من أين تأتي الأشعة الكونية؟

تأتي من مصادر متعددة وجميعها كثيفة. فعندما تموت النجوم تنقلب من الداخل إلى الخارج بغضون ثوانٍ بانفجار ضخم يعرف باسم انفجار المستعر الأعظم.

ويمكن لأشعة انفجار مستعر أعظم واحد أن تفوق إشعاع نجوم مجرة كاملة. وبهذا توفر طاقة كافية لتسريع الجسيمات إلى ما يقارب سرعة الضوء.

ويمكن لاندماجات النجوم أن تولد الطاقات اللازمة، توازياً مع ولادة نجوم جديدة، وأحداث التمزق المدي (عندما يمزق ثقب أسود نجماً ما بقوى شده ويبتلعه)، وأقراص التراكم الهائجة المحيطة بالثقوب السوداء الفائقة.
كلها تصدر أشعة كونية ذات مستويات طاقة مختلفة، تنطلق بعدها لإغراق الكون.

ولكن تحديد المكان الذي تأتي منه هذه الأشعة مهمة صعبة. فلأنها جسيمات مشحونة، فهي تستجيب للحقول المغناطيسية. ومجرتنا تضم حقلاً مغناطيسياً ضعيفاً لكنه واسع. الأمر الذي يؤدي إلى انحراف مسارات أي اشعة كونية تمر فيها آتية من أماكن أخرى في الكون.

وعندما تصل هذه الأشعة من خارج المجرة إلى كواشفنا على الأرض، تكون اتجاهات قدومها عشوائية ولا يمكن تحديد أصولها.

ولدى علماء اليوم أدوات عدة لالتقاط هذه الجسيمات عالية الطاقة. وأبسط الطرق الرصد المباشر لها، حيث يبنى صندوق وينتظر حتى يصطدم به أحد الجسيمات، ثم تسجيل النتيجة بعدها.

ومحطة الفضاء الدولية مزودة بمثل هذه الكواشف مثلاً. ولكنها صغيرة الحجم وتتوجه لجزء صغير من الكون المنظور، وعلى هذا، فإن مراصد الأشعة الكونية الأكبر تستخدم طرقاً غير مباشرة.

ما مدى تكرر اصطدام الأشعة الكونية بالأرض؟

تصدم غلاف الأرض الجوي باستمرار، وعندها تحرر طاقتها المحبوسة بصورة وابل من الجسيمات الثانوية التي تشق طريقها إلى الأرض. ويمكن رصد مثل هذا الوابل بعدها باستخدام مراصد مثل مرصد بيير أوغير في الأرجنتين.

حتى أنك تستطيع بناء مرصد للأشعة الكونية في المنزل: انقع قطعة لباد بكحول إيزوبوبانول وضعها فوق جليد جاف. سيكون الكحول بخاراً فائق الإشباع، وعندما تمر الأشعة الكونية عبره، ستترك أثراً وراءها في البخار. ويمكنك أن تجد إرشادات لذلك هنا.

توقع أن ترصد باستخدام هذا الكاشف المنزلي شعاعاً كونياً منخفض الطاقة (١٠ ^ ١٠ إلكترون فولت) في المتر المكعب في الثانية. أما الأعلى طاقة (ما يقارب ١٠^١٥ إلكترون فولط) يرصد في المتر المكعب كل عام.

وتأتي هذه الأشعة بمستويات طاقة متنوعة. وتعد الأشعة الكونية الأعلى طاقة، المعروفة باسم الأشعة الكونية فائقة الطاقة UHERCs أندرها، وتصدم كم مكعباً واحداً في العام.

ولهذا تكون بعض المراصد مثل مرصد بيير أوغر ضخمة جداً، إذ أنها تشكل سطحاً أكبر لجمع هذه الجسيمات. ونحتاج تجارب ضخمة، لأن الأشعة الأعلى طاقة عالية الندرة.

وهذه الأشعة الكونية فائقة الطاقة ليست الأندر فحسب، بل هي الأكثر غموضاً أيضاً. إذ لا يفهم العلماء مصدرها، فهي غامضة فحسب. وطاقة هذه الجسيمات العالية تذهل العلماء.

ما هي <yoastmark class=

هل الأشعة الكونية ضارة؟

إن الأشعة الكونية ذات الطاقات المتنوعة ضارة جميعها بالإنسان وما لديه من أشياء. حيث يمكنها أن تحدث اضطراباً في الإلكترونات وتشوش الكاميرات الرقمية.

وبما أنها شكل من أشكال الإشعاع المؤيِّن، يمكن أن يكون لها تبعات صحية. حيث يمكنها أن تولد مركبات أوكسجين تفاعلية داخل الخلايا، والتي يمكنها عند المستويات العالية أن تجهد الخلايا وتؤدي إلى تمويت نفسها. وتحدث طفرات الحمض النووي، وتسبب أخطاءً في نسخها مما يؤدي إلى السرطانات.

وبالطبع، يحمينا الغلاف الجوي الثخين للأرض من التأثرات المدمرة لهذه الأشعة. ولكنها تمثل تهديداً خطيراً لرواد الفضاء. وخصوصاً مع سعي وكالات الفضاء إلى مهمات طويلة على القمر والمريخ.

وتعادل كمية الإشعاع التي يتلقاها رائد الفضاء في مهمة مدتها ستة أشهر في محطة الفضاء الدولية ما يقارب الكمية التي يتلقاها على الأرض في ٢٥ عمراً من مثل عمره. ويتضاعف ذلك ثلاث مرات في رحلة ذهاب وعودة إلى المريخ، يقضى فيها بعض الوقت على سطحه غير المحمي.

وتقوم وكالات الفضاء بجهود كبيرة لتحديد التأثيرات السلبية طويلة الأمد للضرر الإجمالي الذي تسببه الأشعة، وتحاول تطوير أنظمة تخفف الخطر. ومن ذلك تصميم كبسولات تكون الحمولة فيها درعاً يحمي الرواد من الأشعة الكونية.

ومع أنها عموماً مصدر ضرر، فإن تطور الحياة ربما كان مستحيلاً بدونها. وهذا موضوع بحث بعض العلماء، أي دورها في الحياة. إذ أنها تسبب الطفرات وبذلك ترتبط بالقدرة على التطور.

ولطالما أهمل الترابط بينها والتطور، ولكن الاهتمام بها يزداد في مجالات متنوعة. فمثلاً، لا نفهم كيفية الانتقال من حالة عدم الحياة إلى الحياة. وبالخصوص لأن ١٩ حمضاً أمينياً من أصل ٢٠ من الحموض التي تنتجها الكائنات الحية يظهر التماثل. أي أن بنيته منظمة بحيث لا يمكنها أن تتراكب مع صورتها المعكوسة. وقد يكون للأشعة الكونية دور في ذلك.

ملخص المقال

الأشعة الكونية غير مرئية وغزيرة ومميتة وتغرق الفضاء. وهي ليست أشعة إنما جسيمات دون ذرية. وتتكون بمعظمها من البروتونات، ولكن أحياناً تضم نوى ذرية أثقل. وتنتتقل بسرعة الضوء تقريباً.

تأتي من مصادر متنوعة كاندماجات النجوم أو التمزق المدي للنجوم أو أقراص التراكم المحيطة بالثقوب السوداء وغيرها.

ولا يمكن تحديد مصدرها على الأرض، لتأثرها بالحقل المغناطيسي الذي يحرفها. وتأتي بمستويات طاقية متنوعة، وبعضها نادر ويحتاج لكواشف ذات مساحات واسعة لالتقاطها.

وبالطبع فهي ضارة بالإنسان وتحدث الطفرات، ولكن قد يكون تطور الحياة بدونها مستحيلاً. وبالطبع يحمينا الغلاف الجوي من آثارها.

المصدر

هنا