كيف التقطنا صوراً لدرب التبانة ونحن بداخلها؟

دائما ما نرى صوراً للمجرات البعيدة الموجودة من حولنا على الشبكة. وهي مجرات بعيدة عنا ملايين السنوات الضوئية. ومع ذلك تمكنا من التقاط صور واضحة له مع أنها مهمة صعبة بالطبع، لكنها غير مستحيلة بسبب وجود تلسكوبات فضائية تستطيع الرؤية عبر مسافات هائلة.

إلى هنا لا مشكلة في تصوير المجرات البعيدة. ولكن المشكلة تظهر إذا تساءلنا: كيف التقط البشر صوراً لمجرة درب التبانة من الخارج وهم بداخلها؟

تصوير مجرتنا من الخارج

تخيل لو كنت في ملعب كرة قدم، ولديك جهاز نقال بمواصفات متواضعة. ثم طلب منك أن تلتقط صورة واضحة للملعب من الخارج، بشرط أن تشمل الصورة الملعب كله. فماذا ستفعل؟

ببساطة ستخرج من الملعب، وتبتعد مسافة مناسبة لالتقاط الصورة المطلوبة. هذا ما نفعله جميعنا عندما نريد تصوير شيء كبير. والسؤال، إذا طبقنا المبدأ نفسه، هل نستطيع تصوير مجرتنا درب التبانة من الخارج؟

المركبة الأبعد في الفضاء

أطلقت ناسا عام ١٩٧٧ مسبار فوياجر ١. وقد زار زحل والمشتري، وأرسل صوراً لها ومعلومات عنها إلى الأرض. وتابع المسبار رحلته وصولاً إلى حزام كايبر آخر حدود النظام الشمسي. وخرج من النظام الشمسي متابعاً رحلته في الفضاء.

وسيستمر في التحرك في الفضاء حتى عام ٢٠٣٦، حين ستنفد البطارية النووية التي تزوده بالطاقة.
ولو تساءلنا، ما المسافة التي قطعها مسبار فوياجر ١ عبر ٤٥ عاماً حتى الآن في الفضاء؟

والإجابة أن المسبار قد قطع ٢٣ مليار كم حتى الآن. وقد يبدو الرقم كبيراً، ولكن هل هذا كافٍ لتصوير مجرتنا من الخارج؟

ضخامة مجرة درب التبانة

يبلغ عرض مجرة درب التبانة ١٠٠ ألف سنة ضوئية على الأقل. وللمقارنة بينها وبين المسافة التي قطعها مسبار فوياجر ١، يجب أن نعلم أن السنة الضوئية الواحدة تساوي ٩.٥ تريليون كم!

وعلى هذا وبحساب بسيط يتبين لنا أن المسافة التي قطعتها فوياجر ١ خلال ٤٥ سنة تعادل ٢١ ساعة ضوئية تقريباً! وهذا يعني أن المسبار يحتاج ١٨٧٠٠ سنة أرضية حتى يقطع سنة ضوئية واحدة! بينما يبلغ عرض مجرتنا ١٠٠ ألف سنة ضوئية!

وما يعنيه هذا أننا لا نستطيع تصوير مجرتنا من الخارج بأي حال من الأحوال. إذاً فمن أين تأتي وكالة ناسا بالصور؟ هل هي صور كاذبة؟ بالطبع لا. إن الأمر يعني أننا لا نستطيع تصوير مجرتنا بالطرق التقليدية فحسب. أي أن نبتعد عن المجرة ونلتقط لها صوراً، إنما هناك طرق أخرى، وفكرتها ليست حديثة!

طرق أخرى لتصوير أماكن ضخمة

لو جئنا بالشخص في مثالنا الأول وأردنا منه أن يصور الملعب كله دون أن يخرج منه حتى، كيف ذلك؟ الحل ببساطة أن نعطيه كاميرا احترافية، ونطلب منه أن يصور من مكانه بطريقة الصور المتقطعة. أي أن يصور كل ركن ومكان من الملعب صورة منفصلة. ثم نأتي بالصور ونجمعها مع بعضها البعض. فتحصل في النهاية على صورة محيطية للملعب، كما لو التقطت من الخارج دون أن تكون دقيقة جداً بالطبع.

وهذا تحديداً ما فعله علماء الفلك عند تصوير المجرة. وفكرة التصوير هذه قديمة في الحقيقة، وجاءت وكالات الفضاء الحديثة لتحققها بأجهزتها المتقدمة.

تاريخ تصوير مجرة درب التبانة

لاحظت شعوب الحضارات القديمة شيئاً غريباً يظهر في السماء في فترات محددة ثم يختفي. كان هذا الشيء ذراع المجرة. وهو ذراع طويل وضخم يقسم السماء إلى نصفين. فيه تجمعات ضخمة من الألوان، ولم يعرفوا  بالطبع ما هو حينها. وما نزال قادرين على رؤيتها بالطبع.

تصوير ذراع مجرة درب التبانة
ذراع مجرة درب التبانة

في تلك الأزمان كان الناس يسجلون مشاهداتهم تلك وأماكن النجوم. وأشهر كتب خرائط النجوم هو كتاب المجسطي للعالم بطليموس. ومع أن نموذجه لم يكن صحيحاً تماماً، إلا أنه كان مفيداً جداً. وبقيت خرائطه مرجعاً لمئات السنين في الحقيقة.

وفي عام ٨٢٩ م أنشئ مرصد الشماسية في بغداد في عهد الدولة الأموية وسمي المرصد المأموني أيضاً. ويعد أول مرصد فلكي في الحضارة الإسلامية. وبدأ علماء الفلك المسلمين تعديل كتب علم الفلك الإغريقية والإضافة عليها. ومنهم البيروني والخوارزمي وابن سينا.

أثناءها اكتشفوا عدداً كبيراً من النجوم، وقسموها إلى مجموعات. وبدأت خريطة السماء تتضح أكثر فأكثر. وجدير بالذكر أن نجوماً كثيراً ما زالت تحتفظ باسمها العربي كسهيل والدبران وغيرها.

وفي عصر النهضة بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر، بدأ علماء الفلك في أوربا بقياس مواقع النجوم في القبة السماوية وتسجيلها تسجيلاً دقيقاً، وبخاصة مع تطوير غاليليو للتلسكوب.

أما العالم الأوربي الذي يعد أول من حاول رسم صورة للمجرة فهو العالم البريطاني من أصل ألماني فريدريك هرشل. حيث قسم السماء إلى أكثر من جزء. وأخذ لقطات منفصلة للسماء من أكثر من ٦٠٠ موقع مختلف من سطح الأرض. وعندما جمع هذه البيانات مع بعضها البعض توصل عام ١٧٨٥ إلى شكل المجرة كما اعتقد، وسميت خريطة هرشل.

تصوير المجرة وفق هرشل
شكل المجرة وفق هرشل

وبعد أكثر من ١٠٠ سنة جاء عالم الفلك الهولندي ياكوبس كابتين ليقوم بتجربة مشابهة، لكن بطريقة متطورة أكثر. إذ شملت خطة قياسه: الحجم الظاهري، النوع الطيفي، والسرعة الشعاعية للنجوم في أكثر من ٢٠٠ موقع مختلف. وتعاون في ذلك مع ٤٠ مرصد ليصل إلى شكل معين للمجرة.

تصوير المجرة وفق العالم ياكوبس كابتين
صورة المجرة وفق العالم ياكوبس كابتين

صورة المجرة في العصر الحديث

في عام ١٩١٧ جاء عالم الفلك الأمريكي هارلو شابلي، وبعد دراسته للعناقيد النجمية المغلقة قال بأن الدراسات السابقة تعتمد على فكرة وجود المجموعة الشمسية في مركز المجرة. لكن هذا غير دقيق، فمجموعتنا الشمسية موجودة في أطراف المجرة. وعلى هذا تحتاج تلك الخرائط إلى تعديل.

وفي عام ١٩٢٠ بدأ عالم الفلك الأمريكي الأشهر إدوين هابل بدراسة الفضاء بتلسكوبه الخاص، ووصل إلى نتائج هامة جداً. وهي أن الكون يحوي مجرات كثيرة، إلا أنها تنحصر أشكالها في ثلاثة أشكال رئيسية.

أشكال المجرات ومعرفة نوع مجرتنا

أول أشكال المجرات التي أشار إليها هابل هو الكروي أو البيضاوي. وفيها تكون المجرة أشبه بكرة ضخمة تتوزع فيها النجوم بترتيب شبه منتظم ومتجانس. وثانيها ذات الشكل الحلزوني وتتألف من جزأين: أحدهما في الوسط ويسمى قلب المجرة، ويكون بشكل كروي أو بيضاوي يحوي معظم كتلة المجرة وفيه عدد هائل من النجوم. ويوجد عدد من الأذرع الملتفة حول هذا القلب. وحجم هذه الأذرع وعددها يتغير من مجرة لمجرة. وهذه المجرات الحلزونية هي أكثر أنواع المجرات انتشاراً في الكون. أما الثالثة فهي المجرات غير المنتظمة، وهي الأقل رصداً حتى الآن.

ومن هنا وجد علماء الفلك أن صورة الذراع الغريب الذي يرى منذ القدم في السماء شبيه بأذرع المجرات الحلزونية التي أشار إليها هابل. وقالوا لو أن مجرتنا كروية لما كنا نستطيع رؤية هذا التجمع الهائل من النجوم متجمعاً في خط واحد (هو قلب المجرة الحلزونية كما أشار هابل). ومن هنا بدأ العلماء تأكيد فرضية هابل.

وفي عام ٢٠٠٣ أطلق مرصد سبيتزر الفضائي. وهو مرصد يلتقط الأشعة تحت الحمراء ويقيس أطوالها الموجية. ومن خلاله عرفنا أن مركز المجرة تجمع من النجوم الحمراء، وتخرج منه تفرعات وهي أذرع المجرة. ومن خلال مستكشف نيو وايز الذي أطلقته ناسا عام ٢٠٠٩، عرفنا أن مركز المجرة يخرج منه ذراعان كبيران وهما ذراع الدجاجة والغول (برشاوس). وثلاثة أذرع متوسطة وهي الذراع الخارجي وقنطورس ورامي القوس. وذراع صغير متفرع من ذراع رامي القوس وهو ذراع الجبار، وفيه تقع مجموعتنا الشمسية.

ومن خلال البيانات التي جمعت على مدى مئات السنين توصلنا إلى أن شكل المجرة كما هو في الصور الآن، وقد لا يكون دقيقاً تماماً في النهاية!

أذرع مجرة درب التبانة
توضيح لأذرع المجرة. حقوق الصورة: aljazeera.net/midan

ملخص المقال

قد تتساءل: كيف التقطنا صوراً لدرب التبانة ونحن بداخلها؟ مع العلم أن عرضها يقدر بمئة ألف سنة ضوئية. وأبعد مركبة من صنع الإنسان قد سافرت منذ ٤٥ عاماً لم تقطع إلا ٢١ ساعة ضوئية تقريباً!

تصور المجرة اعتماداً على فكرة التصوير المتقطع. أي أخذ صور مختلفة لأماكن منفصلة ودمجها للحصول على صورة محيطية.

وهذه الفكرة قديمة وقد حاول علماء كثر عبر التاريخ رسم صورة المجرة مثل هرشل وصولاً إلى مستكشف نيو وايز الذي أطلق عام ٢٠٠٩، وعرفنا من خلاله عدد أذرع المجرة.

ومن خلال البيانات التي جمعت على مدى مئات السنين توصلنا إلى أن شكل المجرة كما هو في الصور الآن، وقد لا يكون دقيقاً تماماً في النهاية!

المصدر

  ١
  ٢