العلماء يعملون على تخفيف تأثيرات الفضاء السلبية على الجسم
سجل رقم قياسي جديد عندما كان ١٧ شخصاً في المدار بذات الوقت يوم ٣٠ أيار ٢٠٢٣. وتتوسع فرص سفر الإنسان إلى الفضاء بالطبع مع تخطيط ناسا وغيرها من الوكالات الفدرالية للمزيد من المهمات المأهولة، وتخطيط الشركات التجارية لإحضار الناس إلى الفضاء.
ولكن السفر للفضاء له تأثيرات سلبية على جسم الإنسان. ولما كانت ناسا تريد إرسال مهمات مأهولة إلى المريخ في بدايات العقد القادم، فعلى العلماء إيجاد حلول لهذه الأخطار بأسرع ما يمكن.
والعلماء الذين يعملون مع رواد الفضاء منذ سنين يدرسون تأثيرات الفضاء التي يمكن أن تحدث على الجسم والدماغ، ويعملون من أجل تخفيف تأثيرات الفضاء السلبية على الجسم. ولناسا في الواقع مشروع لتخفيف الأخطار الصحية الناتجة عن الفضاء والتي يمكن أن تواجهها البعثة المأهولة إلى المريخ.
الأشعة الكونية
تملك الأرض درعاً يحميها وهو الغلاف المغناطيسي. والغلاف المغناطيسي منطقة من الفضاء المحيط بالأرض يسيطر فيها الحقل المغناطيسي الأرضي. ويعمل هذا الدرع على فلترة الأشعة الكونية. ولكن رواد الفضاء الذين يسافرون أبعد من محطة الفضاء الدولية يتعرضون بالطبع لهذه الأشعة على نحو متواصل، وذلك بما يعادل ما بين ١٥٠ إلى ٦٠٠٠ صورة بالأشعة السينية للصدر.
ويمكن للأشعة أن تؤذي الجهاز العصبي والجهاز القلبي الوعائي بما فيه القلب والشرايين، مما يؤدي إلى أمراض قلبية وعائية. كما تؤدي أيضاً إلى إحداث التسرب في الحائل الدموي الدماغي. وهذا قد يعرض الدماغ إلى المواد الكيميائية والبروتينات الضارة به. وهي مواد آمنة في الدم لكنها سامة للدماغ.
ويعمل العلماء على تطوير تقنية تمنع الإشعاع عن رواد المريخ. وذلك ببناء مواد عاكسة لهذه الأشعة، كألياف الكيفلار والبولي إيثيلين واستخدامها في المركبات وبدلات الفضاء. كما أن بعض الأنظمة الغذائية والمكملات -مثل entetade- قد تخفف آثار الأشعة إلى الحد الأدنى. وتستخدم مثل هذه الأدوية على الأرض في الواقع لدى مرضى السرطان خلال العلاج الإشعاعي، ويمكنها أن تخفف الآثار المعوية المعدية الناتجة عن الأشعة.
تغيرات الجاذبية
يجب على رواد الفضاء التدرب في الفضاء لتقليل الخسارة العضلية إلى الحد الأدنى، وهي ما سيواجهونه بعد قضاء مدة طويلة في الفضاء. ويجب أن تضمن المهمات التي تصل بالرواد إلى المريخ من أنهم سيحصلون على مكملات مثل بايوفسفونيت. وهي تستخدم لمنع تآكل العظام بسبب حدوث هشاشة عظام. وينبغي أن تبقي هذه المكملات على العظام والعضلات بحالة جيدة على مدى فترات طويلة يقضونها دون وجود تأثيرات الجاذبية الأرضية.
تؤثر الجاذبية الصغرى أيضاً على الجهاز العصبي وجهاز الدوران. فعلى الأرض يضخ القلب الدم إلى الأعلى. وهناك صمامات متخصصة في جهاز الدوران تمنع سوائل الجسم من التجمع في القدمين. ولكن تتحرك هذه السوائل بغياب الجاذبية نحو الأعلى.
وبين عمل العلماء أن هذا يؤدي إلى توسع المساحات المليئة بالسوائل في وسط الدماغ. وتؤدي زيادة السوائل في الجمجمة مع غياب الجاذبية التي تسحب الدماغ إلى الأسفل إلى ارتفاع الدماغ أعلى في الجمجمة. مما يؤدي إلى انضغاط أعلى الدماغ بالجمجمة.
وقد تسهم تغيرات السوائل هذه في حدوث متلازمة العين العصبية المرتبطة برحلات الفضاء. وهي حالة تصيب العديد من الرواد حيث تؤثر على بنية ووظيفة العين. إذ يمكن أن يتسطح الجزء الخلفي من العين، ويتعرض العصب البصري للانتفاخ والالتفاف. وفي هذه الحالة يبقى الرواد قادرين على الرؤية، وقد تسوء الحالة البصرية لدى البعض. ومع أن هذه الحالة لم تدرس بعد، إلا أن بعض دراسات الحالة تشير إلى أن هذه الإصابة قد تستمر لعدة سنوات بعد العودة للأرض.
ويمكن للعلماء إعادة تحريك السوائل نحو الجزء السفلي من الجسم باستخدام سراويل متخصصة. تسحب هذه السروايل السوائل نحو الأسفل بتفنية تشبه الشفط. وتوزع نتيجة لذلك السوائل في الجسم بصورة مشابهة لما يحدث على الأرض.
الصحة الذهنية والعزلة
إلى جانب التأثير السلبي للفضاء على الجسم، فإن طبيعة العزلة الحاصلة في الفضاء لها تأثيرات نفسية عميقة.
تخيل بأنك ملزم بأن تعيش وتعمل مع مجموعة من الناس دون القدرة على رؤية عائلتك لشهور بلا انقطاع. ولهذا يخضع رواد الفضاء في البداية إلى تدريبات لتعلم مواجهة البيئات القاسية والحفاظ على التواصل وديناميكايات القيادة.
وهناك برنامج تدريب لناسا وآخر لوكالة الفضاء الأوربية. تساعد هذه البرامج الرواد في تكوين صداقات حميمة مع أعضاء فرقهم. كما يتعلمون التعامل مع الضغط النفسي والوحدة في بيئات بعيدة صعبة وقاسية.
ويدرس العلماء أفضل الطرق لمراقبة ودعم الصحة النفسية السلوكية تحت ظروف العزلة القاسية تلك.
ومع ترافق رحلات الفضاء بعوامل ضاغطة واحتمالية الشعور بالوحدة، يصف بعض رواد الفضاء ما يسمى «تأثير النظرة العامة» بقولهم: شعور بالرهبة والترابط مع الجنس البشري كله. ويحدث هذا الشعور غالباً عند رؤية الأرض من محطة الفضاء الدولية.
فوائد على الأرض
إن تعلم كيفية دعم صحة الإنسان وفيزيولوجيته في الفضاء لها فوائد كثيرة على الأرض أيضاً. فالمنتجات التي تحمي رواد الفضاء من الإشعاع الفضائي وترد آثاره الضارة على الجسم على سبيل المثال، يمكن استعمالها مع مرضى السرطان الذين يتعالجون بالأشعة.
كما أن فهم العلماء كيفية حماية عظامنا وعضلاتنا في بيئة الجاذبية الصغرى يمكن أن يساعد في طريقة معالجة الأطباء للضعف المرافق للتقدم بالعمر. أدى استكشاف الفضاء بالإضافة إلى ذلك إلى إنجازات تكنلوجية عديدة، أدت لتطورات في تقنيات تنقية المياه وأنظمة الأقمار الصناعية. لذا فهناك فوائد لدراسة الموضوع على الأرض كما في الفضاء.
ملخص المقال
للسفر إلى الفضاء تأثيرات سلبية على جسم الإنسان. ويعمل العلماء على دراسة تخفيف الآثار السلبية للفضاء على الجسم من أجل المستقبل
فالأشعة الكونية تؤذي الجهاز العصبي والقلبي الوعائي، ويعمل العلماء على تقنيات ترد أثرها، ومكملات تخفف منه.
والجاذبية الصغرى تؤدي إلى خسارة عضلية وهشاشة عظام، وآثار على الجهاز العصبي وجهاز الدوران والبصر. وذلك بسبب خلل توزع السوائل. وتواجه باستخدام بدلات تعيد سحب السوائل لأسفل الجسم.
كما أن للعزلة تأثيراتها النفسية في الفضاء. وهناك برامج تدريب خاصة لمواجهتها.
ولهذا كله فوائد على الأرض، كتقنيات حماية مرضى السرطان من الأشعة، ومعالجة الضعف المرافق للتقدم بالعمر، وتقدم تقنيات تصفية المياه والأقمار الصناعية وغيرها.
المصدر