تصادم المجرات: فوضوي لكن لولاه لا توجد البشرية

إذا اعتقدت يوماً ما بأن المجرات المفردة يستمر وجودها بلا اضطراب، يجب أن تعيد النظر. فتصادم المجرات جزء لا يتجزأ من تاريخ الكون بأكمله.

مجرتا الهوائيات، وهما مجرتان في طور التصادم والاندماج. المصدر: NASA, ESA, and the Hubble Heritage Team (STScI/AURA)-ESA/Hubble Collaboration

تصادم المجرات وتطور الكون

يعد تصادم المجرات أو اندماجها أشبه بشريان الحياة للكون، فهي أساس البنى الهائلة التي تنتشر في الكون إلى يومنا. ولعل ما يتخطى ذلك هو أن هذه التصادمات والاندماجات قد ساعدت في جعل الكون أكثر ملائمة للحياة. ولن نبالغ لو قلنا إننا ما كنا لنوجد لولاها. ومع أهمية الأمر، لم يبدأ العلماء في الكشف عن أسرار الكون إلا منذ مدة قصيرة، وما زال هناك الكثير منها.

المجرة NGC 3256، تبعد عنا ما يقارب ١٠٠ مليون سنة ضوئية، وتكونت نتيجة اندماج مجرتين. حقوق الصورة: ESA/Hubble, NASA

ما الذي يسبب تصادم المجرات؟

إذا ألقينا نظرة إلى تاريخ المجرات كلها، فسنرى أن كل مجرة قد تعرضت ​​لعدد قليل من الاندماجات الرئيسية، وبعض الاندماجات الثانوية. ويحدث اندماج رئيسي عندما يكون الجسمان المتداخلان متساويان في حجميها إلى حد ما. لكن إذا ابتلعت مجرة ​​كبيرة مجرة ​​أصغر منها، نصنف ذلك بأنه اندماج ثانوي. أما الذي يسبب اندماج المجرات فهي الجاذبية ببساطة. ولا شيء ثابت في الكون، والمجرات تتحرك عبر الفضاء. فإذا تواجهت مجرتان على مسافة قريبة، يمكن للجاذبية المتبادلة بينهما أن تقربهما إلى بعضهما أكثر. ومع تناقص المسافة الفاصلة بينهما، تزداد الجاذبية، ليتقدما نهاية الأمر في مسار التصادم.

ماذا يحدث عند تصادم المجرات؟

مجرتا تافي أو الحلو تتصادمان. حقوق الصورة: International Gemini Observatory/NOIRLab/NSF/AURA Image Processing: M. Rodriguez (NSF’s NOIRLab), T.A. Rector (University of Alaska Anchorage/NSF’s NOIRLab), J. Miller (Gemini Observatory/NSF’s NOIRLab), M. Zamani (NSF’s NOIRLab) & D. de Martin (NSF’s NOIRLab) Acknowledgment: PI: A. S. Castelli (Universidad Nacional de la Plata)

من الخطأ أن نعتقد أن اندماج المجرات مثل حادث سيارتين. والنجوم لا مجال لاصطدامها! إذ تبلغ المسافات بين النجوم ضمن المجرة الواحدة مئات المليارات من الكيلومترات. واحتمال اصطدام نجمين في اندماج مجرتين احتمال ضئيل جداً.

ولكن يمكن بالطبع أن تتمزق النجوم بسبب قوى الجذب والشد الهائلة أثناء الاندماج بين المجرتين. وتنفصل النجوم في النهاية لتصطف في خطوط طويلة، لتهدأ العملية في النهاية ويستقر ما تبقى من نجوم في مجرة واحدة، منحنية في الغالب بشكل غريب.

ويمكن أن تنشأ أشكال متنوعة عن عملية الاندماج، إذ يمكن لمجرتين لهما أذرع حلزونية أن تتحولا إلى مجرة أهليجية بلا ملامح. وقد تنشأ مجرة حلقية، أي يصبح الجزء الداخلي الناجم عن الاندماج فارغاً، وتصطف النجوم في حلقة حول المركز. ومهما كان الشكل الناتج، فأنه يستغرق مليارات السنين، وليس عملية سريعة كما تتخيل.

تصادم المجرات ونشوء النجوم

تتأثر الغازات أيضاً، إذ تتفاعل مع الغازات الأخرى. يؤدي ذلك إلى انفجارات هائلة تنشئ النجوم. إذ تؤدي درجات الحرارة ودرجات الضغط الهائلة إلى نشوء نجوم جديدة.
وكانت نسبة نشوء النجوم ضمن المجرات في بداية الكون تقارب ٥٠٪، لكن النسبة أصبحت ٣٠٪ في الكون الحديث. وبالطبع لولا عملية نشوء النجوم التي أطلقتها عملية اندماج المجرات ما كنا على قيد الوجود. فهي سبب نشوء النتروجين والأوكسجين الذي نتنفسه، أو حتى ذرات الكربون النتي نتكون منها.

المادة المظلمة

إذا كانت اندماجات المجرات مذهلة، هناك ما لا يمكن رؤيته أيضاً. فالنجوم والغاز والغبار جزء صغير جداً من المجرة، ومعظم كتلة المجرة من المادة المظلمة. وفي الحقيقة عندما تتصادم عناقيد المجرات، تنفصل المادة العادية عن المادة المظلمة.

ويستطيع علماء الفلك رؤية تأثير المادة المظلمة عبر ما يعرف بأثر عدسة الجاذبية، حيث يعمل الجسم المندمج على حني ضوء النجوم البعيد حوله. وللمادة المظلمة دور كبير في النموذج الأفضل الذي نملكه عن الكون وبنيته وأصله. ولو لم نشهد اندماج المجرات لكان هناك شيء ناقص في نموذجنا هذا عن الكون.
ولا ننسى أن في كل مجرة ثقب أسود هائل، وعند اندماج مجرتين يندمج الثقبان أيضاً. وما زال هناك الكثير مما لا نفهمه عن حدوث ذلك.

الأمواج الثقالية

يمكن أن يفيدنا اندماج ثڨبين أسودين باستكشاف مجرات بعيدة لا ترى بالتلسكوبات العادية. إذ ينتج عن اصطدامهما أمواج ثقالية أو موجات جاذبية، وهي تموجات في نسيج الكون نفسه. وتنتقل هذه الموجات بسرعة الضوء. وقد رصدت لأول مرة عام ٢٠١٥. وما تزال مراصدنا كمرصدي لايغو وفيرغو حساسة لاندماجات الثقوب السوداء الصغيرة، أما الكبيرة فتحتاج معدات ستتوفر في المستقبل القريب.

الطاقة المظلمة

قد تظن أن جميع المجرات التي تشدها الجاذبية ستصطدم، لكن هناك عامل مؤثر آخر تزداد فعاليته مع الوقت، وهو الطاقة المظلمة. حيث اكتشف العلماء في التسعينيات أن توسع الكون يتسارع. وأطلقت تسمية الطاقة المظلمة على السبب الغامض وراء ذلك.

إنها معركة لا يمكن للجاذبية أن تنتصر فيها، فمع استمرار الطاقة المظلمة في توسيع الكون بوتيرة متسارعة، ستتسع المسافة الفاصلة بين معظم المجرات. وستنخفض قوة جذبها، وستبعدهما الطاقة المظلمة عن بعضها أكثر. وسيستمر ذلك إلى أن يصبح الاندماج مستحيلاً. وسيستمر ذلك إلى أن تصبح المسافات بين النجوم كبيرة جداً فلا تتمكن الجاذبية من تقييدها. فتتمزق المجرات. أي أن الطاقة المظلمة ستهدم يوماً ما أنجزته الاندماجات في الكون تماماً.

ملخص المقال

إن تصادم المجرات أو اندماجها أشبه بشريان الحياة للكون، فهي أساس البنى الهائلة التي تنتشر في الكون إلى يومنا. ولن نبالغ لو قلنا إننا ما كنا لنوجد لولاها. ومع أهمية الأمر، لم يبدأ العلماء في الكشف عن أسرار الكون إلا منذ مدة قصيرة، وما زال هناك الكثير منها.

أما الذي يسبب اندماج المجرات فهي الجاذبية ببساطة. ويمكن أن تنشأ أشكال مجرية متنوعة عن عملية الاندماج. وتنشأ النجوم عن تصادم المجرات. وعند اندماج مجرتين يندمج ثقباهما الأسودين. ويمكن أن يفيدنا اندماج ثڨبين أسودين باستكشاف مجرات بعيدة لا ترى بالتلسكوبات العادية عن طريق أمواج الجاذبية الناتجة. والطاقة المظلمة ستنتصر على الجاذبية في النهاية وتمزق الكون.

المصدر

هنا