كيف يبدو الشفق القطبي على الكواكب الأخرى

الشفق القطبي على الكواكب الأخرى
حقوق الصورة: Aalto University

إن مشاهدة شفق قطبي أمام عينيك مباشرة أمر يثير مشاعر العجب والرهبة. ويأسر جمال أضواء الشمال أو الجنوب مخيلة العامة بصورة لا تشبه أي طقس فضائي آخر. ولكن أضواء الشفق ليست مقتصرة على الأرض فحسب، بل يمكن رؤيتها في عدة كواكب أخرى في نظامنا الشمسي.

والشفق القطبي نتيجة نهائية لسلسة أحداث تبدأ من الشمس. فالشمس تبث باستمرار تياراً من الجسيمات المشحونة -تعرف بالرياح الشمسية– إلى أعماق النظام الشمسي.

وعندما تصل هذه الجسيمات كوكباً ما كالأرض تتفاعل مع الغلاف المغناطيسي المحيط بهذا الكوكب. مما يضغط الحقل على صورة قطرة وينقل الطاقة إليه.

وبسبب الطريقة التي يمكن أن تتغير بها خطوط الحقل المغناطيسي، فإن الجسيمات المشحونة داخل الغلاف المغناطيسي يمكن أن تتسارع إلى أعلى الغلاف الجوي. وهناك تصطدم مع جزيئات كالنتروجين والأوكسجين مطلقة طاقة بصورة ضوء. ويشكل هذا شريطاً لونياً يمكن رؤيته في السماء بالقرب من القطبين المغناطيسيين الشمالي والجنوبي، وهو الشفق القطبي.

أضواء الشفق في الكواكب العملاقة الغازية

تحقق العلماء من أن أقرب جيراننا تحدث فيها أضواء شفق أيضاً. وذلك باستخدام قياسات من المركبات الفضائية كالمركبة كاسيني وصور من التلسكوبات كتلسكوب هابل. ويفعل العلماء ذلك عن طريق دراسة الإشعاع المغناطيسي الذي نتلقاه من كواكب أخرى. إذ تعد أطوال موجات انبعاثات محددة مؤشرات جيدة على وجود الشفق القطبي.

إن الكواكب العملاقة الغازية (المشتري وزحل وأورانوس ونبتون) لها حقل مغناطيسي قوي وغلاف جوي كثيف، ونتيجة لذلك لها أضواء شفقها.

 

وتختلف الطبيعة الدقيقة لهذه الأضواء عن أضواء شفق الأرض. وذلك لأن الأغلفة الجوية والمغناطيسية مختلفة في كل منها. فالألوان تعتمد على سبيل المثال على الغازات الموجودة في غلاف الكوكب الجوي. ولكن الفكرة الجوهرية لأضواء الشفق هي ذاتها.

الشفق القطبي في الكواكب الأخرى
الشفق القطبي الأزرق على المشتري. حقوق الصورة: NASA/J Clarke

فعلى سبيل المثال، تؤثر عدة أقمار من أقمار المشتري من ضمنها آيو وجانيميد ويوروبا على الشفق الأزرق الناتج عن الرياح الشمسية. فالقمر آيو الذي يكبر كوكبنا بقليل قمر بركاني ويطلق كميات كبيرة من الجسيمات المشحونة إلى غلاف المشتري المغناطيسي منتجاً تيارات كهربائية كبيرة وأضواء شفق قطبي فوق بنفسجية مشرقة.

وأقوى أضواء الشفق على زحل بالأشعة فوق البنفسجية وتحت الحمراء من الطيف اللوني ولذلك لا ترى بالعين البشرية. ولكن رصدت أضواء شفق وردية وأرجوانية أضعف وأندر.

الشفق القطبي
أضواء شفق زحل من تلسكوب هابل. حقوق الصورة: NASA/ESA/Hubble

كما أن لعطارد أيضاً غلاف مغناطيسي ولذلك يجب أن نتوقع وجود شفق قطبي أيضاً. ولسوء الحظ فإن عطارد صغير جداً وشديد القرب من الشمس فلا يحوي أي غلاف جوي. بمعنى أن لا وجود لأي جزيئة غاز لكي تثيرها الرياح الشمسية، وهذا يعني غياب أضواء الشفق.

أضواء الشفق غير المتوقعة

أما في الزهرة والمريخ فالقصة مختلفة. فبينما لا يحوي هذان الكوكبان حقلاً مغناطيسياً ذا نطاق كبير، إلا أنهما يحويان كلاهما غلافان جوياً.

وعند تفاعل الرياح الشمسية مع طبقة الأيونوسفير في الزهرة (طبقة الغلاف الجوي ذات الجسيمات المشحونة الأكثر). فإنها تنشئ أو تحرض حقلاً مغناطيسياً.

ووجد العلماء باستخدام العلماء لبيانات من مركبة فينوس إكسبريس أن هذا الحقل المغناطيسي يمتد نحو الخارج مبتعداً عن الشمس ليشكل ذيلاً مغناطيسياً. ويعيد هذا بدوره توجيه الجسيمات المتسارعة إلى الغلاف الجوي مشكلاً شفقاً قطبياً.

أما غلاف المريخ فرقيق جداً لحدوث عملية مشابهة فيه. ولكن تحدث فيه ظاهرة الشفق عن طريق حقول مغناطيسية محلية في قشرة الكوكب. وهي بقايا حقل مغناطيسي أكبر شامل للكوكب ولكنه اختفى مع تبرد لب الكوكب. ويولد تفاعل الرياح الشمسية وغلاف المريخ الجوي أضواء شفق متقطعة محصورة بمناطق الحقول في القشرة.

أظهر اكتشاف حديث لمهمة مافن أن لدى المريخ أيضاً أضواء شفق أكبر ممتدة عبر النصف الشمالي، وربما عبر الكوكب كله أيضاً.
وأضواء الشفق المنتشرة هذه نتيجة للجسيمات الطاقية الشمسية التي تمطر الغلاف الجوي المريخي، أكثر من كونها جسيمات من الرياح الشمسية تتفاعل مع الحقل المغناطيسي.

وإذا وقف رائد فضاء على المريخ، فسيستمر برؤية الشفق، ولكنه سيكون باهتاً وأزرق على الأرجح. وخلافاً للأرض، لن يكون من الضروري أن يكون قرب قطبي الكوكب.

إن معظم الكواكب خارج نظامنا الشمسي باهتة جداً مقارنة بنجومها الأم إذا نظرنا إليها لنرى إن كان فيها أضواء شفق. ولكن اكتشف العلماء مؤخراً قزماً بنياً (وهو جسم أكبر من الكوكب ولكنه ليس كبيراً بما يكفي لكي يحترق كالنجم) يبعد عن الأرض ١٨ سنة ضوئية يعتقد بأنه يحوي شفقاً قطبياً أحمر زاهياً. وهذا يزيد من احتمالية اكتشاف كواكب خارجية أخرى تحوي أغلفة جوية ومغناطيسية ولها أضواء الشفق الخاصة بها.

تعقيب

مثل هذه الاكتشافات مثيرة وجميلة وهي أيضاً مفيدة علمياُ. ويعطي البحث في أضواء الشفق العلماء دلائل مثيرة عن بيئة الكوكب المغناطيسية والجسيمية، كما قد تزيد فهمنا عن كيفية تفاعل الجسيمات المشحونة والحقول المغناطيسية. وهذا قد يحل ألغاز مسائل فيزيائية أخرى كالاندماج النووي.

ملخص المقال

إن مشاهدة شفق قطبي أمر يثير الإعجاب بالطبع. والشفق القطبي نتيجة لسلسلة أحداث تبدأ من الشمس، ويحدث على الكواكب الأخرى. وينتج عن تفاعل الجسيمات الشمسية مع الغلاف المغناطيسي للكوكب، ثم اصطدامها بجزيئات الغلاف الجوي للكوكب معطية ألواناً تختلف باختلاف مكونات الأغلفة.

ويحدث الشفق القطبي في الكواكب والأجسام الأخرى بالآلية ذاتها في الحقيقة. وتختلف الطبيعة الدقيقة باختلاف الحقول المغناطيسية والمكونات الغازية للأغلفة الجوية.

المصدر

هنا