العواكس الفضائية قد تطيل عمل المزارع الشمسية على الأرض خلال اليوم

العواكس الفضائية
حقوق الصورة: Andrea Viale (University of Glasgow)

لو أتيح لك النظر إلى سماء أوربا يوم ٥ شباط ١٩٩٣، لربما كنت سترى وميض ضوء خافت. وقد جاء ذلك الوميض من تجربة مرآة فضائية روسية سميت زنامايا-٢.

وزنامايا-٢ كان هيكلاً عاكساً بحجم ٢٠ متراً أشبه برقاقة ألمينيوم (وتعني كلمة زنامايا الراية بالروسية). وقد نشرتها مركبة فضائية كانت قد انفصلت لتوها عن محطة الفضاء الروسية مير.

وكان هدفها أن تبرهن على أن الطاقة الشمسية يمكن أن تعكس من الفضاء إلى الأرض.
وكانت تلك التجربة الأولى والوحيدة، والآن تعاد الفكرة. فهل تطيل العواكس الفضائية عمل المزارع الشمسية على الأرض خلال اليوم؟

العواكس الشمسية

خلافاً لطروحات بناء محطات توليد طاقة شمسية في الفضاء، ومن ثم نقل الطاقة المتولدة إلى الأرض، سيكون التوليد باستخدام هذه العواكس كاملاً على الأرض. والأمر الجوهري أن هذه العواكس ستساعد مزارع الطاقة الشمسية على توليد الطاقة حتى عندما لا يكون ضوء الشمس مباشراً عليها. وخاصة في ساعات الفجر والمساء التي يكون طلب الطاقة النظيفة فيها في ذروته. ويمكن تسمية هذه العواكس: «عواكس شمسية مدارية».

فكرة العواكس الشمسية قديمة

أدرك عالم الصواريخ الرائد هيرمان أوبيرث هذه الإمكانية عام ١٩٢٩. وذلك عندما تصور عواكس في الفضاء تحول ضوء الشمس لتنير المدن الكبيرة ومسارات السفن. وتوقع بأن تكون هذه العواكس ضخمة جداً ورقيقة وفائقة الخفة ويبنيها الرواد في الفضاء.

زنامايا-٢ ولدت بقعة ضوء بقطر ٥ كم انتقلت عبر أوربا من فرنسا إلى روسيا. حقوق الصورة: RSC Energia (РКК , CC BY-SA)

نشر الباحثون ورقة بحثية درسوا فيها إمكانية دوران عواكس شمسية في المدى القريب. وقد تكون رؤية أوبيرث قابلة للتحقيق بفضل التكنلوجيا المتوفرة والقادمة، وأهمهما بالطبع المركبات الروبوتية التي يمكن أن تبني هذه الهياكل في الفضاء. ويمكن نقل مواد صنعها في الواقع بصواريخ حديثة كصواريخ سبيس إكس.

وفي كل مرة يمر فيها العاكس فوق مزرعة شمسية على الأرض يمكن أن يعدل زاويته ليضيئها وما يحيط بها. وكل مرور سيطيل عمل المزارع الشمسية وبالتالي زيادة ساعات من توليد الطاقة.

وعندما تتوقف قدرة العواكس على إضاءة المزارع الشمسية يمكن تعديل زاوية مراياها بحيث يكون ضوء الشمس ساقطاً على جانبها، فلا يعكس أي ضوء إلى الأرض. ولهذا سيكون التشويش الحاصل للمراصد الأرضية ثانوياً.

إضاءة مساحة ١٠ كم

العواكس الفضائية تطيل عمل المزارع الشمسية
توجه العواكس إلى المزارع الشمسية على الأرض. حقوق الصورة: Andrea Viale, University of Glasgow; NASA (for Earth texture)

إذا كانت العواكس على ارتفاع ٩٠٠ كم من سطح الأرض، يتوقع أن تضيء مساحة ١٠ كم في أقصى سطوع لها. ولذلك لن تتوجه مثل هذه الأنظمة إلى ألواح الطاقة المنزلية، بل إلى مزارع شمسية ضخمة وبعيدة عن المناطق المأهولة.

وكل مرور لها سيزيد مدة توليد الطاقة من ١٥ إلى ٢٠ دقيقة في ساعات الغروب والشروق. وهذا مهم لأن هذه الساعات يكون الطلب فيها على الكهرباء في أشده، وعادة يتجاوز الكميات المولدة بالرياح والشمس، وتستعمل محطات التوليد العاملة بالفحم والغاز لتعويض الفرق. أي أن العواكس قد تلغي استخدام الوقود الأحفوري دون حاجة لتخزين الطاقة خلال اليوم.

ويمكن أن يكون ارتفاعها كافياً لخدمة عدة مزارع شمسية وهي في نفس المدار. ويمكن أن تساعد حتى في معرفة أماكن بناء مزارع طاقة شمسية جديدة.

تفاصيل العواكس المطروحة

طرح الباحثون عواكس ذات شكل مسدس الأضلاع طول جوانبه ٢٥٠ متراً. وزن كل منها ٣ أطنان. وتكلف عدة آلاف من الدولارات لكل كيلو تنقل منها إلى الفضاء. وإذا خفضت التكلفة إلى عدة مئات لكل كيلو، فيتوقع أن تتوفر في المدار خلال سنوات.

المزارع الشمسية تطيل عمرها العواكس الفضائية
هدف محتمل، مزرعة شمسية في الهند طولها ١٤ كم. حقوق الصورة: Google Maps, CC BY-SA

يتوقع الباحثون بأن تكون هذه العواكس عاملة خلال ٢٠ إلى ٣٠ عام. ولا تعرف البصمة الكربونية الناتجة عنها (كمية ثاني أوكسيد الكربون الناتج عن أنشطتها)، وهناك حاجة لمزيد من البحث للوصول إلى تقييم لكامل دورة حياة هذه الأنظمة.
ولكن يتوقع أنها ستساعد علل المدى الطويل بتوليد طاقة نظيفة بكمية تتفوق على بصمتها الكربونية.

لا مزيد من الليل

بعد أيام من تجربة زنامايا-٢ كتب أحد قراء نيويورك تايمز متسائلاً إذا كان سيؤدي إلى نهاية عصر الليل. والإجابة بالطبع لا.

فحتى عندما تكون بأقصى سطوع لها ستستمر إضاءتها عدة دقائق لكل منها، ولن تطول على مدى ظلام ليل كامل. وهذا يعني أنك لن تلاحظ هذه الإضاءة حتى إذا لم تكن قريباً من مزرعة شمسية، وخصوصاً في وقت الغروب أو الشروق حيث تكون السماء مضاءة مقارنة بوقت الليل.

ويقدر أيضاً أن العواكس لن ترى بالعين المجردة ما لم تكن قريباً من المزرعة الشمسية. ويشير هذا إلى أن تأثيرها على البيئة الطبيعية المحيطة بالمزارع في حده الأدنى. وبالطبع هناك حاجة للمزيد من البحث.

وعند انتهاء عمر هذه العواكس يمكن توجيهها إلى مدارات أعلى أو أخفض وأقل ازدحاماً لكي تحترق بأمان.

ومع أن هذه العواكس ما تزال فكرة بعيدة المنال، لكنها تمثل طريقة لربط الفضاء وقطاعات الطاقة للمساعدة في تسريع الانتقال للطاقة النظيفة ومعالجة التغير المناخي.

ملخص المقال

جربت العواكس الفضائية مرة وحيدة باستخدام مرآة زنامايا-٢ الروسية عام ١٩٩٣، بهدف برهان القدرة على عكس الطاقة الشمسية إلى الأرض. والفكرة تتجدد الآن. فهل تطيل العواكس الفضائية عمل المزارع الشمسية على الأرض خلال اليوم؟

نعم يمكنها ذلك. إذ ستوضع في مدار، وتوجه نحو مزارع شمسية أرضية يمكن أن تصل مساحتها إلى ١٠ كم. وكل مرور لها سيزيد مدة توليد الطاقة من ١٥ إلى ٢٠ دقيقة في ساعات الغروب والشروق، أي ساعات الذروة للطلب على الطاقة.

ويتوقع الباحثون أن تكون متوفرة في المدار بين ٢٠ إلى ٣٠ سنة قادمة. ومع انخفاض تكاليف نقل قطع بنائها إلى الفضاء سيزيد احتمال حدوث ذلك.

المصدر

هنا