لماذا لم يتحول الكون الوليد إلى ثقب أسود؟
قد تتساءل لماذا لم ينهر الكون الوليد ويتحول إلى ثقب أسود خلال اللحظات الأولى من الانفجار العظيم. والإجابة ببساطة ألا وهي أن الثقوب السوداء لا تنشأ بتلك الطريقة!
إحداث ثقب أسود
إذا أردت أن تحدث ثقباً أسود بنفسك، فالأمر بسيط نسبياً: خذ أي جسم واضغطه بأكبر قدر تستطيعه. فإذا كنت تستطيع التغلب على جميع القوى الأخرى وضغط أي مادة إلى ما تحت عتبة حرجة، فإن الجاذبية ستتولى الأمر وتفعل ما تبقى. حيث ستسحق مادة ذلك الجسم إلى نقطة متناهية الصغر وتكون ثقباً أسود.
نصف قطر شفارتزشيلد
تسمى هذه العتبة نصف قطر شفارتزشيلد، وتعتمد على كمية المادة التي تود ضغطها. فإذا أخذت جسم إنسان وضغطته ليصل إلى حجم نواة ذرية، فإنك ستحصل على ثقب أسود بكتلة إنسان وبعرض نواة ذرة. وإذا كررت العملية لكن مع الأرض، فستنتهي بثقب أسود بكتلة الأرض، وبحجم حبة الحمص.
والطبيعة تنشئ ثقوبا سوداء باستمرار، وذلك من خلال موت النجوم الضخمة. فعندما تستنفد هذه النجوم وقودها، تسحب قوة جذبها الثقالي قدر ما تستطيع من المادة إلى أصغر حجم ممكن. وتتغلب في النهاية على أي قوة أخرى لتشكل ثقباً أسود قطره عدة كيلو مترات وبكتلة عدة شموس.
فالأمر بسيط، تأخذ الكثير من المادة وتضغطها لتصبح بكثافات هائلة، فتحصل على الثقب الأسود!
الكون المبكر
ليست مراكز النجوم الضخمة وحدها فقط في الكون التي وصلت إلى كثافات هائلة. فقبل ما يقارب ١٣.٧٧ مليار عام، كان الكون بأكمله محصوراُ في حجم لا يتجاوز حجم دراقة، ودرجة حرارته تفوق كوادريليون درجة مئوية، وتلك كثافة أعلى بكثير.
فلماذا إذاً لم يتحول الكون بكامله منهاراً إلى ثقب أسود؟ هناك سببان:
أولاً: لا يعتمد تكون الثقوب السوداء على الكثافات الهائلة فحسب، بل على فروق الكثافة أيضاً. فلتنشئ ثقباً أسود تحتاج إلى الكثير من المادة محشورة في حجم صغير جداً، مع عدم وجود أي شيء يحيط بها.
وتعمل الجاذبية على الفروق فقط. فإذا كانت الكثافة ذاتها بين مكان وآخر، فلا وجود لفروق ثقالية، وبهذا لا فرصة لبدء تكوين ثقب أسود.
فالكون المبكر كان كثيفاً جداً هذا صحيح، لكنه كثيف في كل مكان ولا وجود لفروق تقريباً. وبلا هذه الفروق لا يمكن للثقب الأسود أن يتشكل. وذلك بالطبع لعدم وجود فروق في الجاذبية يمكنها أن تؤدي إل انخماص مفاجئ في المادة.
كون ديناميكي
ولكن حتى بلا الفروق في الكثافة، ماذا عن انخماص الكون بأكمله إلى نقطة تفرد أنتجت الانفجار العظيم ذاته؟ لنكون واضحين، ما كان هذا الأمر ليحول الكون إلى ثقب أسود. فالثقب الأسود مجموعة فائقة الكثافة من المادة ضمن الفضاء. وعندما نتحدث عن توسع الكون أو انكماشه، فنحن نتحدث عن تطور الفضاء بذاته.
ولكن حتى لو لم يكن ثقباً أسود، ما الذي منع انخماصه إلى نقطة تفرد؟ ما منعه أن الكون المبكر لم يكن ساكناً، بل ديناميكياً متحركاً. كان يتطور ويتغير والأهم أنه كان يتوسع.
وببساطة لا تنطبق شروط تشكل الثقب الأسود في كون يتوسع. فلم يعد بذلك كالنجم القابع وسط الفضاء وينهار على نفسه. فللانخماص إلى نقطة تفرد، لا يكفي وجود كتلة هائلة فحسب. فأنت بحاجة إلى كمية هائلة من الكتلة لتعاكس التوسع الطبيعي للكون وتجبره على الانخماص.
وببساطة لم يكن هناك ما يكفي من الكتلة في الكون لفعل ذلك، ولا حتى اليوم. وقد تساءل علماء الكون لعقود إذا كان هناك ما يكفي من الكتلة في الكون التي يمكنها أن تبطء التوسع الحالي أو توقفه أو تعكسه، وأن نصل في النهاية إلى الانكماش العظيم والعودة إلى نقطة التفرد.
ولكن قياسات عديدة أكدت عدم وجود ما يكفي من المادة لحدوث ذلك. وحسب حدود علمنا، سيستمر الكون بالتوسع في المستقبل. وهذا شيء جيد لنا، فالحياة التي نعرفها لن يكون الثقب الأسود خياراً جيداً لها.
ملخص المقال
قد تتساءل لماذا لم يتحول الكون الوليد إلى ثقب أسود خلال اللحظات الأولى من الانفجار العظيم. والإجابة ببساطة ألا وهي أن الثقوب السوداء لا تنشأ بتلك الطريقة!
فلا تكفي الكثافة الهائلة وانضغاط المادة، بل نحن بحاجة إلى فروق في الكثافة. فذلك يحدث فروقاً ثقالية تعمل الجاذبية بها لانخماص الجسم.
كما نحتاج إلى كون ثابت، بينما كان الكون متحركاً متغيراً ومتوسعاً.