اكتشاف الضوء الأعلى طاقة قادماً من الشمس

الضوء الأعلى طاقة قادماً من الشمس
صورة مركبة لجسيمات تظهر مساراتها بلون أحمر، ناتجة عن أشعة غاما عالية الطاقة قادمة من الشمس. حقوق الصورة: Mehr Un Nisa

أحيانا يكون ضوء النهار أفضل مكان لتخبئة الأسرار، والشمس هي خير دليل على ذلك.

تقول ميهر أون نيسا باحثة ما بعد الدكتوراه في جامعة ميتشيغان الحكومية والمشاركة في الرصد: الشمس تحمل مفاجئات أكثر مما نتوقع. وإن كنا نعتقد أننا اكتشفنا هذا النجم جيداً، فالواقع مغاير لهذا الاعتقاد في الحقيقة.

نيسا مؤلفة مراسلة للورقة البحثية الجديدة في مجلة فيزيكال ريفيو ليترز. وستغوص هذه الورقة في تفاصيل اكتشاف الجسيمات الأعلى طاقة التي رصدت حتى الآن قادمة من الشمس، أي الضوء الأعلى طاقة.

كما وجد الفريق المكتشف بأن هذا النوع من الضوء المعروف باسم أشعة غاما شديد الإضاءة. وهذا يعني أن هناك أكثر مما قدره العلماء سابقاً.

الرصد بدقة

مع أن الضوء عالي الطاقة لا يصل سطح الأرض، إلا أن إشعاعات غاما هذه تترك بصمة تدل عليها. وقد رصدتها نيسا وزملاؤها بمساعدة مرصد تشيرينكوف المائي عالي الارتفاع أو HAWC.

وهذا المرصد جزء مهم من قصة الاكتشاف، لأنه يختلف عن غيره بأنه يعمل على مدار الساعة. وتقول نيسا في ذلك: نحن نملك اليوم تقنيات لم تكن متوفرة منذ سنوات قليلة مضت. فبما يتصل بنمط الطاقة هذا بعينة، تعمل بقية المراصد الأرضية في الليل فقط فلا يمكنها التوجه للشمس. أما مرصدنا هذا يعمل على مدار الساعة.

ويختلف هذا التلسكوب فيما عدا ذلك عن بقية التلسكوبات في شكله. إذ أنه يستخدم شبكة من ٣٠٠ خزان مياه كبير. كل منها مملوء بـ ٢٠٠ طن متري من المياه. وتتوضع الشبكة بين قمتين بركانيتين خاملتين في المكسيك، ترتفعان أكثر من ٤ كم فوق سطح البحر.

ومن هذا المكان يمكنه رصد أثار صدم أشعة غاما للهواء في الغلاف الجوي. ينتج عن هذه الاصطدامات ما يسمى الوابل الهوائي. وهو أشبه بانفجارات الجسيمات التي لا يمكن للعين المجردة الإحساس بها.

تتحرر طاقة أشعة غاما الأصلية، وتتوزع بين الجسيمات الضوئية الجديدة منخفضة الطاقة. وتلسكوب تشيرينكوف يرصد هذه الجسيمات والجسيمات الجديدة التي تكوّنها في طريقها.

وعندما يتفاعل وابل الجسيمات هذا مع الماء في خزانات التلسكوب، ينتج ما يعرف بإشعاع تشيرينكوف. ويمكن رصده بأجهزة التلسكوب المذكور.

بدأت نيسا وزملاؤها في جمع البيانات عام ٢٠١٥. وفي عام ٢٠٢١ جمعوا ما يكفي من البيانات للبدء في فحص دقيق لأشعة غاما الشمسية.

تقول نيسا: عندما نظرنا إلى ٦ سنين من البيانات الناتجة عن الفيض من أشعة غاما، واعتقدنا للوهلة الأولى  أننا أخفقنا. فالشمس لا يمكن أن تكون شديدة الإضاءة هكذا عند هذه الطاقات.

كيف يبدو فيض أشعة غاما الشمسية لتلسكوب تشيرينكوف. حقوق الصورة: HAWC Collaboration

إنجاز تاريخي

تصدر الشمس الكثير من الضوء بطاقات متنوعة. ولكن بعض هذه الطاقات أكثر وفرة من بعضها الآخر.
فالشمس تصدر عن طريق تفاعلاتها النووية على سبيل المثال الكثير من الضوء الذي نراه. وسيحمل هذا الضوء طاقة تبلغ ١ إلكترون فولط، وهي قدر صغير في الفيزياء.

أما أشعة غاما التي رصدتها نيسا وزملاؤها تحمل طاقة قدرها ١ تيرا إلكترون فولط. ولم يكن هذا القدر الهائل هو المفاجئ فحسب، بل كان مفاجئاً رؤية الكثير منها أيضاً.

تنبأ العلماء في التسعينيات بأن الشمس تنتج أشعة غاما عندما تصطدم الأشعة الكونية عالية الطاقة بالبروتونات في الشمس. ولكن افترض العلماء أيضاً -بناء على ما كان متوفراً عن الأشعة الكونية والشمس من معلومات- أنه سيكون من النادر وصول أشعة غاما هذه إلى الأرض.

ولم يكن في ذلك الوقت بالطبع أداة تستطيع رصد مثل أشعة غاما عالية الطاقة هذه، ولم تكن ستتوفر إلا بعد مدة جيدة. وأولى عمليات الرصد لأشعة غاما التي تحمل طاقة تزيد عن مليار إلكترون فولط كانت باستخدام تلسكوب فيرمي الفضائي لأشعة غاما التابع لناسا عام ٢٠١١.

وخلال الأعوام التي تلت ذلك أظهر علماء فيرمي بأن هذه الأشعة ليست عالية الطاقة جداً فحسب، بل وبأنه يوجد منها ٧ أضعاف ما اعتقد سابقاً. بل وكأنهم توقعوا إيجاد أشعة غاما أعلى طاقة حتى.

وفيما يتصل بالتسلكوبات الفضائية، هناك حدود لمدى ضخامة كواشفها وقوتها. وقد وصلت قياسات تلسكوب فيرمي لأشعة غاما الشمسية عند ما يقارب ٢٠٠ مليار إلكترون فولط.

ولكن لم يبدو هناك حد نهائي لهذه القيمة، وهذا ما دعا الباحثين لاستخدام تلسكوب تشيرينكوف للكشف عن المزيد. وقد أظهر طاقات تصل إلى ١٠ تيرا إلكترون فولط التي يبدو أنها الحد الأعلى. ويعمل بالطبع على هذا المشروع أكثر من ٣٠ مؤسسة وأكثر من ١٠٠ باحث.

أسئلة أكثر من الإجابات

يخلق هذا الاكتشاف حالياً أسئلة أكثر من الإجابات. فسيحتار العلماء الآن في كيفية وصول أشعة غاما إلى هذه الطاقات العالية. وما الدور الذي يلعبه حقل الشمس المغناطيسي في هذه الظاهرة.

وهذا يشير لنا أيضاً بأن هناك شيء مفقود أو خطأ أو كلاهما فيما يتعلق بفهمنا لأقرب نجم لنا.
فهذا التلسكوب إذاً يضيف إلى معرفتنا عن مجرتنا في مجال الطاقات العالية، ويفتح أسئلة عن شمسنا. إنه يجعلنا نرى الأشياء من منظور آخر.

ملخص المقال

أعلن العلماء عن اكتشاف الضوء الأعلى طاقة قادماً من الشمس. ووجد الفريق المكتشف بأن هذا النوع من الضوء المعروف باسم أشعة غاما شديد الإضاءة، وله طاقة عالية قدرها ١ تيرا إلكترون فولط. وكان ذلك بمساعدة مرصد تشيرينكوف المائي عالي الارتفاع أو HAWC.

ويذكر أن أعلى حد رصده تلسكوب فيرمي من الطاقة لهذه الأشعة بلغ ٢٠٠ مليار إلكترون فولط. بينما يظهر تلسكوب تشيرينكوف طاقات تصل إلى ١٠ تيرا إلكترون فولط و يبدو أنها الحد الأعلى. وبالطبع يطرح هذا الكشف أسئلة أكثر من الإجابات.

المصدر

هنا