لا يوجد ما يسمى جانب القمر المظلم، وإليك السبب!
إن عبارة جانب القمر المظلم منتشرة وشائعة ويستخدمها الجميع، ولكن هل يملك القمر فعلاً جانباً مظلماً؟ إن الإجابة تعتمد على ما تعنيه بقولك جانب مظلم. فإذا كنت تعني أن القمر له جانب يعمه الظلام باستمرار، فالإجابة لا.
جانب القمر المظلم عبارة خطأ
في حين يقابل الأرض الوجه ذاته من القمر دائماً، والوجه الآخر يقع في الجهة الأخرى ولا نراه، إلا أن الوجهين يتلقيان كميات متقاربة من أشعة الشمس على مدار العام. لذلك لا يوجد جانب مظلم للقمر. وذلك لعدم وجود جزء من القمر يحتجب عنه الضوء دائماً.
معنى مظلم
كلمى مظلم لها معان عديدة ويقصد بها شيء آخر. أحد المعاني هو الشيء غير المكتشف أو المعروف نظراً لكونه نائياً. وربما هذا أحد الأسباب الذي دعا إلى إطلاق هذه التسمية المضللة على الوجه الآخر من القمر.
ومن المعاني الأخرى باللغة الإنجليزية لكلمة مظلم الشخص الذي لا يمكن الاتصال به بوسائل الاتصال المتوفرة، فنقول أنه انطوى في الظلام، أو أصبح غير متاح. ولعل هذا المعنى يشير إلى معنى وجه القمر البعيد غير المقابل لنا بعض الشيء. لأن القمر يحجب الإشارات الراديوية التي ترسل إلى المركبات الفضائية التي تدور قربه، أو التي ترسل منها.
ولكي يتجنب العلماء اللبس، فإنهم يتحدثون عن الوجه البعيد من القمر، بدلاً من قولهم الوجه المظلم للقمر.
الوجه البعيد للقمر
إن امتلاك القمر وجهاً بعيداً من الأساس يعود إلى ظاهرة ناتجة عن الجاذبية تسمى التقييد المدي أو التزامن المداري.
فالجاذبية تبقي القمر على مسافة من الأرض بحيث يستغرق ٢٨ يوماً ليدور حول كوكبنا. وبالطبع ٢٨ يوماً هي المدة ذاتها التي يستغرقها القمر للدوران حول نفسه مرة. ولهذا يقابل أحد وجوه القمر الأرض على الدوام، ووجهه الآخر يبقى في الجهة الأخرى.
وهذه الظاهرة شائعة في نظامنا الشمسي. فعطارد مثلاً مقيد مدياً بالشمس. ومن بين الأقمار المتزامنة مع كواكبها قمرا المريخ فوبوس وديموس. وقمرا نبتون بروتيوس وترايتون، وقمر بلوتو شارون، والكثير من أقمار المشتري وزحل وأورانوس.
التأرجح القمري
بالرجوع إلى قمرنا، يجدر القول إن هذا التزامن أو التقييد ليس مثالياً. إذ تسبب بعض التغيرات في المسافة بين الأرض والقمر ظاهرة تسمى التأرجح القمري. وهو تأرجح ظاهري للقمر كما يرى من الأرض.
وبفضل التأرجح القمري، فإن بعض مناطق الوجه البعيد التي تقع قريبة من الخط المفترض الفاصل بين الوجه المضاء والوجه البعيد، ترى أحياناً من الأرض.
وتشكل هذه المناطق ما نسبته ١٨٪ من الجانب البعيد للقمر. أما نسبة ٨٢٪ المتبقية غير مرئية أبداً لنا. وذلك إلى أن بدأت المهمات الروسية والأمريكية التي دارت حولت القمر في الخمسينيات والستينيات.
ومنذ ذلك الوقت جرى تصوير الجانب البعيد كله ورسمت المركبات المدارية خرائط له. وآخر مهمتين وصلتا إليه هما المهمتين الصينيتين تشانج أي ٤ وتشانج إي ٦، ومهمة أرتيميس التابعة لناسا المتوقعة في ٢٠٢٦.
ما أهمية الجانب البعيد للقمر؟
يهتم العلماء بالجانب البعيد لأن صوره مختلفة تماماً عن الوجه المضاء. إذ فيه فوهات صدمية أكثر وأحواض أكثر، والبحار والمسطحات فيه أقل. والسبب الآخر هو الاهتمام المتزايد بفكرة بناء تلسكوب راديوي هناك. لأن مثل هذا التلسكوب سيكون مواجهاً الفضاء، وسيحميه جسم القمر الضخم من أي إشارة تشويش قادمة من الأرض.
وكما ذكرنا، يتلقى الوجهان كمية جيدة من أشعة الشمس على مدار العام. وهناك أمران هنا.
أولاً، يتعرض الجانب القريب من القمر -خلافاً للبعيد- لضوء الشمس المنعكس عن الأرض. تماماً كما نتلقى ضوء الشمس المنعكس عن القمر. وفي الواقع، الأر ض المكتملة التي ترى من القمر أعلى سطوعاً بمقدار ٣٤ مرة من البدر الذي نراه من الأرض!
وهناك عامل آخر يؤخذ بعين الحسبان. وهو أن الوجه القريب من القمر ينحجب بانتظام عن الأرض، جزئياً على الأقل. وهذا ما نسميه هنا الكسوف. ولكن هذا لا يحدث على الجانب البعيد للقمر بالطبع، لأنه يتوجه بعيداً عنا.
والنتيجة النهائية لكل هذا، هو أنك عندما تجمع ساعات التعرض للضوء المباشر للشمس وساعات عدم التعرض، وتطرح أي مدة قضيت في ظل الأرض، فإن الجانب البعيد الذي نسميه المظلم، يتلقى أشعة شمس أكثر بقليل من الوجه القريب!
ملخص المقال
إن عبارة جانب القمر المظلم منتشرة وشائعة ويستخدمها الجميع، لكنها خطأ. فوجها القمر كلاهما يتلقيان كميات متقاربة من أشعة الشمس على مدار العام. والصحيح قولنا وجه القمر البعيد.
إن امتلاك القمر وجهاً بعيداً يعود إلى ظاهرة تسمى التقييد المدي أو التزامن المداري. وهي شائعة في النظام الشمسي. وبفضل التأرجح القمري نرى ١٨٪ من الجزء البعيد للقمر.
وللعلم، يتلقى الجانب البعيد أشعة شمس أكثر بقليل مما يتلقاه الجانب القريب!