الثقوب السوداء البدائية تغرق الكون، فهل يضرب أحدها الأرض؟

الثقوب السوداء البدائية
تصور فني للمادة التي تدور حول ثقب أسود. حقوق الصورة: NASA/Dana Berry/SkyWorks Digital

يخيّل أن الثقوب السوداء مخيفة جداً ومظلمة وقوية وتنذر بالشؤم. وها هم ذا العلماء يتحدثون عن شيء آخر الآن، ألا وهو الثقوب السوداء البدائية التي نشأت في اللحظات الأولى من الكون، والتي تغرق كوننا اليوم.

فما هو احتمال توجه أحد هذه الثقوب الغارقة في القدم نحو الأرض؟ وهل يضرب أحد الثقوب السوداء البدائية -التي تغرق الكون- الأرض؟

ولادة في الانفجار العظيم

كان زمن الكون المبكر زمناً وحشياً ومعقداً، بعيداً جداً عن الكون الوديع الذي نعيش فيه اليوم. وتميزت اللحظات الأولى من الانفجار العظيم بتحولات مرحلية جذرية، وانشطار العناصر الأساسية وغيرها من الأحداث العنيفة.
وفي حين يفهم العلماء فيزياء الدقائق الأولى، إلا أن ما حدث قبل ذلك يلفه الغموض وكمية من الرياضيات المعقدة.

تشكل الثقوب السوداء البدائية

يحتاج تشكل الثقوب السوداء شروطاً بالغة الشدة، أي انهيار نجم على نفسه خلال الدقائق النهائية والكارثية من عمره.

ولم تكن النجوم موجودة في الثواني الأولى من وجود الكون، ولكن ربما وجدت الظروف المناسبة تماماً لتكوين الثقوب السوداء. فكل ما يحتاجه هذا كثير من المادة أو الطاقة وانحصارها في حجم صغير بما يكفي.

ولربما كانت الظروف في مجاهل ماضي الكون مناسبة تماماً لإغراق الكون بالثقوب السوداء البدائية، التي يمكن أن يكون لها أية كتلة تبعاً للظروف التي نشأت تحتها.

ولكن الاهتمام بالثقوب السوداء البدائية تضاءل خلال السنوات، إذ أن البحث عنها أفضى إلى لا شيء، وذلك حتى جاء مرصد لايغو.

فعندما رصد لايغو أول تصادم للثقوب السوداء، كان لها كتل فريدة، كل منها أزيد من كتلة الشمس بعشرات المرات. وهذا المقدار من الكتلة يصعب تحقيقه في اندماج الثقوب السوداء الناشئة عن النجوم العادية، لأن هذه الاندماجات يجب أن تكون متكررة قليلاً لكي يمكن تخيلها.

مصير غامض

فيما يتعلق بما كان يجري في الكون المبكر،  إن كان هناك بعض الآليات الغريبة التي يمكن أن تولّد ثقوباً سوداء، فلن تؤدي إلى عدد قليل منها، بل ستغرق الكون بها.

وفي الحقيقة، قد يوجد من الثقوب السوداء البدائية التي تطوف في الكون ما يكفي لتفسير جزء من المادة المظلمة على الأقل. تلك المادة الغامضة المسؤولة عن ٨٠٪ من المادة الموجودة في الكون.

ولنفترض أن مجموعة كاملة من الثقوب السوداء الصغيرة تتزاحم في الكون، فماذا سيحدث لها؟

الجيد أن الثقوب السوداء ليست سوداء ١٠٠٪، وتخسر من كتلتها عن طريق إشعاع هوكينغ. وهي العملية الميكانيكية الكمية المعقدة التي تحدث عند أفق حدث الثقب الأسود وتسمح بإفلات بعض الإشعاع وبعض الجسيمات.

وكلما صغر الثقب حجماً، ازدادت سرعة خسارته للكتلة. فالثقوب السوداء التي تقل كتلتها عن ١٠٠ مليون طن، أي أخف قليلاً من كويكب، ستخسر نصف كتلتها خلال العمر الحالي للكون.

وبسبب آلية عمل إشعاع هوكينغ، فإن الثقوب السوداء الأكبر من هذا، ستخسر فقط جزءاً صغيراً من كتلتها.

ويعتمد العدد الإجمالي للثقوب السوداء في كل مجرة على كمية المادة المظلمة التي تريد أن تفسرها عن طريق هذه الثقوب، وكم حجم كل منها. ومهما حاولت توزيعها، هناك الكثير منها.

كما أن كل ثقب منها سريع الحركة. فبناءً على النماذج الحاسوبية وعمليات الرصد لديناميكيات المجرة، للمادة المظلمة سرعة تزيد عن مئات الكيلومترات في الثانية. وعند هذه السرعة يمكن لثقب أسود بوزن كويكب أن يجتاز المسافة بين المشتري والأرض في مجرد أسبوعين. فهل ينبغي أن نخاف؟

 

إجراء الحسابات

ماذا إذا قدر لثقب أسود بكتلة كويكب أن يضرب الأرض؟ هي كارثة باختصار. إذ يمكن للثقب الأسود أن يخترق سطح كوكبنا مثل سكين حار يخترق الزبدة، ولكنه سرعان ما يتباطأ بسبب التداخل الثقالي مع الأرض.

وأي ذرة أو جزيء أو شخص يتجاوز أفق الحدث- وهو الحد الموجود في الثقب الأسود الذي لا يمكن أن يفلت شيء تجاوزه منه حتى الضوء- سيختفي ببساطة من الكون المعروف ولن يرى مجدداً.

وفي أفضل السيناريوهات، سينفذ الثقب الأسود من الجانب الآخر للكوكب، تاركاً خلفه من نجا لينظف الفوضى. أما في أسوأ السيناريوهات، يمكن أن يستقر الثقب الأسود في لب كوكبنا، حيث ستكون جاذبيته كافية لكي يبدأ الثقب الأسود الالتهام، وفي النهاية قد يلتهم كوكبنا بكامله.

ولحسن الحظ ووفقاً للحسابات في الدراسات، إن احتمال استقرار الثقب الأسود في لب الأرض ضئيل، فالثقوب السوداء سريعة جداً.

ومن ناحية أخرى، فإن التقاء كوكبنا بالثقب الأسود سيفضي إلى حقيقة أخرى غير سارة ألا وهي الحرارة.

فعند مروره بالأرض سيراكم المادة، وسيولد ذلك التراكم حرارة (ذات الحرارة التي تزود نوى المجرات النشطة بالطاقة). وسينتهي ارتطام ثقب أسود ذي كتلة كويكب بتحرير كمية الطاقة نفسها تقريباً التي يحررها اصطدام كويكب قطره كيلومتراً. وأنت تعرفون الكويكب قاتل الديناصورات.

لحسن الحظ، فإن احتمال اصطدام الثقوب السوداء بنا نادر. وفي أكثر السيناريوهات تفاؤلاً وفقاً لمعايير العلماء، قد يحدث اصطدام كل مليار عام.
لذا إذا تعلق الأمر باصطدام الثقوب السوداء، لا تخف.

ملخص المقال

الثقوب السوداء مخيفة وقوية. ومنها ما تشكل في اللحظات الأولى للكون يسمى الثقوب السوداء البدائية.

والثقوب السوداء البدائية تغرق الكون، فهل يضرب أحدها الأرض؟

قد يكون هناك آليات غريبة أدت إلى نشوء هذه الثقوب في الكون المبكر، وعددها كبير.
وتخسر الثقوب من كتلتها بإشعاع هوكينغ، وتزداد الخسارة بنقصان كتلتها. وهي سريعة جداً.

إذا ضرب واحد منها كتلته تعادل كتلة كويكب الأرض، فإما أن يخترقها وينفذ من الجانب الآخر، أو أن يستقر في لبها ويلتهمها، ناهيك عن الحرارة المتولدة من التراكم الذي يحدثه ذلك وتدميرها كل شيء. ويبقى هذا احتمال ضئيل.
فوفقاً للعلماء هذا الاصطدام نادر، وقد يحدث كل مليار عام، فلا حاجة للخوف.

المصدر

هنا