كيف يبطئ الضوء سرعته؟

يبطئ الضوء سرعته، وهذه العملية ليست سهلة كما تبدو.

كيف يبطئ الضوء من سرعته
هل تساءلت يوماً كيف يبطئ الضوء سرعته أثناء عبوره المواد؟ حقوق الصورة: Diane Keough via Getty Images

إن ظاهرة بطء سرعة الضوء أثناء مروره عبر مواد كالزجاج أو الهواء واحدة من مجالات الفيزياء المذهلة، يحدث فيها تفاعل معقد بين الضوء والمواد. وهناك ثلاث وجهات نظر حول هذه الظاهرة نفسها، وكل منها يوظف فهماً مختلفاً للفيزياء.

وهذه التفسيرات جميعها لها نقاط قوة ونقاط ضعف. وهي جميعها مع هذا وسائل فعالة لفهم هذا التفاعل المذهل.

وجهة النظر الأولى: كلها أمواج

وجهة النظر هذه لجيمس ماكسويل، عالم فيزياء القرن التاسع عشر الإسكوتلندي والعبقري متعدد المواهب الذي اكتشف نظرية وحدت الكهرباء والمغناطيسية. كما اكتشف أن الضوء يتكون من أمواج من الكهرباء والمغناطيسية.

وعندما تواجه هذه الأمواج مادة كالزجاج أو الماء، ما يبدو لها مجموعة من الجسيمات المشحونة. فالجزيئات المكونة للمواد تتكون من ذرات، وهذه الذرات تحوي بروتونات وإلكترونات، وكلاهما جسيمات مشحونة. والجسيمات المشحونة تستجيب للأمواج الكهرومغناطيسية التي تعبرها حيث تهتز معها.

ولكن تحرك الجسيمات المشحونة يولد أيضاً أمواجاً كهرومغناطيسية خاصة بها. والنتيجة فوضى عارمة، حيث تتداخل الأمواج الكهرومغناطيسية الأساسية مع الأمواج المتولدة في كل الجسيمات المشحونة في المادة (ويوجد منها الكثير).

ولحسن الحظ فإن معظم هذه الأمواج ما عدا الأمواج التي تنتقل في الاتجاه الأصلي للضوء، تلغي تأثير بعضها بعضاً. ولكن لأن الأمواج التي تتولد عن الجسيمات متأخرة قليلاً، فإنها مجتمعة كلها تتحرك أبطأ.

والنتيجة النهائية: يبطئ الضوء من سرعته.

وجهة النظر الثانية: كلها جسيمات

الضوء يتكون من جسيمات ضئيلة تسمى الفوتونات. حقوق الصورة: DrPixel via Getty Images

تعد نظرية ماكسويل صورة كلاسيكية للإشعاع. واليوم لدينا صورة أكثر تطوراً تقوم على أساس الميكانيك الكمومي، وفيه يتكون الضوء من جسميات صغيرة وكثيرة تعرف باسم الفوتونات.

ويمكن أن تسلك الفوتونات سلوكاً فردياً، ولكن عندما يجتمع ما يكفي منها مع بعضه، فإنها تظهر خصائص الأمواج الكهرومغناطيسية ذاتها.

وقد يكون تداخل الفوتونات المتفاعلة مع المواد معقداً جداً، ولكن لحسن الحظ هناك منهج طوره العالم الشهير ريتشارد فايمن للتعامل مع الأمر.

يمكننا أن نتخيل بأن فوتونات الضوء القادم كلها ترتطم بالمادة، وحالما تصبح داخلها تتفاعل مع الجسيمات المشحونة كلها.

ويمكن لهذه الجسيمات المشحونة أن تمتص هذه الفوتونات ومن ثم تطلق فوتوناتها. ولكن هذه الفوتونات تختلف قليلاً. إذ تعرف في الفيزياء بأنها فوتونات افتراضية.

وتذكّر بأن الفوتونات يمكنها أن تؤدي أمرين: يمكنها أن تطوف بحرية في الكون، موجودة بصورة كيانات مستقلة (وهذا هو الضوء)، كما يمكنها أن تقوم بعمل وسيط للقوة الكهرومغناطيسية (كالقوة التي تثبت المغناطيس على الثلاجة).

ولكن هذه الفوتونات لا تطوف بحرية، إذ لديها وظيفة لتقوم بها. لذلك نسميها فوتونات افتراضية. وهذا يعني بأنها توجد فقط في الرياضيات لمساعدتنا في تفسير القوة الكهرومغناطيسية.

وهكذا تبدأ كل هذه الجسيمات المشحونة بإصدار كميات غزيرة من هذه الجسيمات الافتراضية، ومجدداً لدينا فوضى عارمة. وهنا جاء المنقذ فايمن. حيث طور تقنية لحساب متوسط المسارات كلها التي يمكن أن تسلكها هذه الجسيمات.

وهذه العملية تقصي كل الفوتونات الشاذة، وتبقى فقط الفوتونات التي تتحرك في الاتجاه الأصلي للضوء. ولكن كل هذه التفاعلات لها نتيجة: إذ يستغرق الإلكترون وقتاً كي يمتص الفوتون ويطلق فوتوناً آخر، وهذه التأخيرات تتجمع.

والنتيجة النهائية: يبطئ الضوء من سرعته قليلاً.

وجهة النظر الثالثة: كلها بولاريتونات

ركزنا حتى الآن على خصائص الضوء، ناظرين إليه من منظور الجسيمات ومن منظور الأمواج. ولكن المادة أكثر من كونها مجرد مجموعة من الجسيمات المشحونة التي تقوم بما تؤمر به كهرومغناطيسياً فحسب.

فالمواد يمكن أن تكون مثيرة للاهتمام أيضاً. إذ أن المواد تحديداً يمكنها أن تدعم الاهتزازات، الصغيرة منها والكبيرة، وتلك التي تستغرق وقتاً طويلاً، والتي تتلاشى بسرعة.

والمواد كلها في حالة حركة دائمة، وتلك الحركة تؤثر على كيفية تفاعل المادة مع كل شيء آخر. ولمساعدة العلماء على فهم تعقيدات كل أنواع الاهتزازات التي تتسابق عبر المواد، افترضوا كياناً يسمى الفونون.

والفونون نوع آحر من الجسيمات الزائفة، ولكنها مفيدة جداً كما هي الفوتونات الافتراضية. فهي تسمح للفيزيائيين باستخدام لغة ميكانيك الكم لوصف الاهتزازات في المواد. وهذه اللغة الجديدة تفيد عندما يدخل الضوء -المكون من فوتونات- تلك المادة.
وعندما يجتمع الفوتون والفونون يشكلان معاً شيئاً جديداً وهو البولاريتون.

ووجهة النظر هذه تقول: عندما يدخل الضوء المادة يختفي. وكذلك الفونونات في المادة نفسها. ويستبدلان بالبولاريتونات. وتشترك البولاريتونات بكثير من خصائص أبويها، ولكنها تمتلك خاصية حاسمة، ألا وهي: تتحرك البولاريتونات بسرعة أبطأ من سرعة الضوء.

وتعتمد السرعة على خصائص المادة (الفونونات). فمن وجهة النظر هذه، ليس الضوء هو ما يعبر عبر المادة، إذ تستجيب المادة له، وإنما ما يعبرها هو شيء جديد، هو البولاريتون.

ووجهة النظر هذه مفيدة جداً. لأنه من السهل في حالات مختلفة تجاهل كل الرياضايات المعقدة للأمواج المتضاربة أو الفوتونات المرتدة، والتعامل فقط مع كيان مباشر وبسيط يحوي بداخله مسبقاً كل المعلومات التي تريدها.

إذاً: الضوء يدخل المادة، والبولاريتون ينتقل عبرها، ثم يخرج الضوء.

النتيجة النهائية: يبطئ الضوء من سرعته.

ملخص المقال

لربما تتسائل كيف يبطئ الضوء من سرعته أثناء عبوره عبر مواد كالزجاج والماء. وهناك ثلاث وجهات نظر تفسر هذه الظاهرة نفسها، وكل منها يوظف فهماً مختلفاً للفيزياء.

أولها لجيمس ماكسويل ويفسرها من منظور الأمواج، والثانية تفسر الظاهرة من منظور الجسيمات، والأخيرة تفسرها من منظور ما يسمى البولاريتونات.

والنتيجة النهائية لهذه التفسيرات أن الضوء يبطئ من سرعته قليلاً.

المصدر

هنا