سر في عطارد لم ينكشف بعد
في البداية، ليس في كوكب عطارد الكثير للنظر إليه. فله سطح لن تحبه، مقفر بقدر القمر المليء بالفوهات الصدمية واحدة تلو أخرى. ولكن لدى عطارد سر يجعل الجميع يريد التعرف عليه، وهنا تأتي أهمية عطارد.
عن عطارد
عطارد هو الكوكب الأصغر من بين الكواكب الأربعة الداخلية الصخرية في نظامنا الشمسي. أصغر حتى من نصف حجم الأرض. وهو ليس أكثر من صخرة كروية، فلماذا أرسلت ناسا مارينر ١٠ إليه عام ١٩٧٤؟ ومن ثم مركبة مسنجر منذ ما يقرب العقد من الزمان؟ ولماذا تتساعد وكالة الفضاء الأوربية واليابانية لإرسال بيبي كولومبو لتصل عام ٢٠٢٥ إليه؟ ما أهمية عطارد؟
الإجابة: لأن عطارد فيه سر لم يكشف بعد!
فبالطبع كيفما فكرت، إن عطارد كوكب ميت، وبمكنك اكتشاف ذلك عن طريق فوهاته الصدمية. فالكواكب القادرة على تجديد سطوحها عن طريق الحركات التكتونية وعوامل التجوية ستمحي في النهاية ندوبها. ولهذا لا ترى الكثير من الفوهات على سطح الأرض. ولكنك تراها على عطارد.
إن درجات الحرارة فيه مرتفعة جداً. فلأنه أقرب الكواكب للشمس، يتلقى أشعتها بالجزء المقابل، لتصل حرارته إلى ٤٢٥ درجة مئوية تقريباً. ولكن على الوجه المقابل المظلم، يمكن أن تنخفض الحرارة إلى -١٤٠ درجة مئوية تقريباً.
فوهات صدمية ملساء
لمَ يمتلئ سطح عطارد بالفوهات الصدمية التي تكون ملساء من داخلها؟ تظهر صور من مسنجر التي حلقت بالقرب منه عام ٢٠٠٨ مناطق لم تصور من قبل في الكوكب. وقد وجد فيها فوهات صدمية كبيرة، وذات سطوح داخلية ملساء أشبه بالقمر. ويعتقد بأنها كانت مليئة بصهارة طافية قديمة. لكنها ليست أكبر عمراً من السطح المجارو المليء بالحفر.
وفي الواقع، يمكن أن يكون هناك مياه حتى على السطح. فبعض الحفر عميقة بما يكفي لبقاء ظل دائم فيها، وذلك حتى في ضوء النهار. ولعدم وجود غلاف جوي يذكر، فإنها تبقى باردة بما يكفي طوال اليوم.
حقل مغناطيسي غامض
ولكن اللغز الأكبر فيما يتصل بعطارد هو حقله المغناطيسي. فهو ضعيف جداً ويعادل ١٪ من قوة حقل الأرض. ولكن حتى ذلك أمر مذهل. وذلك لأن عطارد بالطبع لا يفترض بأن يكون لديه حقل مغناطيسي مطلقاً.
فالكواكب تولد حقولها المغناطيسية في لبها. واللب يحتوي عادة على أثقل العناصر في الكوكب، كالحديد والنيكل. وإذا كان اللب مرتفع الحرارة يما يكفي لصهره، فإن تلك المعادن تذوب. ومع دوران الكوكب تحتك المعادن وهي تدور. وتلك هي الظروف التي تولد حقلاً مغناطيسياً.
ولكن عطارد لا يحوي ما يكفي من اللب المنصهر. إذ أنه صغير فمعظم لبه الداخلي قد تبرد حتى الآن وأصبح صخرة صلبة. ولكنه ما زال يحتفظ بقليل من لب خارجي سائل.
كوكب ينكمش
إنه صغير وحار وينكمش أيضاً. هذا ما أشار إليه بحث مولته ناسا، وذلك أن عطارد ما زال يتقلص حتى اليوم، مشابها بذلك الأرض النشطة تكتونياً. وتظهر صور مهمة مسنجر انحدارات صدعية صغيرة لم تكتشف سابقاً، أشبه بتشكيلات صخرية تقترب من شكل الدرج. وهي صغيرة بما يجعل العلماء يعتقدون أنها حديثة التشكل. ما يعني أن عطارد ما زال ينكمش. وأن الأرض ليست وحدها النشطة تكتونياً في النظام الشمسي كما اعتقد سابقاً. وعطارد كوكب بالكاد يدور. فيوم واحد عليه يعادل ٥٨ يوماً أرضياً.
يجدر بالذكر أنه قبل مهمة مارينر ١٠، اعتقد علماء الفضاء وعلماء جيولوجيا الفضاء أن عطارد لا يقوى على توليد حقل مغناطيسي، ولكن ها هو ذا حقله المغناطيسي. ومن هنا صممت مسنجر وبيبي كولومبو لمحاولة فهم سر هذا الحقل المغناطيسي الغامض.
ملخص المقال
عطارد كوكب صغير مقفر لا حياة فيه، مليء بالفوهات. ولكن وجود سر في عطارد لم ينكشف بعد، جعل وكالات الفضاء إلى اليوم تحاول التعرف عليه.
فمع أن لب عطارد صلب ومتبرد، وليس منصهراً، أي لا معادن تحتك وتولد حقلاً مغناطيسياً فيه، فإنه مع ذلك يمتلك حقلاً مغناطيسياً.
ومع أنه صلب من الداخل، إلا أنه ما زال ينكمش، أي أن فيه نشاطاً تكتونياً. وهذا ما يدفع لإرسال مهمات أخرى إليه لكشف أسراره.