نيل آرمسترونغ: أول إنسان يمشي على سطح القمر

 

نيل آرمسترونغ
نيل آرمسترونغ: رائد فضاء في وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» ومهندس طيران. التقطت هذه الصورة له خلال الفحص الأخير لنظام اتصالاته قبل انطلاق بعثة «أبولو ١١». (حقوق الصورة: NASA).

ملخص المقال

نيل آرمسترونغ هو أول إنسان في التاريخ يطأ سطح القمر يوم ٢٠ تموز/ يوليو ١٩٦٩ ضمن بعثة «أبولو ١١»، ورافقه إيدوين آلدرين في مركبة الهبوط إيغل، ومايكل كولينز في مركبة التحكم والخدمة كولومبيا. قال كلماته الشهيرة عند الهبوط: «إنها خطوة صغيرة لإنسان، لكنها قفزة هائلة للبشرية». كان آرمسترونغ قبل ذلك طيار اختبار لدى ناسا، وبعد المهمة اختار أن يبقى خارج دائرة الضوء. توفي عام ٢٠١٢ جراء مضاعفات عمل جراحي. وفي عام ٢٠١٨ أطلق فيلم السيرة الذاتية لنيل آرمسترونغ «الرجل الأول» بناءً على كتاب جيمس ر. هانسينز «الرجل الأول: حياة نيل آرمسترونغ»، من بطولة رايان غوزلينغ، وفي عام ٢٠٢١ أطلق اسم نيل آرمسترونغ على منشأة اختبار أوهايو.

نيل آرمسترونغ
نيل آرمسترونغ – (حقوق الصورة: NASA)

كان يوماً عظيماً للبشرية ذلك اليوم التاريخي الذي وصلت به إلى سطح القمر، كان حلماً وتحقق على يد رائد فضاء حفر اسمه في سجل الخلود، هو الذي قال كلماته المشهورة عندما وطئت قدمه القمر: «إنها خطوة صغيرة لإنسان، لكنها قفزة هائلة للبشرية»، إنه نيل آرمسترونغ.

من هو نيل آرمسترونغ باختصار؟

هو رائد فضاء لدى وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» ومهندس طيران، نال شهرة واسعة عندما غدا أول إنسان يمشي على سطح القمر يوم ٢٠ تموز/ يوليو ١٩٦٩ ضمن بعثة «أبولو ١١».

اشتهر آرمسترونغ بقلة حديثه عن إنجازاته، وتفضيله التركيز على الفريق الذي ساعده بالوصول أكثر من تركيزه على خطواته الأولى على القمر، وفي هذا قال لـ «الإندبندنت» عندما سألوه عن ماهية شعوره بأن آثار أقدامه على سطح القمر ستبقى لآلاف السنين: «دعوني أقل بأني آمل أن يصعد أحدهم إلى هناك في يومٍ من أيامنا هذه ويمسح تلك الآثار».

تقاعد نيل من ناسا عام ١٩٧١، وبقي نشطاً ضمن مجتمع الفضاء مع أنه اختار الابتعاد عن دائرة الضوء العامة، وتوفي في ٢٥ آب ٢٠١٢ عن عمر بلغ ٨٢ عاماً.

بداية مسيرته المهنية وعمله لدى ناسا

ولد آرمسترونغ في وباكونيتا في أوهايو يوم ٥ آب/ أغسطس ١٩٣٠. عمل طياراً بحرياً بين عامي ١٩٤٩ و١٩٥٢ وخدم في الحرب الكورية، ثم نال الإجازة في العلوم باختصاص هندسة الطيران من جامعة بوردو عام ١٩٥٥، ثم الماجستير في العلوم باختصاص هندسة الطيران من جامعة جنوب كاليفورنيا عام ١٩٧٠.

أصبح نيل آرمسترونغ بعد ذلك طيار اختبار لدى ناسا NASA، وكانت تعرف حينها باسم اللجنة الاستشارية الوطنية للملاحة الجوية NACA، فحلق بالطائرة «إكس ١٥» المزودة بمحرك صاروخي لاختبارها، ويذكر أنه حلّق في أكثر من ٢٠٠ طائرة مختلفة خلال مسيرته تلك.

وفي عام ١٩٦٢ وقع الاختيار على نيل آرمسترونغ ليكون جزءاً من مجموعة رواد الفضاء الثانية التابعة لناسا، وهي المجوعة التي صعدت في مهمة جيميني التي تتسع لطاقم من اثنين، وفي أبولو التي تتسع لثلاثة، وقد كان آرمسترونغ قائداً لمهمة «جيميني ٨» و«أبولو ١١».

 أما عن أول اقتران مداري بين مركبتين في الفضاء فقد كان على يد آرمسترونغ وديفيد سكوت حيث التحمت مركبتهما «جيميني ٨» مع المركبة الهدف غير المأهولة «أجينا»، ولكنهما واجها مشكلة خطيرة وكانت أيضاً أول حالة طارئة في الفضاء، حيث علق أحد محركات الدفع الصاروخي وبقي مفتوحاً في مركبتهما «جيميني ٨»، وراحا يدوران بسرعة تتجاوز دورة حول المحور في الثانية، ولكن آرمسترونغ تمكن من استعادة السيطرة والعودة الاضطرارية للأرض بسلام.

وفي أيار ١٩٦٨ بالكاد نجا آرمسترونغ من حادث مريع أثناء التحليق بمركبة الأبحاث الخاصة بالهبوط على القمر داخل الغلاف الجوي للأرض.

أبولو ١١ والمشي لأول مرة على سطح القمر

اختارت ناسا طاقم «أبولو ١١» الذي سيحط على القمر من الرواد المتمرسين، أولهم نيل آرمسترونغ الذي سيقود المهمة، وإيدوين آلدرين الذي سيقود مركبة الهبوط على القمر «إيغل» أو النسر، ومايكل كولنز الذي سيبقى في المدار القمري على متن وحدة التحكم والخدمة «كولومبيا».

عندما حط آرمسترونغ وآلدرين بمركبة الهبوط «إيغل» على القمر، اتصل لاسلكياً بالأرض قائلاً: «من قاعدة بحر السكون على القمر إلى هيوستن، هبط النسر بنجاح». رد مسؤول الاتصال ورائد الفضاء تشارلز ديوك من الأرض: «من روجر إلى قاعدة بحر السكون، نسمعك جيداً من الأرض. كادت أنفاس الجميع تنقطع هنا، وقد جعلتنا نتنفس مجدداً، شكراً جزيلاً».

ترجّل آرمسترونغ من مركبة الهبوط «إيغل» ولمس بقدمه اليسرى سطح القمر الساعة ١٠:٥٦ مساءً بالتوقيت الصيفي الشرقي بتاريخ ٢٠ تموز/ يوليو (٢١ تموز/ يوليو الساعة ٢:٥٦ بتوقيت غرينتش) أمام كاميرا تبث حركاته مباشرة إلى الأرض، وكانت أولى كلماته: «إنها خطوة صغيرة لإنسان، لكنها قفزة هائلة للبشرية».

استغرقت جولة آرمسترونغ وآلدرين على سطح القمر ساعتين و٣٦ دقيقة جمعا خلالها عينات وأحجاراً قمرية، وأجريا تجارب عدة، ثم نصبا العلم الأمريكي وتحدثا مع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون حينها.

ثم غادرا بالمركبة «إيغل» سطح القمر يوم ٢١ تموز/ يوليو، والتحمت المركبة مع وحدة التحكم والخدمة «كولومبيا» وعادت باتجاه الأرض لتحط بنجاح في المحيط يوم ٢٤ تموز/ يوليو. أُدخل رواد الفضاء إلى الحجر بعدها لتقليل مخاطر التقاطهم أية جراثيم قمرية، ثم باشروا رحلةً حول العالم للاحتفال بالمهمة.

ما بعد «أبولو ١١» حتى وفاة آرمسترونغ

أصبح آرمسترونغ بعد الفترة التي قضاها رائداً للفضاء نائب مدير مساعد للملاحة الجوية في مقر ناسا، واستقال منها عام ١٩٧١، وبين العامين ١٩٧١ و ١٩٧٩ عمل مدرساً في الهندسة الفضائية في جامعة سينسيناتي، ثم رئيساً لشركة تقنيات الحوسبة للطيران بين عامي ١٩٨٢ و١٩٩٢، وشارك في لجنة روجرز الرئاسية للتحقيق في أسباب كارثة انفجار المكوك الفضائي تشالنجر في ٢٨ كانون الثاني/ يناير ١٩٨٦ التي راح ضحيتها ثمانية رواد فضاء.

اختار آرمسترونغ أن يبقى خارج دائرة الضوء تقريباً بعد مغادرته ناسا، وكان يعاود الظهور من حين إلى آخر في بعض المقابلات أو أثناء الاحتفال بكل ذكرى سنوية تخص أبولو ١١، وقد انتقد بشدة خطط تحويل الرحلات الفضائية المأهولة من ناسا إلى مركبة فضائية خاصة.

وفي عام ٢٠١٢ خضع آرمسترونغ لجراحة فتح مجرى جانبي للشريان التاجي، وأفضت المضاعفات الناجمة عن العملية إلى وفاته يوم ٢٥ آب/ أغسطس بعمر ٨٢.

وبالطبع انهالت التعازي من كل حدب وصوب بدءاً من الرئيس أوباما إلى رفاقه في أبولو ١١ آلدرين وكولنز وغيرهم، وقد قال عنه أوباما في كلمته: «كان نيل من بين أعظم الأبطال الأمريكيين، ليس فقط في عصره بل بكل الأزمان، فعندما انطلق ورفاقه على متن أبولو ١١ عام ١٩٦٩، حملوا معهم الأمة كلها وآمالها إلى الفضاء، انطلقوا ليبرهنوا للعالم أن الروح الأمريكية يمكنها أن تتجاوز ما يبدو مستحيلاً، وأنه بقليل من الاندفاع نحو الأهداف والبراعة يصبح أي شيء ممكناً».

نثرت عائلته رماده في المحيط الأطلسي ضمن مراسم من على ظهر حاملة صواريخ كروز الموجهة «يو إس إس فلبين سي»، وحينها أمر أوباما بتنكيس الأعلام في عموم الولايات المتحدة حداداً يوم الجنازة.

بعد وفاة آرمسترونغ

صرحت مؤسسة سيمثسونيان في عام ٢٠١٥ أن آرمسترونغ كان يملك كيساً قماشياً يحوي بداخله أجزاءً صغيرة من الوحدة القمرية «إيغل»، ولم يكشف أمر هذا الكيس لعقود حتى وجدته أرملته كارول، كما لم يُعرف كيف حصل على هذا الكيس، ولكن كان من الشائع خلال سنوات مهمة أبولو أن يحتفظ رواد الفضاء بتذكارات من رحلاتهم، لذلك وعقب وفاة آرمسترونغ بشهر شرّع أوباما قانونياً احتفاظ رواد فضاء بعثات ميركوري وأبولو وجيميني بهذه التذكارات بسند قانوني.

وجدير بالذكر أن نيل آرمسترونغ وكولينز وآلدرين  حضروا عام ٢٠٠٩ تكريماً أقامته لجنة مجلس النواب الأمريكي للعلوم والتكنلوجيا لهم وأعلنوا تشريع قانون يمنحهم ميدالية الكونغرس الذهبية.

وفي ١٢ تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠١٨ أطلقت يونيفيرسال بكتشرز فيلم السيرة الذاتية لنيل آرمسترونغ «الرجل الأول» بناءً على كتاب جيمس ر. هانسينز «الرجل الأول: حياة نيل آرمسترونغ»، من بطولة رايان غوزلينغ بدور نيل، وقد أثار الفلم جدلاً سياسياً لأن صانعيه قرروا عدم إدراج مشهد نصب آرمسترونغ للعلم الأمريكي على سطح القمر، مع أن آرمسترونغ قام بذلك في الواقع.

وفي ١١ آب/ أغسطس ٢٠٢١ أطلق اسم نيل آرمسترونغ على منشأة اختبار أوهايو، واليوم تعرف محطة بلوم بروك التابعة لناسا باسم منشأة اختبار نيل آرمسترونغ.